بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- مقامرة كبيرة أقدمت عليها أوكرانيا، بغزوها أراضي كورسك الروسية، وسيطرتها على مساحات شاسعة بهجوم مفاجئ، شكّل نقطة تحوّل في الــــحرب الدائرة رحاها، فهي تمثل ضربة كبيرة لقبضة موسكو الأمنية على الحدود الأوكرانية؛ إذ كشفت وجود ثغرات استخباراتية من ناحية موسكو تجاه مدى الإلمام بقدرات أوكرانيا العسكرية، التي هي بالضرورة مدعومة بإمكانات غربية هائلة، من أسلحة وتخطيط وعمليات لوجستية، وبالتالي فقد غاب عن مخيلة روسيا، أن مجريات الأمور قد تمر بفترات فارقة بالنسبة للصراع بينها وبين أوكرانيا، لاسيما أن الحرب في جوهرها هي بين روسيا والغرب بأكمله.
مؤكد أن الرد الروسي لن يتأخر، لاسيما أن ما حدث يعدّ إهانة، لكنه لا يرقى إلى مستوى هزيمة استراتيجية؛ إذ ليس من السهولة السيطرة على أراضيها لمدة طويلة، فتاريخياً واجهت روسيا حملة نابليون بجسارة عام 1812 رغم عدد جيشه الذي قارب 600 ألف، كما كسرت هجوم هتلر ودمرته في الحرب العالمية الثانية، ولم تكن لقمة سائغة آنذاك لجيشه العارم، وفي الحالتين لم تكن روسيا بأفضل حالاتها تسليحاً وتخطيطاً، على عكس الوضع الراهن، فهي قوة عظمى يحسب لها ألف حساب؛ لذا فإنها ستتصدى عاجلاً أم آجلاً للاقتحام الأوكراني، وربما تكسر بعض الخطوط الحمراء التي وضعتها ميدانياً منذ بدء الحرب.
هجوم أوكرانيا يُعدُّ من أخطر القرارات العسكرية، وقد يدفع بوتين لاتخاذ إجراءات حاسمة تزيد طين الحرب الدائرة بلة، لاسيما أنه اعتبر أن كييف تسعى من ورائه إلى تحسين موقفها التفاوضي، وهذا ما لن تسمح به موسكو حتى لو اضطرها الأمر إلى أن تجعلها حرباً عالمية ثالثة، ورغم أن أوكرانيا المنتشية بنصرها الآني أعلنت أنها تعتزم إضعاف مراكز «العدو» وزعزعة استقرار الوضع في روسيا، فإنها لن تصمد طويلاً أمام الغضب الروسي الذي قد لا يقف عند أراضيها فحسب.
روسيا تلقت الصفعة، لكنها لن تتغاضى عنها إلا بضربة قاصمة قد تدفع كييف بها ثمناً باهظاً، وربما تكون مقدمة لتدحرج الأوضاع لخارج حدود أوكرانيا، وهو ما نبّه إليه النائب الروسي ميخائيل شيريميت بالقول: «إن التوغل الأوكراني المدعوم بالعتاد الغربي، يضع العالم على مشارف حرب عالمية شاملة»، وتصريحه يأتي بعد أيام من تقرير لـ«فايننشال تايمز» كشف عن وثائق سرية، لخطط روسيا في توجيه «ضربات ساحقة» في جميع أنحاء أوروبا الغربية.
هذه المقامرة، كما وصفها قائد الجيش الأوكراني، التي اخترقت الخاصرة الرخوة لروسيا، ستدفع لمزيد من التصعيد، ولن تجلب حلاً كما طمعت بذلك أوكرانيا بمقايضة هجومها باستعادة أراضيها، وستكون الخاسر الأكبر؛ لأن أجندة الغرب، يبدو أنها ستستمر بقتال روسيا.