بقلم: محمد الرميحي – صحيفة الشرق الأوسط
الشرق اليوم– كانت أول مرشحة جدية للسباق باتجاه البيت الأبيض هيلاري كلينتون، التي خاضت الانتخابات عن الحزب الديمقراطي ضد دونالد ترمب الجمهوري عام 2016، وقتها، قبل الانتخابات بأشهر عقدنا في «مركز دراسات الخليج» في جامعة الكويت، ندوة مغلقة للنظر في احتمال فوز أي من المرشحين، دُعي إليها مَن لهم خبرة بالشأن السياسي الأميركي، بعد نقاش تَوافق معظم الحاضرين على أن هيلاري هي الفائزة، عدا شخص واحد من المشاركين، فقد توقّع فوز دونالد ترمب، ضربتُ المثال لأبيّن أن التوقع في الانتخابات الأميركية تشوبه صعوبة. وقتها، فازت كلينتون بأغلبية أصوات الناخبين، ولكنها فشلت في الحصول على أغلبية من أصوات المجمع الانتخابي.
ربما أعقد نظام انتخاب ديمقراطي هو في أميركا، فهي تتبنى نظاماً مركباً، لا يعتمد على أصوات الناخبين مباشرة، بل على أصوات ما يُعرف بـ«المجمع الانتخابي»، وهو حجم الأصوات المخصصة لكل ولاية، وتختلف تلك الأصوات حسب عدد سكان الولاية نفسها، وأيضاً عدد ممثليها في الكونغرس، وتتراوح أصوات المجمع الانتخابي بين 55 صوتاً لولاية كاليفورنيا (الأكثر سكاناً) و3 أصوات في مقاطعة كولومبيا التي تشمل العاصمة.
مَن يحصل على غالبية الأصوات، ولو بصوت واحد في الولاية، يحصل على كل أصوات المجمع الانتخابي لتلك الولاية، عدا ولايتين، هما نبراسكا ومين، حيث توزع أصوات المجمع الانتخابي حسب نسبة الفوز.
وكما هو معروف فإن بطاقة الانتخاب تحمل اسمين، المرشح الرئاسي ونائبه (أو نائبته) وينص قانون الانتخاب على ألّا يكون الاثنان من ولاية واحدة! المجمع الانتخابي يتكون من 538 صوتاً، وهو مجموع أعضاء الكونغرس زائد ثلاثة أعضاء (منطقة كولومبيا)، وعلى المرشح أن يحصل على 270 صوتاً من الهيئة الانتخابية على الأقل للفوز.
هذا التعقيد في معظمه نشأ مع الممارسة الديمقراطية الأميركية في القرن الثامن عشر، وقتها كانت هناك صعوبة في التواصل بين الولايات، وبالتالي تأخذ العملية الانتخابية أشهراً وعلى درجات للحصول على النتيجة النهائية، وكمثل أي مجتمع، تُسَنُّ القوانين لزمن، ويمر الزمن فلا تتغير، لصعوبة الاتفاق على طريقة التغيير، فيبقى ما سَنّه الآباء معطِّلاً لمصالح الأبناء!
نُقل عن هيلاري كلينتون أنها قالت بعد خسارتها الانتخابات عام 2016 إن النساء الأميركيات قد خذلنها، فقد كنَّ يردنها أن تكون «مثالية»! حيث تفجّرت في وجهها، قبل أيام من الانتخابات فضيحة، باستخدام بريدها الإلكتروني الخاص في عملها الرسمي خارج ما تنص عليه تعليمات وزارة الخارجية، التي كانت تشغلها قبل ذلك بسنوات! عدا أن النساء الأميركيات كما نُقل عنها «لا يثقن بامرأة أن تكون القائد الأعلى للقوات المسلحة»! في تصريحاتها اللاحقة تُسمي نفسها من «شهداء الديمقراطية»!
هل تتكرر تلك العقبات أمام كامالا هاريس، الظروف اختلفت، على الرغم من أن كامالا هاريس من ذوات البشرة الداكنة، على عكس هيلاري!
بعد 8 سنوات من انتخابات عام 2016 هل تغير المزاج الأميركي، وهل أصبح ممكناً أن تكون رئيسة الولايات المتحدة امرأة وملونة أيضاً؟ أم أن سيناريو هيلاري سوف يتكرر من جديد؟
ذلك سؤال تصعب الإجابة عنه في هذه المرحلة، رغم المؤشرات الأولية. إنها، أي كامالا، تتقدم بشكل طفيف في استطلاعات الرأي التي تُجرى بين فترة وأخرى!
ترمب له من المثالب الكثير، وأيضاً له من المناصرين الذين لا يعترفون بتلك المثالب، بل يعدّونها من إيجابياته؛ صريح وربما إلى حد الخروج عن المألوف، ويستطيع بكل بساطة قلب المتخيَّل إلى حقيقة، ورغم مواجهته كثيراً من القضايا القانونية، بل إن بعضها تمت إدانته فيها، فإن جمهوره لا يزال صامداً، وأمام كامالا هاريس (التي يسميها ترمب كامبالا عاصمة أوغندا) عديد من العقبات، إلا إذا تدفق الجيل الشاب بكثافة على التصويت!
السباق الذي يشاهده العالم أمام ناظريه فيه كثير من «اللامعقول»؛ فيه استخدام عبارات قاسية واتهامات فظة، وتمويه كثير. الانتخابات الأميركية صناعة متكاملة بحد ذاتها، وتُصرفُ فيها أموالٌ كثيرة، وتطلق وعودٌ أكثر، بعضها يبدو أنه حتى خارج المصالح الوطنية المتعارف عليها، مثل وعد دونالد ترمب شركات النفط الأميركية، بأن يُطلق يدها في استكشاف النفط، حتى على حساب الضرر بالبيئة.
الاختلاف بين انتخابات عام 2016 وعام 2024 هو أن دونالد ترمب قد جرّب، وثبت الكثير من قصوره السياسي، وازدرائه لقواعد النظام الديمقراطي، إن لم تكن الرياح تهب باتجاه أشرعته قد يخرب اللعبة، وقد يكون ذلك مدخلاً لنقده الذي قد يؤثر في الرأي العام الأميركي، إلا أن كل الاحتمالات مفتوحة.
آخر الكلام: في حال فوز كامالا هاريس في نوفمبر (تشرين الثاني)، فإن أميركا تدخل فصلاً سياسياً جديداً غير مسبوق!