الرئيسية / دراسات وتقارير / إيران وانتهاك سيادة الدول والقانون الدولي

إيران وانتهاك سيادة الدول والقانون الدولي

الشرق اليوم– أعلنت لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني إعداد مشروع قانون جديد لإبرام معاهدة المقاومة مع دول حركات تحرر في الدول العربية، ويقصد بحركات التحرر الجماعات المسلحة أو الميليشيات التي إما أنشأتها إيران أو دعمتها عسكرياً، فوفقاً لتقارير وسائل الإعلام الإيرانية يقوم برلمان طهران بصياغة معاهدة دفاعية وأمنية سيتم توقيعها بين مجموعات المقاومة والدول الداعمة لها.

ووفقاً لنص المعاهدة التي وضعت على موقع البرلمان الإيراني، سيتم إنشاء هيكل دفاعي مشترك مصمم لمواجهة التهديدات الخارجية، خصوصاً من الولايات المتحدة وإسرائيل، وستكون جميع الدول الأعضاء أو الميليشيات مطالبة بتقديم الدعم الشامل، بما في ذلك المساعدة العسكرية والاقتصادية والسياسية في حال تعرض أي دولة عضو لهجوم من إسرائيل أو حلفائه، وتنص البنود الرئيسة في الاقتراح على أن أي حركات حرية مدرجة في هذا الاتفاق يجب أن تحصل على موافقة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي قدم الاقتراح إلى وسائل الإعلام الإيرانية، وأكد أن هذا الاتفاق لا يهدف فقط إلى تعزيز التعاون العسكري، بل يهدف كذلك إلى دعم تطوير البنية التحتية لمجموعات المقاومة.

وبحسب المجلس، من المتوقع أن يؤدي التعاون في بناء القواعد العسكرية ومراكز التدريب إلى تحسين الاستعداد ضد التهديدات المحتملة وأن الهدف هو تسهيل التنسيق بين القوات الإيرانية ومجموعات المقاومة، كما أن اللوائح التنفيذية للاتفاق، بما في ذلك إنشاء أمانة عامة وتحديد المسؤوليات بين مختلف الوكالات، سيشرف عليها البرلمان الإيراني.

ومن أهم جوانب الاقتراح إنشاء قوة عسكرية مشتركة، تعمل المقار العسكرية كقيادة مركزية لإدارة العمليات العسكرية والاستجابة للأزمات وتعزيز القدرات العملياتية من خلال التدريبات العسكرية المشتركة المخطط لها، وتحاول وسائل الإعلام الإيرانية الترويج بأنه في حال تم تنفيذ الاتفاق، فإن هذا التحالف من شأنه أن يغير بصورة كبيرة ميزان القوى في المنطقة، ويقدم ثقلاً موازناً هائلاً للنفوذ الغربي الذي يسعى إلى إحداث الفوضى في المنطقة، وفقاً لها.

بعد ما سبق من تصور حول نوع العلاقة التي تريد إيران أن تضعها في إطار رسمي على صورة معاهدة، وعلى رغم عدم واقعية الفكرة أو التزامها القانون الدولي الذي يحدد شكل العلاقات بين الفاعلين الدوليين من الدول والمنظمات الدولية، فإن إيران وفي سياق استعادة قوة الردع أمام إسرائيل تستمر في انتهاك سيادة دول المنطقة، وعلى رغم أن النظام الإيراني استثمر في بناء شبكة من الوكلاء الإقليميين ولا يمكنه التخلي عنها كإحدى الأدوات في استراتيجية طهران التي يمكن من خلالها تهديد مصالح الخصوم وخلق مناطق اضطرابات، تسعى إيران إلى تخطي سيادة الدول وحكوماتها التي تعقد معها الاتفاقات عبر عقد ما يسمى “معاهدة المقاومة” مع الميليشيات الموجودة في تلك الدول، فنتحدث هنا عن لبنان والعراق واليمن وسوريا.

وللوهلة الأولى، فإن عدم واقعية أو مصداقية تلك الخطوة أمر مؤكد، إذ إن “اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات” لعام 1969 المادة الثانية فيها تنص على أنه يقصد بـ”المعاهدة” الاتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي، سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة، كما المعهود هو عقد الاتفاقات بين الدول وبعضها بعضاً أو بين حكومات تلك الدول والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة.

ولم يكُن هناك ما يسمى معاهدة بين دولة وجماعات مسلحة أو ميليشيات أو حتى حركات التحرر الوطني في الدول التي تقع تحت الاحتلال، حتى لو أن هناك تدخلات تتم من إحدى القوى الدولية الكبرى أو الإقليمية لدعم أحد أطراف صراع ما داخل الدول يتم ذلك من دون إطار رسمي، من جهة أخرى كيف يمكن لإيران تقديم الدعم لبعض الميليشيات الموجودة في دول الصراع مثل اليمن التي تم وفقاً لقرار مجلس الأمن حظر إيصال السلاح إليها، أي إن الطرح غير الواقعي شكلاً ومضموناً ينتهك سيادة الدول التي من المفترض أنها جيران لإيران وينتهك أيضاً قرارات مجلس الأمن الدولي من جهة أخرى.

بصورة عامة، كان لنسج العلاقات مع شبكة الوكلاء التي تسميها إيران حركات تحرر، والمفترض أن حركات التحرر تكون في الدول الواقعة تحت الاحتلال وليست الحال كذلك في سوريا أو اليمن أو العراق أو لبنان، أهمية استراتيجية لدى إيران استثمر فيها فيلق القدس، سواء كانت إيران في حال من الرفاه والانتعاش الاقتصادي أو الحصار المفروض، وما نتج منه من تردٍّ اقتصادي. لذا لم يكُن الوضع الاقتصادي سبباً في صوغ إيران سياستها الإقليمية، بل إن السياسة الإيرانية هي نتاج تفاعل مصالحها مع إدراكها للتهديدات والفرص من حولها، وتؤكد تلك النتيجة أن تدخل إيران في ظل العقوبات الخانقة في سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد منذ 2011، فضلاً عن مساندتها لـ”حزب الله” وحركة “أنصار الله”، لكن بعد إتمام خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، ارتفع الإنفاق العسكري على التسلح بنسبة 30 في المئة عام 2017 عن العام الذي سبقه، بما يدل على أهمية الاتفاق النووي لإيران من أجل الاندماج في المجتمع الدولي والاعتراف بمصالحها ونفوذها كقوى إقليمية.

وكان أهم محفزات سياسة إيران التي استخدمت فيها الأداة السياسية والأيديولوجية والعسكرية والاقتصادية نجاحها في الاستفادة من الانقسامات المذهبية والاجتماعية والسياسية في الدول العربية المجاورة لها، وعملت على تعميق العلاقات مع الفاعلين من غير الدول، وتغيير ميزان القوى لمصلحتهم في مواجهة سلطة الدولة، وأبرز الأمثلة على الاستراتيجية الإيرانية حالة “حزب االله” في لبنان والحوثيين باليمن، وتجلت تداعيات العلاقة مع هذين الفاعلين في تعميق الانقسامات بين طوائف المجتمع والنخب وإطالة أمد الصراعات، بل أحياناً قد تتطور الصراعات والانقسامات إلى حروب أهلية.

المصدر: independent

شاهد أيضاً

هل إيران في مأزق؟ وما الخيارات المتاحة لها بعد اغتيال نصرالله؟

الشرق اليوم– أحد المآزق التي تعرضت لها إيران وقد يكون دفعها إلى الرد على إسرئيل بالضربة الصاروخية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *