بقلم: فارس خشان – النهار العربي
الشرق اليوم- في خضم أطول حرب وأقساها كان “محور المقاومة” شنها على إسرائيل، منذ أحد عشر شهراً، ونتج منها حتى تاريخه، تدمير قطاع غزة عن بكرة أبيه وتحويل البلدات والقرى الجنوبية اللبنانية الحدودية إلى “تلال من ركام”، قال رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” هاشم صفي الدين، في احتفال تأبيني بالذكرى الأربعين لمقتل القائد العسكري في الحزب فؤاد شكر، إن “هذه المقاومة من فلسطين إلى لبنان إلى سوريا والعراق واليمن والجمهورية الإسلامية الإيرانية وإلى كل عالمنا العربي والإسلامي، وإن شاء الله مع الشعب الأردني الذي ينهض من جديد، هي مشروع كبير وعظيم، وهي التي ستحرر القدس وفلسطين، وستحقق الإنجازات الكبيرة، في يوم من الأيام بإذن الله تعالى”.
إذاً، ما كان مسألة أيّام وساعات ودقائق، وفق خطابات ملأت “الفضاء الممانع” من قم الإيرانية حتى بوابة فاطمة اللبنانية، أصبح، في ضوء الوقائع، مرجأً إلى “يوم من الأيّام”.
ليس صفي الدين وحده من أقرّ بـ”كذب المنابر”. قبله فعل ذلك الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، حين برز في خطابه الأخير، وهو يحطم بلسانه شعاره الشهير الذي يصف فيه إسرائيل بـ”أوهن من بيت العنكبوت”. في خطابه الأخير، وفي تبرير الهوة الكبيرة بين “التضحيات” و”الخسائر”، لم يجد نصر الله عبارة أكثر تعبيراً من “هذه إسرائيل” ليصف قوتها العسكرية والنارية والاستخبارية والتحالفية.
الخطورة في كلام صفي الدين ونصر الله ليست في واقعيته، فالجميع كانوا يعرفون أنّ “مرجلات” المنابر “تحشيدية”، “دعائية”، و”غير صحيحة”، وأنّ أيّ حرب يمكن أن يفتحها “محور المقاومة” مصيرها إحلال كارثة بالشعوب التي تهيمن عليها والدول التي تتحكم بها. خطورة هذا الكلام تكمن في أنّ الإقرار بالهزيمة الراهنة يترافق مع تمديد أمد المواجهات التدميرية إلى أجل غير مسمى، وهذا يعني أنّ “محور المقاومة” لا يقيم أيّ اعتبار لأيّ شيء في هذا الوجود، فهو يركز حصراً على “الأمل” بتحقيق “حلمه” الذي لا يملك الإمكانات اللازمة لتحقيقه.
في الواقع، لن تكون هناك فرصة أهم من تلك التي توفرها هذه الأيّام لتحقيق “الهدف المثالي”، أي تحرير القدس وفلسطين، فإسرائيل، وفق ما تراها “منابر الممانعة” منهكة، منقسمة على ذاتها، مفلسة، تائهة، خائفة، محاصرة. وفي المقابل، ووفق هذه المنابر، فإنّ “محور المقاومة” صلب، قوي، متماسك، منتصر، ومحصن!
أمام هذا “الخلل المنبري” في ميزان القوى ما الحكمة من إرجاء تحقيق الهدف إلى “يوم من الأيّام”؟ أليس من الجنون إعادة إنتاج الحروب والقتل والدمار؟ أليس إعطاء “العدو المنهك” فرصة لإعادة تجميع نقاط قوته ومعالجة خاصرته الرخوة، من أكبر “الأخطاء الإستراتيجية”، وفق علماء الإستراتيجية، بدءاً بسون تزو، كاتب “فن الحرب” ونيكولا ماكيافيلي، كاتب “الأمير”؟ أليس عاراً أنّ الحاكم الإسلامي في إيران الذي طالما تغنّى بشعار “إبادة إسرائيل” يمتنع عن توجيه ضربة قاسية ضدها انتقاماً لإسماعيل هنية، بعدما رعد وزبد، لأنّه خائف من مستوى رد الجيش الإسرائيلي ضده وما يمكن أن ينتج من ذلك “توريطه في حرب إقليمية شاملة”؟ أليس ذلاً أن يبقى النظام السوري على “حياده” وأرضه تهاجم ومنشآته تدمّر، بوتيرة شبه يومية، وهو الذي لم يُبقِ سورياً إلا ورماه على قارعة الأمم أو في المعتقلات وفي المقابر الجماعية، باسم “محاربة المؤامرة الكونية”؟ أليس معيباً أنّ “حزب الله” الذي ملأ الدنيا “مرجلات” يسهر على “دوزنة” قصفه، حتى لا يجر إسرائيل إلى حرب؟ أليس غريباً أن تتوقف صواريخ الحوثيين ومسيّراتهم عن استهداف تل أبيب، بعدما دمرت إسرائيل “مرفأهم الإستراتيجي” في الحديدة؟ وماذا يفعل “الحشد الشعبي الولائي”، سوى تذكير الأميركيين، كلما تقدمت مفاوضات الانسحاب الأميركي مع حكومتهم، بوجودهم، من خلال عمليات متفرقة لا يجرؤ أحد، في معظم الأحيان، على تبنيها، خوفاً من “التأديب القاسي”؟
عبارة “في يوم من الأيّام” لا علاقة لها بالسياسة، أو بالإستراتيجية، أو بالحكمة، أو بالقوة، أو بالحرب. هي عبارة صاغها العاجزون عن الوفاء بوعودهم، من أجل تهدئة خواطر هؤلاء الذين يستقوي عليهم. هي تشبه، إلى حد كبير، استعمال كلمات مثل “لو”، “حبذا” “يا ريت”. حالة مطلقها مثل حالة هذا الفقير الذي لا يتوقف عن الأمل في أن يربح، “في يوم من الأيام” جائزة اليانصيب، أو مثل ذاك المقامر الذي يرهن كل ممتلكاته لأنّه واثق بأنّه ” في يوم من الأيّام” سوف يكسب رهاناته. إنّ استعمال صفي الدين لهذه العبارة لا يشذ عن هذه القاعدة، فـ”حزب الله” خسر “حرب المساندة” ومعه الحوثيون والحشد الشعبي وإيران وسوريا. وعدوا الفلسطينيين على “المنابر” وخذلوهم في الساحات. و”حزب الله” هذا خائف من الحرب عليه، واتكاله الوحيد على “حكمة” أعدائه: بنيامين نتنياهو وجو بايدن!
إنّ عدم التفاعل بقوة مع قول صفي الدين “في يوم من الأيّام” وفق مقتضيات هذه العبارة الواقعية، من شأنه أن يُبقي المعلقين على حبالها، في جهنمهم، وأن يوقع من هم على عتبتها ليكونوا وقوداً لنارها المستعرة!