الشرق اليوم- على مدى أشهر الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة، ظلت التحذيرات تتوالى من تمدد الصراع إلى الضفة الغربية، وقد كانت تلك المخاوف في محلها، فها هي مدن جنين وطولكرم وطوباس ومخيماتها تشهد نفس الأسلوب المتبع في القطاع، غارات واشتباكات وضحايا وهدم للمساكن وتجريف للشوارع، ما ينذر بانفجار كبير للأوضاع وتداعيات أسوأ على المنطقة، ما لم تتحرك جهود جدية وحازمة لمنع هذا التدهور.
الخطاب الإسرائيلي يصر على التكبر ولا يكترث للنداءات والتحذيرات، وكأنه يقامر بجولة أخرى من التصعيد، بينما الحرب في غزة ما زالت مفتوحة ولم ترس على نتيجة في ظل تعثر المفاوضات حيالها، وتعذر تحقيق أهدافها المعلنة من تل أبيب، أما الضفة الغربية، التي نالها من الاعتداءات الكثير في الأشهر الأحد عشر الماضية، فباتت على فوهة بركان حقيقي، وبات شمالها مسرحاً لمواجهة مفتوحة منذ الأربعاء الماضي.
لكن التوتر لم يتوقف عند ذاك الحيز الجغرافي، بل امتد إلى القدس والخليل ورام الله، بما قد يشمل كل مساحة الضفة الغربية التي استباحها الجيش الإسرائيلي ومستوطنوه، في عملية إعادة احتلال مفضوحة تنفذها حكومة بنيامين نتنياهو وزمرة المتطرفين المحيطة به، من أمثال وزيري الأمن والمالية المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الأول بتسليح المستوطنين والثاني بتسهيل إجراءات تمويل المستوطنات.
وفي مرات عدة، وحتى منذ ما قبل العدوان على غزة قبل 11 شهراً، تحدث بن غفير وسموتريتش عن «خطط سرية» لضم الضفة الغربية، وهي خطط ليست جديدة، بل أعلنها سابقاً نتنياهو نفسه، ولاقت دعماً غير مشروط من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي سعى بشعبويته المعهودة إلى طمس القضية الفلسطينية وتغييبها عن الساحة الدولية.
ما يدور في الضفة الغربية، لا ينفصل عن الحالة السائدة في غزة، فالحرب على الساحتين باتت تستهدف الوجود الفلسطيني، وتسعى إلى اجتثاثه بالإبادة والتهجير وتدمير مقومات الحياة، وإذا كان هناك من يزعم أن العدوان على غزة كان بسبب هجوم السابع من أكتوبر على العمق الإسرائيلي، فإن الضفة الغربية لم تشارك في أحداث ذلك اليوم.
وبهذا المنطلق ليس هناك ما يبرر استهدافها كما هو الحال الآن، لكن الحقيقة أن إسرائيل تبيّت منذ فترة لهذا العدوان الواسع، وتحاول في هذا الظرف تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية في الضفة، في ظل اهتمام المجتمع الدولي بالأوضاع في غزة ومساعي وقف الحرب هناك، واستمرار الانقسام الفلسطيني المزمن الذي لا يستجيب لنداءات الإصلاح ولمّ الشمل، واستعادة الوحدة الوطنية المغدورة.
أمام الغطرسة الإسرائيلية المتمردة على كل شيء، فلم يُبدِ المجتمع الدولي أي إرادة فعلية لإجبار إسرائيل على الانصياع للشرعية الدولية وإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، وفي الأيام الماضية صدرت بيانات ومواقف عالية النبرة من الأمم المتحدة ومن الجامعة العربية ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وأحياناً من الولايات المتحدة، لكنّ واقع الحال لم يتغير؛ لأن إسرائيل المتعنتة لا تهتم بهذه البيانات ولا تتفاعل معها، ولا يهم حكومتها المتطرفة إلا استمرار الحرب والعدوان والتهديد بتصعيد التوتر في المنطقة إلى درجة الغليان والانفجار الشامل.
المصدر: الخليج