بقلم: محمود أبو بكر – اندبندنت
الشرق اليوم– نقلت مواقع إخبارية صومالية وصول طائرتين عسكريتين مصريتين أول من أمس الثلاثاء إلى مطار آدم عدي الدولي في العاصمة الصومالية مقديشو، وعلى متنهما معدات عسكرية وضباط مصريين، كجزء من خطة إعادة تنظيم استراتيجي واسع النطاق بمنطقة القرن الأفريقي.
وقال موقع “الصومال الجديد” الإخباري إن القاهرة تستعد للمشاركة في بعثة الدعم التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال (أوسوم)، التي من المقرر أن تحل محل بعثة أخرى هي “أتميس” (المهمة الانتقالية الأفريقية في الصومال) بحلول يناير (كانون الثاني) 2025.
فيما نشر موقع “إنسايد أفريكا” مقاطع فيديو لهبوط الطائرتين في مطار مقديشو، مؤكداً أنهما كانتا محملتين بالمعدات العسكرية والضباط الذين سيراقبون مراكز القيادة العسكرية بمنطقة هيران الصومالية على طول الحدود الصومالية – الإثيوبية.
من جهته أشاد سفير الصومال لدى القاهرة ومندوبها الدائم في جامعة الدول العربية علي عبدي أواري بالخطوة المصرية التي وصفها بـ”المهمة”، وتعد أولى الخطوات العملية لتنفيذ مخرجات القمة المصرية – الصومالية التي عقدت بالقاهرة أخيراً بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس جمهورية الصومال حسن شيخ محمود، وشهدت توقيع اتفاق دفاع مشترك بين البلدين.
وأكد السفير الصومالي في بيان له أن مصر لم تتوان يوماً عن دعم الصومال، موضحاً أنها بذلك ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية.
ويرى المراقبون لشؤون منطقة القرن الأفريقي أن وصول المعدات العسكرية المصرية إلى الصومال يعد تمهيداً لمشاركة مصر في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.
إثيوبيا تحذر
من جانبها اعتبرت وزارة الخارجية الإثيوبية في بيان أن البعثة الجديدة للاتحاد الأفريقي في الصومال ستشكل خطراً على المنطقة، مؤكدة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي بينما يتخذ لاعبون آخرون تدابير لزعزعة استقرار المنطقة.
وحذر البيان مفوضية الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة من دخول منطقة القرن الأفريقي إلى حالة عدم استقرار بعد تجاهل مخاوف إثيوبيا في شأن انتقال قوات مصرية جديدة إلى الصومال.
وأضاف يتعين على جميع المسؤولين عن إعداد وتفويض مهمة دعم السلام الجديدة بالصومال، أن يأخذوا في الاعتبار المخاوف المشروعة لدول المنطقة والدول المساهمة بقوات، مشيراً إلى ما سماه “محاولات القوى التي تحاول تأجيج التوتر لتحقيق أهدافها القصيرة الأجل أن تتحمل العواقب التي ستنزلق إليها المنطقة”.
وذكرت الخارجية الإثيوبية أن أديس أبابا شاركت في محادثات مع مقديشو بوساطة تركية لحل الخلافات مع حكومة الصومال، منوهة إلى أن ثمة تقدماً ملموساً أحرز خلال جولتي المفاوضات، متهمة مقديشو بالسعي مع جهات خارجية إلى زعزعة استقرار المنطقة.
تحرك عسكري إثيوبي
من جهة أخرى نقلت مواقع إخبارية إثيوبية أن أديس أبابا حركت قوات عسكرية إضافية إلى إقليم أوغادين الإثيوبي بمحاذاة حدود الصومال، رداً على التحرك العسكري المصري.
ونقل موقع أمهرة نيوز أن التحركات العسكرية الإثيوبية في إقليم أوغادين تأتي في إطار مواجهة أي انتشار للقوات المصرية على حدود إثيوبيا، مشيراً إلى أن القاهرة تسعى إلى نشر قوات عسكرية يصل عددها بين 5 آلاف إلى 10 آلاف جندي في مناطق جنوب غربي وهيرشبيلي وجالمودوج في الصومال.
ووفقًا للتقرير ذاته فإن القوات المصرية المزمع انتشارها في الصومال ستضم نحو 10 آلاف جندي مصري، 5 آلاف منها ضمن بعثة “الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال”، بينما سيعمل 5 آلاف الباقون بشكل مستقل عن بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، في إطار الاتفاق العسكري الموقع بين مصر والحكومة الصومالية في القاهرة.
تصاعد المشهد
بدوره قال الباحث المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن سيد أن المشهد الراهن في المنطقة قد يتصاعد إلى توتر أكبر في العلاقات الصومالية – الإثيوبية من جهة، والعلاقات الإثيوبية – المصرية من جهة أخرى.
وتوقع أن يدفع ذلك رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى محاولة نشر قوات له على حدود بلاده مع الصومال، بخاصة في ظل رواج معلومات على تحريك حكومته لمعدات وتعزيزات عسكرية إلى المنطقة الشرقية للبلاد المحاذية للحدود الصومالية، بحجة المشاركة في الاحتفالات للقيادة الشرقية للجيش الإثيوبي المرابط في تلك المناطق الواقعة بالقرب من الحدود الصومالية.
ويرجح الباحث في شؤون القرن الأفريقي أن يسهم الوجود المصري في ردع التطلعات الإثيوبية التي أعلنتها أديس أبابا على لسان وزيرها الأول، عندما تحدث عن سعي حكومته إلى امتلاك منفذ بحري بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لتحقيق هدف الإطلالة على المحيط الهندي، وذلك في أعقاب توقيعه لـ”مذكرة التفاهم” مع رئيس إقليم صوماليلاند، متجاوزاً بذلك الأعراف الدولية والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي حول وحدة سيادة الصومال.
ورأى أن للقاهرة مصلحة أكبر من الدفاع عن الصومال، وهو الدفاع عن حقها في نهر النيل الذي يعتبر شريان الحياة بالنسبة إلى مصر، لأن بناء إثيوبيا لسد النهضة من دون تنسيق مع دول المصب “دق ناقوس الخطر على حياة المصريين والسودانيين”.
ويوضح سيد أن مصر وجدت فرصة تاريخية للتحالف مع الصومال وتعزيز وجودها العسكري، لبعث رسالة واضحة بأنها جادة في الدفاع عن حقها بكل الوسائل الممكنة لإيقاف أديس أبابا عن العبث بالتدفق الطبيعي لمياه نهر النيل.
السيناريوهات المحتملة
وفي تعليقه على تحذير إثيوبيا قال عبدالرحمن سيد إن التطورات الأخيرة ستضع أديس أبابا أمام سيناريوهين، الأول السعي إلى إعادة حساباتها والكف عن العبث بأمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي ومياه نهر النيل.
وأشار إلى أنه في هذه الحالة ستجنح أديس أبابا لقرار إطلاق مفاوضات مباشرة مع القاهرة لضمان مصالح الجميع، وتنمية علاقات معززة لحسن الجوار والمصالح المشتركة لبلدان القرن الأفريقي ودول حوض النيل.
يتابع أما السيناريو الأخير فيتمثل في أن تندفع إثيوبيا نحو مواجهة عسكرية محدودة في الشريط المحاذي للصومال سعياً إلى جلب تعاطف بعض الدول الغربية والأفريقية، واستبعد أن يحقق هذا السيناريو أهداف إثيوبيا، بخاصة أنه سيضطرها إلى مواجهة أحد أقوى الجيوش الأفريقية (الجيش المصري)، بجانب مواجهة العزيمة القتالية للصوماليين في دفاعهم عن أراضيهم ومياههم الإقليمية أمام الأطماع التوسعية الإثيوبية.
العمق الاستراتيجي
من جهته رأى المحلل السياسي الإثيوبي بيهون غيداون أن الصومال يمثل العمق الاستراتيجي للأمن القومي الإثيوبي لاعتبارات كثيرة أهمها أن الشريط الحدودي للبلدين يمتد إلى نحو ألف كيلو متر، إضافة إلى أن إقليم أوغادين الإثيوبي يضم نحو 7 ملايين من المتحدثين باللغة الصومالية، ولهم صلات عميقة ثقافية وعرقية بالصومال، فضلاً عن التاريخ المشترك بين البلدين اللذين خبرا ثلاث حروب كبرى خلال العصر الحديث، أولها ما يعرف بحرب الحدود الإثيوبية – الصومالية في عام 1964، ثم حرب أوغادين في عامي 1977 و1978، وأخيراً الحرب الأخيرة التي اندلعت في أغسطس (آب) عام 1982.
ويرى غيداون أن إثيوبيا شاركت في كل البعثات الدولية لحفظ السلام في الصومال بعد انهيار نظام زياد باري لجهة سعيها إلى استقرار الصومال، لأن تفكك الدولة الصومالية من شأنه أن ينعكس سلباً على استقرارها الداخلي، بخاصة أن ثمة حركات صومالية متطرفة تستهدف إثيوبيا، مثل حركة الشباب الصومالي، فضلاً عن أزمة النازحين.
حفظ السلام أم جلب الحرب؟
ويزعم المتخصص الإثيوبي أن البعثة الجديدة للاتحاد الأفريقي في الصومال، لم تراع حساسية الوضع الذي تمر به المنطقة، في تشكيل القوات المبتعثة لحفظ السلام، مشيراً إلى أن مهمة هذه القوات قد تنحرف من حفظ السلام إلى إشعال حروب جديدة في هذه المنطقة الموبوءة بالصراعات البينية.
وينوه غيداون إلى أن إصرار مقديشو على توقيع معاهدة دفاع مشترك مع القاهرة، في ظل التوترات القائمة بين إثيوبيا والصومال، من جهة والقاهرة وأديس أبابا من جهة أخرى، يبعث برسائل غاية في الخطورة.
ويوضح أن الأمر لا يتعلق بمشاركة مصر في بعثة الاتحاد الافريقي للسلام فسحب، بل إن ثمة معلومات تشير إلى سعي قوات مصرية أخرى لا تتبع البعثة الأفريقية إلى الانتشار على الحدود الصومالية – الإثيوبية، وهو ما يعد بمثابة اختلاق فتيل مواجهة بين أديس ابابا والقاهرة.
ويرجح المحلل الإثيوبي أن ما يحرك القاهرة اليوم ليس حفظ الاستقرار في الصومال، إذ لم تشارك قواتها في أية بعثات سابقة على رغم انهيار وتفكك الصومال لثلاثة عقود مضت، بل إن ما يحركها مصالحها الاستراتيجية المتعلقة بمياه النيل، في محاولة للضغط على الموقف الإثيوبي في شأن التوصل إلى اتفاقات فنية تلزم إثيوبيا بالتفريط في سيادتها المتعلقة ببناء وتشغيل سد النهضة.
سياسة الردع
من جهته يرى المتخصص في الشأن الصومالي عيدي محمد أن الوفود العسكرية المصرية التي تزور مقديشو أتت للتباحث مع المسؤولين الصوماليين حول نقطتين رئيستين، الأولى التنسيق والتشاور حول المسائل الفنية المتعلقة بإحلال بعثة الدعم التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال (أوسوم)، محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال أتميس التي تنتهي مهماتها في يناير المقبل.
أما النقطة الثانية فتتعلق بالتنسيق في شأن تنفيذ الاتفاقات المشتركة الموقعة أخيراً في القاهرة، وعلى رأسها اتفاق الدفاع المشترك.
ويرى عيدي أن كلا الملفين يعتبران من صميم السيادة الصومالية، ولا يحق لأية دولة جارة التدخل فيهما، فالأول يتعلق بولاية بعثة قارية شكلت بطلب من الصومال، والملف الأخير يتعلق باتفاق ثنائي بين بلدين مستقلين يتمتعان بالسيادة الكاملة.
وأشار إلى أن المخاوف التي عبرت عنها إثيوبيا غير مبررة تماماً، بخاصة أنها ظلت تنشر قواتها منذ أكثر من عقدين من دون أدنى اعتراض من أية دولة، على رغم التاريخ الدموي بين البلدين منذ القرن الـ16 وحتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، مضيفاً أن أديس أبابا لا تملك أي مصوغ قانوني لمنع الصومال من توقيع اتفاقات ثنائية مع دول شقيقة سواء في المجالات العسكرية أم الأمنية أم غيرها من المجالات، منوهاً أن الدولة التي توقع اتفاقات مع إقليم غير معترف به داخل دولة ذات سيادة، لا تملك حقاً قانونياً أو أخلاقياً لمنع حكومتي دولتين من توقيع اتفاقات عسكرية، أو تعترض على مشاركة دولة أفريقية مثل مصر في بعثة تابعة للاتحاد الأفريقي.
وفي رده على سؤال “اندبندنت عربية” حول تحذير إثيوبيا يقول عيدي، في اعتقادي أنه في هذه الحالة فإن الحضور المصري سيمثل عامل استقرار فعلياً، مشيراً إلى أن بإمكانه تحقيق “نظرية الردع”، ففي وقت ظلت إثيوبيا تهدد الصومال بالاستيلاء على موانئ في شريطه السيادي، فإن الحضور المصري قد يسهم في إبطال حرب محتملة بين مقديشو وأديس أبابا، من خلال تمثلات نظرية الردع، إذ تفترض هذه الرؤية “أن القوة هي أفضل علاج للقوة، فقوة الدولة هي العامل الأساس لكبح جماح الآخرين، فعندما يتحقق لدولة ما تفوق في القوة فإنها تستطيع فرض إرادتها على الدول الأخرى، ولا يكبح جماحها إلا قوة أخرى مضادة لها أو متفوقة عليها، وهو ما تبنى عليه سياسة الردع”.