بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- بعد طيّها حقبة استمرت 14 عاماً من حكومات حزب المحافظين، التي اتسمت بعلاقات فاترة مع جيرانها، ها هي بريطانيا تحاول العودة إلى الحضن الأوروبي من بوابة حزب العمال الذي يبدو أن من أولى أولوياته إعادة الدفء إلى العلاقات بين لندن وبروكسل، لاسيما بعد الفتور الذي شهدته هذه العلاقات، إثر دخول «البريكست» حيز النفاذ في يناير 2020، وما تبع ذلك من تداعيات اقتصادية لم تكن بريطانيا على استعداد لها.
هنالك جوانب كثيرة تدعو بريطانيا إلى إعادة النظر بعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من أن أوروبا وبريطانيا متفقتان في ضرورة إحياء تلك العلاقة، فإن رئيس الوزراء البريطاني (العمالي) كير ستارمر يبدو أنه أشد حرصاً على ذلك، إذ إنه من خلال جولاته الأوروبية المكوكية وإيفاده وزير خارجيته إلى عواصمها، يسابق الزمن لتحقيق وعوده ب«التغيير» الذي ينشده البريطانيون، بعد أن ذاقوا مرارة الانفصال، وما جرّه من خسائر، وينشد أن يحقق الرفاه الاقتصادي لبريطانيا بأسرع وقت.
ورغم تأكيده بأن «عودة الاقتصاد البريطاني إلى سابق عهده ليس بضغطة زر وأن الأمر ليس سهلاً»، فإنه يحث الخطى لتقارب سريع مع التكتل الجار، لأنه يدرك أنه أمام معضلتين أساسيتين، فمن ناحية تسلّم البلاد في وضع اقتصادي صعب وهناك من يتربص به ويأمل ألّا يتمكن من إعادة النشاط التجاري مع الاتحاد الأوروبي لأنه في حال نجاحه وانتشاله بريطانيا مما هي فيه، فإنه سيدحض فكرة «البريكست» من جذورها، ومن ناحية أخرى فإن الحال إذا استمر على ما هو عليه، فإن الوضع سيكون كارثياً، لاسيما أن هناك خبراء حذروا من أن الاقتصاد البريطاني الذي انخفض مابين 2و3%، سينخفض في 2036 إلى 6%، وستكون هناك خسارة لثلاثة ملايين وظيفة، وسينخفض معدل الاستثمار بمقدار الثلث وهي عقبات كبيرة وحلها بإعادة النشاط التجاري لسابق عهده.
تداعيات «البريكست» على بريطانيا كانت كبيرة، فإلى جانب تبعاته الاقتصادية، فإنه فرض شبه عزلة عليها، وحجّم من ثقلها السياسي على الصعيد الأوروبي، بعد أن كانت إحدى دوله المؤثرة وصاحبة الكلمة الفصل في أكثر من موقف، وهو ما يحتم عليها أن تعيد ترتيب أوراقها.
ولعل هذا ما دفع وزير العلاقات الأوروبية البريطاني نك توماس سيموندز إلى مغازلة أوروبا بأن هناك قضايا ملحة من مصلحة الطرفين التعاون بشأنها كالأمن والهجرة والتجارة دون أن ينسى أن يعزف على وتر حرب روسيا على أوكرانيا، وضرورة أن يتعاضد الأوروبيون ضد موسكو، لأنها «تشكل خطراً مشتركاً عليهما معاً».
وفي حال نجحت حكومة ستارمر في خطب ودّ الأوروبيين، فإنها ستوجّه صفعة للمحافظين وتؤسس لتاريخ جديد لحزب العمال ربما يرفع رصيده أكثر في قادم الأيام.