بقلم: فارس خشان – النهار العربي
الشرق اليوم- بعد 25 يوماً من اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، شنّ “حزب الله” هجوماً مركباً على شمال إسرائيل، وطوى “الصفحة”، بعدما ملأها بقصائد من فصيلة “الفخر”.
وإذا كان “حزب الله” قد أنجز “واجبه الجهادي” ورفع عقوبة “انقطاع النفس” عن اللبنانيّين، إذ أجاز الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، في ضوء “الهجوم الانتقامي”، لمن يرغب بالعودة إلى المنازل التي نزح عنها في عمق الجنوب وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، وكلّف البلد بأن “يأخذ نفسه”، فإنّ الأنظار تتجه نحو “الجمهورية الإسلامية في إيران” التي لم تف بعد بوعدها الانتقام لرئيس المكتب السياسي لـ”حركة حماس” إسماعيل هنية، بعدما اغتيل في الثلاثين من تموز (يوليو) الماضي، في قلب طهران، بفارق ست ساعات فقط عن اغتيال فؤاد شكر في حارة حريك!
وإذا كانت القيادة الإيرانية قد أظهرت الكثير من التردد في تنفيذ وعيدها الانتقامي، بعدما أيقنت أنّ إسرائيل لن تقبل بذلك وتجهّز سيناريوهات قاسية للرد على الهجوم، فإنّ ما تلمّسته، في ضوء التفاعل الإسرائيلي مع “عملية الأربعين” التي نفذها “حزب الله” في يوم حلول ذكرى “أربعين الحسين”، قد يدفعها أكثر فأكثر إلى إيجاد مزيد من المبررات لتطوي صفحة هنية، من دون “انتقام عسكري” نوعي.
وعلى رغم قصائد الفخر التي نظمها “حزب الله” بـ”عملية الأربعين”، من جهة، وقصائد “المدح” التي ألقاها فيها حلفاء الحزب في “جبهة المقاومة”، فإنّ القيادة الإيرانية أدركت، بفعل “الهجوم الاستباقي” الذي شنته إسرائيل، قبل ربع ساعة على الأقل من بدء الهجوم المركب عليها، أنّ رسائل التهديد التي تلقتها من إسرائيل، تحمل نسبة عالية من الحقيقة. في هذه الرسائل التي نُقلت عبر الوسطاء، تأكيدات بأنّه إذا شنت إيران هجوماً انتقامياً لهنية، فسوف تتم مواجهته، بغض النظر عن النتائج، بـ”هجوم استباقي” يستهدف “كنوز” النظام في طهران وغيرها، بقدرات أعلى من تلك التي مكّنت سرب المقاتلات الإسرائيلية من الوصول، بسهولة، إلى الحديدة الحوثيّة!
وخلافاً لدعاية إيران و”محور المقاومة”، فإنّ الجميع يملكون ما يكفي من أدلة على أنّ الجيش الإسرائيلي كان يعرف، مسبقاً، بتوقيت هجوم “حزب الله” كما بالأهداف “النوعية” التي يطمح إلى الوصول إليها.
ومن تابع عن كثب ما حصل قبل هجوم “حزب الله”، ومن دون أن يكون ضالعاً بـ”أسرار الآلهة”، يدرك ذلك، فالصحافة الإسرائيلية، الخاضعة بكل ما يتصل بشؤون الحرب لرقابة مسبقة، تحدثت قبل أكثر من 24 ساعة من حلول “ذكرى الأربعين”، عن اقتراب موعد رد “حزب الله” على اغتيال شكر، ووحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، وجهت قبل ساعة من “الهجوم الاستباقي” تحذيراً إلى سكان الجنوب بوجوب الابتعاد، فوراً، عن كل ما له صلة بـ”حزب الله”، وذلك حفاظاً على حياتهم، كما أنّ الاستخبارات الإسرائيلية كانت السباقة في تسمية الأهداف النوعية التي يستهدفها رد “حزب الله” وأعلنت مسبقاً إحباطها، من خلال استهداف المرابض الصاروخية ومواقع المسيّرات الجوية التي كانت مخصصة لذلك.
وتعرف إيران أنّ التنسيق العسكري الإسرائيلي – الأميركي وصل إلى مستويات إيجابية غير مسبوقة، منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، فالإدارة الأميركية أزالت كل تحفظاتها عن تل أبيب التي في المقابل قبلت أن تتناغم مع خطوطها الحمر، ولذلك هي لم تذهب فقط بخطاب إيجابي إلى مفاوضات “هدنة غزة” في الدوحة بداية وفي القاهرة لاحقاً، بل وافقت على الانتقال في حربها على غزة إلى “المرحلة الثالثة”، أي مرحلة وقف الاجتياح لمصلحة “العمليات الهادفة”، وارتضت أن تبقي الحرب على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية على المستوى الذي وصلت إليه، لإعطاء المسار الدبلوماسي فرصة جديدة.
وهذا يعني أنّ إيران تعرف جيّداً أنّ التراجع الإسرائيلي لسد الثغرات في علاقتها مع الإدارة الأميركية، له هدف جوهري واحد، وهو توفير المظلة الأميركية لتل أبيب، إذا شنّت طهران هجوماً عليها، تحت عنوان “الانتقام لهنية”.
ولا تخفي إيران اعتقادها بأنّ إسرائيل تعمل على توريطها مباشرة في الحرب المندلعة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، فيما طهران ترغب في إبقاء الصراع مع تل أبيب على مستوى “الأذرع”.
وبناءً عليه، فإنّ الواضح أنّ طهران ستبقى تفتش عمّا يحفظ ماء وجهها، حتى لا تجد نفسها تتدحرج إلى حرب لا تريدها ولا تملك القدرة عليها. وقد يكون تضخيم أهمية هجوم “حزب الله” على إسرائيل، وقد دخلت إيران بقوة على خطه الدعائي، إحدى وسائل “حفظ ماء الوجه”، إذ إنّ من يدقق في أدبيات المسؤولين الإيرانيين يظن لوهلة أنّ هذا الهجوم الذي لم يحقق أيّ نتيجة عسكرية حقيقية قد أعطى الدليل إلى نهاية عوامل القوة التي يتمتّع بها “الكيان الصهيوني”!