بقلم: مايك بيديغان- اندبندنت
الشرق اليوم– بدأ الأمر بنشر صورة لـ “الرفيقة كامالا” وهي تقف أمام علم “المطرقة والمنجل” (رمز الشيوعية و”الاتحاد السوفياتي” السابق)، وسرعان ما تبعتها سلسلة من الصور لنساء شقراوات مؤيدات لدونالد ترمب ومعجبات بالمغنية تايلور سويفت، وهن يرتدين قمصاناً وقبعات كتب عليها “سويفتيز من أجل ترمب” Swifties for Trump. لكن عندما انتشرت صورة للرئيس الأميركي السابق وهو يمتطي ظهر أسد، أصبح من الواضح أن الصور التي يصنعها مؤيدوه باستخدام الذكاء الاصطناعي، تحولت إلى هوس جديد للمرشح “الجمهوري”.
منذ شهر مارس (آذار) 2023 على الأقل، بدأ ترمب بنشر مثل هذه الصور المعدلة باستخدام تقنية “فوتوشوب” التي تظهره في مشاهد مختلفة، بدءاً من جندي في الحرب العالمية الثانية، إلى راعي بقر، وحتى صورة مشابهة لشخصية “رامبو” السينمائية باللياقة البدنية والعضلات المفتولة – وكل ذلك مع إبداء جدية تامة، من دون أي سخرية.
إلا أنه في الآونة الأخيرة، أصبح ترمب يشارك هذه الصور المتخيلة بوتيرة متزايدة، وهي ظاهرة يبدو أنها تسارعت مع تصاعد حضور نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، عندما أصبحت مرشحة بارزة للحزب “الديمقراطي”، ونجاح حملتها على الإنترنت.
ووفقاً لجون كروس مديرة “برنامج الصحافة الوثائقية” Documentary Journalism Program في “جامعة كولومبيا”، فإن الدافع وراء هذه الظاهرة واضح، وهو أن دونالد ترمب يسعى ببساطة إلى الحفاظ على مكانته، وإثبات أنه لا يزال يجذب الأضواء.
وتوضح كروس لـ “اندبندنت” أنه “في انتخابات عام 2016، كان أي شيء ينشره ترمب يثير على الفور ردود فعل قوية في وسائل الإعلام الليبرالية، وكان الناس يتفاعلون بغضب مع كل تصريح استفزازي يصدر عنه ويتساءلون، “هل تصدقون هذا الكلام الفظيع؟”. لكن هذه المرة، لم أعد متأكدة مما إذا كان الأمر نفسه يحدث، خصوصاً أن كامالا هاريس أثبتت أنها ماهرة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كما ترمب، لا بل ربما تتفوق عليه في ابتكار الميمز.
اكتسبت حملة هاريس زخماً سريعاً في عالم الإنترنت، خصوصاً بعدما وصفتها نجمة البوب البريطانية تشارلي إكس سي إكس بـ “كامالا الفتاة الجريئة” Kamala is Brat، في إشارة إلى اسم ألبومها الغنائي الجديد الناجح brat [اللافت أن المعنى الأصلي للكلمة يحمل وصفاً سلبياً ويقصد به الصبي المدلل إلا أن استخدام مغنية البوب هذا المصطلح بصورة مغايرة أدرج المعنى الإيجابي للكلمة بين الأجيال الشابة] كما أسهمت إضافة تيم وولز ليكون مرشحاً لمنصب نائب الرئيس – الذي لديه خبرة في مقاطع الفيديو التي تحقق انتشاراً واسعاً وذلك بفضل ابنته هوب – في زيادة زخم الحملة.
وترى جون كروس أن تكرار دونالد ترمب على نحو مفرط في نشر الصور المعالجة باستخدام الذكاء الاصطناعي قد يكون – كما قد يرى الجيل الجديد – محاولةً منه لمواجهة النجاح الذي حققته حملة منافسته كامالا هاريس. وتوضح لـ “اندبندنت” أن “الأمر يبدو وكأن الرئيس السابق يحاول تجربة أساليب وتكتيكات مختلفة، تماماً كمن يرمي بكرات بلاستيكية على الحائط ليرى أياً منها سيلصق عليه، وذلك لمعرفة ما الذي يمكن أن يجذب انتباه الجمهور إليه”.
ومع ذلك، فإن نشاط دونالد ترمب على الإنترنت، كان دائماً وعلى نقيض منافسيه، يعكس حقيقة معتقداته وشخصيته ونياته، بشكل واضح.
وكان ترمب قد سعى منذ حملته الرئاسية الأولى في عام 2016، إلى تقديم نفسه بصورة الزعيم القوي القادر على مواجهة التهديدات الكبرى. واليوم، بفضل تقنية الذكاء الاصطناعي، يمكنه هو و”الجمهوريون” ابتكار تصورات خيالية وافتراضية تناسب سرديتهم، وتلقى صدى لدى مؤيديهم. كما أصبح بإمكانهم إنشاء ومشاركة هذا المحتوى المبالغ فيه والمثير، الذي يجذب دعم أنصارهم، ويستفيدون من انتشار ما يعرف بـ “فوضى الذكاء الاصطناعي” AI slop التي تهيمن على وسائل التواصل الاجتماعي اليمينية.
وترى جون كروس أن “الصور التي يظهر فيها دونالد ترمب وهو يمتطي أسداً، أو تلك التي تروج لأكاذيب مثل دعم تايلور سويفت له، تهدف في الواقع إلى تعزيز معنويات قاعدته الشعبية، ولا سيما منها أولئك الذين يعتمدون بشكل كامل على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أخبارهم. وكما هو معروف فإن هناك جيشاً كبيراً من أنصار ترمب الذي يلجأ أفراده إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومة، ويشككون في صدقية وسائل الإعلام الرئيسية”.
المعلق الاجتماعي والناشط باتريك جونز المعروف على الإنترنت باسم “السيد جونز إكس” Mr Jones X، يوافق على هذا التحليل، ويعتبر أن استخدام ترمب للصور التي تم إنشاؤها بواسطة “الذكاء الاصطناعي”، إنما يهدف إلى تعزيز ولاء قاعدته الراهنة المؤيدة له، وليس توسيعها وجذب متابعين جدد.
ويقول جونز لـ “اندبندنت” إن “ترمب يدرك أن هذه الصور يمكن أن تحدث تأثيراً في جمهور معين. فعندما يشاهد الناس اللقطات ولا سيما منها تلك التي ينشرها على منصات مثل “إكس” X أو “تروث سوشيال” Truth Social، فمن المرجح أن يصدقوها”.
وكان قد سبق لحملة ترمب أن تباهت ببعض الصور السياسية المثيرة التي لاقت اهتماماً كبيراً في الأعوام الأخيرة، كتلك الشهيرة للرئيس السابق وهو يرفع قبضته في تحد بعد محاولة اغتياله. لكن مع تنحي الرئيس الأميركي جو بايدن عن الترشح لولاية جديدة، وظهور كامالا هاريس مرشحةً للحزب “الديمقراطي”، بدت تلك الصور أقل تأثيراً ولم تعد تحقق الأهداف المرجوة منها.
ويرى باتريك جونز أن “هذا الأمر أحدث ارتباكاً تاماً في معسكر ’الجمهوريين‘ حيث لم تعد النقاط السابقة تحدث التأثير المنشود. كان عليهم أن يتخلصوا بالكامل من استراتيجية حملتهم السابقة”. ويعتبر أن “الزخم الذي أحدثته حملة هاريس – الذي يصعب مواجهته – دفع بفريق ترمب إلى الاعتماد بشكل متزايد على الجوانب الأكثر عبثيةً والحجج الأكثر سخافة”.
يتزامن الهوس الأخير من جانب الرئيس الأميركي السابق بالمحتوى الترويجي الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي، مع تصاعد المخاوف في الكونغرس في ما يتعلق باستخدام مثل هذه المواد في الانتخابات المقبلة. ويأتي في ظل ندرة القوانين أو القواعد الفيدرالية المعمول بها التي تنظم استخدام هذه التقنية.
وكانت السيناتورة إيمي كلوبوشار التي تمثل ولاية مينيسوتا في مجلس الشيوخ، قد قدمت في مارس (آذار) الماضي، مشروعي قانونين يهدفان إلى معالجة القضايا المتعلقة بالمحتوى الانتخابي الذي يبتكر بواسطة الذكاء الاصطناعي. الأول يركز على حظر التزييف العميق للمرشحين (مثل مقاطع الفيديو أو الصور التي تبدو حقيقية ولكنها مفبركة)، والثاني يهدف إلى تعزيز الشفافية من خلال إلزام الجهات المعنية بالإفصاح عن الإعلانات السياسية التي يجرى تعديلها أو التلاعب بها باستخدام الذكاء الاصطناعي.
الأعضاء “الجمهوريون” في “لجنة سن القواعد [الهيئة الناظمة] في مجلس الشيوخ” Senate Rules Committee عارضوا كلا المشروعين خلال التصويت عليهما، لكن الغالبية “الديمقراطية” تمكنت من تمريرهما عبر اللجنة في شهر مايو (أيار) الماضي. ثم فشل المشروعان في الحصول على تصويت بالإجماع في مجلس الشيوخ في يوليو (تموز) الفائت، وما زالا ينتظران فرصة أخرى لتصويت كامل في المجلس نفسه. وعلى رغم ذلك، فإن أثر هذه الصور لا يقتصر على كونها منشورات مسلية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتعرب الخبيرة جون كروس عن قلقها في هذا الإطار، مشيرة إلى أن “هناك بالتأكيد أخطاراً حقيقية. ففي انتخابات 2016 بذلت جهود كبيرة لثني الناس عن التصويت. وفي بعض الولايات، كان هامش الفوز ضيقاً للغاية، ولم يتجاوز 7 آلاف إلى 20 ألف صوت”.
وتختم بالقول: “إذا أمكن إقناع هؤلاء الأفراد بالبقاء في منازلهم، أو دفع عدد قليل منهم إلى تغيير وجهة تصويتهم، أو حتى عدم التصويت، فقد يترتب على ذلك تأثير كبير تحديداً في الولايات السبع المتأرجحة الرئيسية التي ينصب التركيز عليها الآن”.