بقلم: طارق فهمي- الاتحاد
الشرق اليوم– تشير متابعة العملية الانتخابية، وبرنامجي الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري» إلى أنه توجد قواسم كبرى بين الحزبين في إطار التعامل مع المصالح الكبرى للولايات المتحدة في العالم ومناطق النفوذ المباشرة، وأولويات الاستراتيجية الأميركية التي لا تتوقف عند التعامل أو الاشتباك، وفق مقاربات خاصة بالمصالح الأميركية، سواء كانت استراتيجية، أو سياسية، إضافة للمصالح الاقتصادية التي تدفع الولايات المتحدة لإعادة النظر في كثير من أولوياتها تجاه القوى الكبرى، كالصين أو روسيا والنطاقات الآسيوية، وفي إطار علاقاتها بدول الاتحاد الأوروبي التي تتعامل معها الولايات المتحدة بصفة الحليف الاستراتيجي.
الاستراتيجية الأميركية تدفع لرؤية مقابلة تتبناها الدول الحليفة للولايات المتحدة، سواء في الشرق الأوسط، أو خارجه، والتي تتوقع تغييرات ربما هيكلية من نتائج الانتخابات الأميركية، وفق رؤى هذه الدول، حيث لا يمكن مقارنة وضع هذه الدول الحليفة المصنفة، وفقاً للاستراتيجية الأميركية بأنها الدول الأكثر رعاية ودعماً، ودول أخرى تأتي في مرحلة تالية.
وهناك تخوفات من دول تُصنف على أنها دول متجاذبة، ومنها تركيا وإيران في الشرق الأوسط، ودول شرق أوروبا، والتي تتعامل معها الولايات المتحدة بمنظورها، مقارنة بما يجري مع الدول الرئيسة في الاتحاد الأوروبي، فيما يتم تصنيف دول مناوئة مثل كوريا الشمالية، وبعض دول جنوب شرق آسيا على أنها دول أكثر تحدياً للنموذج الأميركي. وهكذا فإن الولايات المتحدة تتعامل بمنظور متعدد التوجهات، ما يؤكد أن بعض هذه الدول أي كان تصنيفها تنتظر نتائج الانتخابات الأميركية، وتتعامل مع محددات كل إدارة، سواء كانت «ديمقراطية»، أو «جمهورية» برؤية مختلفة، انتظاراً لاستراتيجية قد تكون متداخلة في بعض الأحيان.
منطقة الشرق الأوسط تترقب ما يجري في إطار شراكة محددة مع الولايات المتحدة، سواء تمت التسوية المعطلة في ملف غزة، أو تمت تسوية مرحلية في توقيت لاحق في ظل رهانات عربية بأن الحل قد يكون- أي كان شكله أو اطاره- مع إدارة جديدة، سواء كانت «جمهورية» أو «ديمقراطية»، بل، والتوقع أن يكون الأمر مرتبطاً بأولويات الإدارة الأميركية الجديدة، حيث تطرح ثوابت للتعامل بشأن إقرار مشروعات التعاون الاقليمي، وتهدئة المنطقة واستيعاب ايران، وتسكين جبهات الوكلاء الإقليميين، بما يؤمن إسرائيل من أية ارتدادات تمس أمنها القومي.
وما ينطبق على الشرق الأوسط يمضي أيضاً مع خصوصية التعامل مع الحلفاء، حيث التخوف الأوروبي من عودة «الجمهوريين» التي تعني أن على أوروبا أن تدفع ثمن الدفاع عن أمنها، وفق معادلة «أميركية النفقة والتكلفة العائد»، وهو تصور عام أوروبي قد يؤدي إلى اتباع نموذج جديد في العلاقات، ويذكر بأفكار خاصة بالجيش الأوروبي والفيلق الألماني الفرنسي، وبناء استراتيجية أوروبية جديدة في ظل توسيع مهام حلف «الناتو»، وطرح استراتيجية تركز على أن أمن أوروبا يعلو على أي أمن آخر، وقد يؤدي إلى مزيد من تأمين، وتحصين أوروبا من أي مخاطر روسية واردة خاصة، وأن استمرار الحرب في أوكرانيا، وانفتاحها على مشاهد مختلفة قد يؤدي إلى تأثر الحدود الأوروبية واحتمالات انتقال المخاطر إلى مسارح عمليات أخرى.
ومن ثم فإن أية تداعيات قد تكون مطروحة في سياق العلاقات الأميركية الروسية الصينية سيرتبط باستراتيجية محددة تتفق فيها الرؤية «الجمهورية» و«الديمقراطية» معاً، وفي إطار من الثوابت المحددة للمصالح الأميركية العليا في العالم، خاصة أن حجم المشكلات التي تواجه العالم تحتاج إلى رشادة حقيقية، وتدخلات أميركية حاسمة للتعامل مع المهددات الدولية والإقليمية الراهنة، والمتوقعة ليس باعتبار أن الولايات المتحدة على رأس النظام الدولي، بل لأن الولايات المتحدة متشابكة مع الصراعات المتعددة في العالم، وتسعى لتأمين حضورها الاستراتيجي والتعامل الاستباقي مع أي أزمة واردة، وهو ما يفسر بالفعل انخراط الولايات المتحدة في أزمة الشرق الأوسط والحرب في غزة ليس فقط دفاعاً عن أمن إسرائيل، بل لتأمين مصالحها، والحضور الاستراتيجي في العالم العربي حيث الوجود العسكري والشراكات الكبرى في الخليج العربي والبحر الأحمر، والممرات الدولية، الأمر الذي يؤثر على حجم التجارة الدولية في العالم، وطرق التنقل وفق خطوط الغاز والنفط والاستثمارات الضخمة، إضافة للتخوف من تحركات صينية في النطاقات الاستراتيجية لاستراتيجية الولايات المتحدة في العالم، وليس فقط في مناطق المصالح الكبرى التي تتحرك فيها الولايات المتحدة لتأمين مصالحها العليا.
وبالتالي، فإنه ليس غريباً أن تتابع دول العالم ما يجري في الأوساط الأميركية مع التحسب لأية نتائج قد تأتي بها الانتخابات الأميركية المقبلة مع التصور بأن الأطراف المنخرطة في صراعات، سواء من الحلفاء، أو الأعداء وفقاً للطرح الأميركي الرسمي لا تتوقع أن تتدخل الولايات المتحدة بمزيد من السياسات العدائية التي يمكن أن تغير من محددات التعامل الرئيس مع الملفات الراهنة، في ظل وجود مؤسسات، وقوى داخل الولايات المتحدة تعرف بمؤسسات القوة، ومراكز التأثير التي تحمي المصالح الأميركية في عمومها.