الرئيسية / دراسات وتقارير / هل إضافة وولز إلى بطاقة هاريس “دفعة” في الاتجاه الصحيح؟

هل إضافة وولز إلى بطاقة هاريس “دفعة” في الاتجاه الصحيح؟

بقلم: طارق الشامي- اندبندنت
الشرق اليوم– باختيارها المفاجئ لحاكم ولاية مينيسوتا تيم وولز مرشحاً لمنصب نائب الرئيس، راهنت كامالا هاريس بصورة مباشرة على القاعدة الأساس للحزب الديمقراطي وليس الخريطة الانتخابية، معتمدة على أن أسلوبه الصريح سيجذب الناخبين من الطبقة العاملة في الغرب الأوسط.

وعلى رغم المكاسب التي يمكن أن يضيفها وولز، هناك مثالب لاختياره، إذ بدأت الحملات الجمهورية المضادة من فريق ترمب – فانس في تسليط الأضواء عليها وبخاصة سجله في الحرس الوطني، فما المآخذ التي تكشفت حتى الآن؟ وهل كان اختيار وولز حكيماً؟ وما انعكاساته على المعركة الانتخابية؟

منذ اختيار المرشحة الديمقراطية لمنصب الرئيس الأميركي كامالا هاريس رفيقها على البطاقة الانتخابية لمنصب النائب، تيم وولز حاكم ولاية مينيسوتا، سادت مشاعر مزدوجة بين الديمقراطيين.

ابتهاج تقدمي

ساد شعور أولي بابتهاج القطاع الأوسع من الحزب على اعتبار أن وولز، وهو مقاتل سابق في الحرس الوطني ومدرب كرة قدم سابق وصياد يتمتع بأسلوب شعبي، يمكن أن يكون نقطة جذب للناخبين من الطبقة العاملة والمستقلين، وكذلك بسبب قدرته في الفوز بمنطقة ذات ميول جمهورية في انتخابات الكونغرس.
ويتمتع وولز بسجل حافل بإنجاز بنود أجندة تقدمية رئيسة، بما في ذلك توسيع الرعاية الصحية الإنجابية، وضمان وجبات مجانية لأطفال المدارس ودفع مينيسوتا إلى الأمام على مسار التحول إلى الطاقة النظيفة.

وكان لوصفه المبتكر في انتقاد الجمهوريين على أنهم “غريبو الأطوار” الذي أكسبه شهرة وطنية عبر الولايات المختلفة، أحد الأسباب الدافعة إلى اختيار هاريس كبديل جيد عن استراتيجية الرئيس جو بايدن المتمثلة في تصوير دونالد ترمب والجمهوريين على أنهم تهديد للديمقراطية الذي لم يحقق الهدف منه بالدرجة المطلوبة على المستوى الشعبي.

ويبدو أن آراء وولز المعتدلة في الشرق الأوسط كانت بمثابة غصن زيتون وإشارة إيجابية للناخبين المهتمين بالحرب في غزة الذين يتوقون إلى رؤية تغيير في السياسة الخارجية الأميركية، خصوصاً العرب والمسلمين الأميركيين المحبطين بسبب استمرار دعم واشنطن لإسرائيل الذين أدلوا بأصواتهم “غير الملتزمة” في الانتخابات التمهيدية، في إظهار للغضب إزاء رفض إدارة بايدن دعم وقف إطلاق النار الدائم في غزة أو وضع شروط على المساعدات العسكرية لإسرائيل.

تخوف على الجدار الأزرق

لكن اختيار وولز أثار في الوقت نفسه قدراً من التخوفات لعديد من الأسباب، فهو لم يضع في الحسبان بالقدر الكافي الولايات المتأرجحة الحاسمة وخضع لضغوط التقدميين عبر تجاوز جوش شابيرو، حاكم ولاية بنسلفانيا الذي كان الأوفر حظاً للفوز بالاختيار كونه أكثر شعبية وكان سيضمن الفوز بولاية بنسلفانيا وهي أهم ولاية بين الولايات المتأرجحة الثلاث مع ميشيغان ووسكنسن، التي تسمى ولايات الجدار الأزرق، لأنها تقدم مجتمعة 44 صوتاً في المجمع الانتخابي، وتضمن حماية للمرشح الديمقراطي بالحصول على الـ270 صوتاً اللازمة للفوز من أصوات المجمع الانتخابي البالغة 538.

وما يعزز هذه المخاوف أن ترمب يحاول أيضاً الفوز بولايات الجدار الأزرق باختياره نائباً له من ولاية مجاورة هي أوهايو، وهو السيناتور جي دي فانس المعروف بمذكراته “مرثية ريفية”، الذي ينتمي إلى عائلة فقيرة ويخاطب الطبقة العاملة البيضاء ويركز في حملته الانتخابية إلى حد كبير على الولايات الثلاث المحورية، ونظم فعاليات هناك خلال الأيام الأخيرة، قال فيها إن وولز كان ليبرالياً للغاية وإن هاريس انحنت إلى أقصى يسار حزبها.

واعتبرت المتحدثة باسم ترمب كارولين ليفات أن دعم ترمب لن ينمو إلا في الولايات المتأرجحة لأن هاريس اختارت وولز، ولهذا كثفت حملة الرئيس السابق وجودها بافتتاح عشرات المكاتب الميدانية هناك لاختراق ولايات الجدار الأزرق وإعادتها حمراء كما فعلت عام 2016، وذلك في مواجهة حملة هاريس التي أعلنت أن لديها 600 موظف بجميع أنحاء الولايات الثلاث وتخطط لإضافة 150 آخرين.

ويرى الخبير الاستراتيجي في الحملات الجمهورية براد تود، أن هاريس تحتاج إلى الفوز في بنسلفانيا أكثر من حاجتها إلى الفوز بأي ولاية أخرى، ومع ذلك فضلت عدم اختيار الديمقراطي الأكثر شعبية في تلك الولاية، لأنها تخشى الإساءة إلى المتظاهرين في الحرم الجامعي الذين يدعمون حركة “حماس”، معتبراً أنه حتى مع وجود بقائها السياسي على المحك لم تتمكن من الصمود في وجه الجناح الأكثر تطرفاً في الحزب الديمقراطي.

صراع مكتوم

كشف التنافس على منصب نائب الرئيس لهاريس عن صراع مكتوم داخل الحزب الديمقراطي بين الجناح اليساري الذي أوضح بجلاء رغبته في اختيار وولز، وآخرين اعتبروا أن الحزب يجب أن يوجه نداءً إلى المعتدلين وبخاصة في ولاية بنسلفانيا الحاسمة وأصواتها الانتخابية الـ19 من خلال اختيار شابيرو، حاكم الولاية والمدعي العام السابق بها.
لكن شابيرو الذي هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أثار انتقادات التقدميين والأميركيين العرب الذين تحتاج إليهم هاريس للفوز في ميشيغان، بسبب دعمه علانية حرب إسرائيل ضد حركة “حماس” ولكونه انخرط بصفوف الجيش الإسرائيلي في الماضي، كما سبب دعم شابيرو تخصيص أموال عامة للمدارس الخاصة مزيداً من انتقادات الجناح اليساري في الحزب.

لكن من بين العوامل التي عملت ضد شابيرو أيضاً الضغط الذي مارسه زميله السيناتور في ولاية بنسلفانيا جون فيترمان، الذي عزز مخاوف حملة هاريس من أن شابيرو يركز بصورة مفرطة على طموحاته الشخصية، وفقاً لما ذكره موقع “بوليتيكو”.

ولذلك كانت هناك اعتبارات أخرى أكثر من كونها اعتبارات انتخابية فقط، وفقاً لأستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو وليام هاويل، الذي اعتبر أيضاً أن دعم التقدميين وولز يتناقض بصورة صارخة مع ما يحدث في الحزب الجمهوري، حيث يكثر الحديث عن انهيار القاعدة الأقل دخلاً في البلاد، وكثير من المظالم والغضب.

هجوم متوقع

وكما هو متوقع، انقضت حملة ترمب والجمهوريون بسرعة على سجل وولز الليبرالي كحاكم واستجابته للاحتجاجات في مينيابوليس بعد مقتل جورج فلويد عام 2020، إذ اعتبر كبير مستشاري حملة ترمب بريان هيوز أن اختيار وولز ضاعف من رؤية هاريس الجذرية لرفع الأسعار، وفتح الحدود الجنوبية للمهاجرين المجرمين وعصابات المخدرات، وإطلاق سراح القتلة والمغتصبين في المجتمع الأميركي، على حد قوله.

لكن أقسى حملات الهجوم جاءت رداً على إشادة هاريس بخدمة رفيقها وولز الطويلة في الحرس الوطني وأنه خدم أميركا بالزي العسكري، إذ تعرض سجل وولز للهجوم من قبل الجمهوريين وبخاصة من منافسه جي دي فانس، بأنه تخلى عن قواته عشية نشرها في العراق وأنه ادعى زوراً القتال في أفغانستان، كما ادعى الفضل في شيء لم يحققه في الجيش بينما يجرم ما يسمى “قانون الشجاعة المسروقة” الصادر عام 2013 الادعاء بالحصول على ميداليات أو شارات عسكرية مختلفة.
وفي تقييم أجرته صحيفة “واشنطن بوست”، وجدت أن وولز خدم ما يقرب من ربع قرن في الحرس الوطني وأعلن بعد ذلك أنه يفكر في الترشح لعضوية مجلس النواب الأميركي، وأنه كان يعلم أنه قد يتم إرساله قريباً إلى العراق في هذا الوقت من عام 2005، لكنه قرر أنه لا يستطيع القيام بالأمرين معاً، ولذلك اختار الترشح للكونغرس، ولم يرفض طلبه بالتقاعد.

ومع ذلك، وجدت الصحيفة أن تقديم وولز نفسه باعتباره رقيباً أول متقاعداً خلال ترشحه للكونغرس التي قال الجمهوريون إنها كذبة، لم يكن صحيحاً تماماً، كما لم تتمكن من العثور على أي دليل بأنه ادعى أنه خدم في أفغانستان، لكنه في الواقع خدم في الخارج لدعم حرب أفغانستان، ولهذا قد تضلل صيغة وولز التي يقدم بها نفسه الناس في الاعتقاد أنه كان من قدامى المحاربين في أفغانستان، وإضافة إلى ذلك، وجدت الصحيفة أن لغته حول حمله أسلحة خلال الحرب غير دقيقة وكاذبة، لأنه حمل أسلحة حربية، ولكن ليس في زمن الحرب.

مأزق الديمقراطيين

وتشير الحملات الجمهورية وعمليات التدقيق في سجل وولز إلى أن اختيار هاريس له لم يكن مثالياً أو حكيماً بالنسبة إلى البعض، ومع ذلك رفضت عضو اللجنة الوطنية الديمقراطية ماريا كاردونا فكرة أن بطاقة هاريس-وولز الانتخابية يمكن أن تعزل الناخبين الأكثر اعتدالاً أو المستقلين بسبب كونها بطاقة تقدمية للغاية، واعتبرت أن الجهد الجمهوري في هذا الإطار لن ينجح ولن يكتسب أي صدقية، لأن السياسات التي كان وولز قادراً على تمريرها في مينيسوتا، والتي مررها بغالبية مقعد واحد هناك، كانت تحظى بشعبية كبيرة في الولاية.

كما أشاد بعض المهتمين بحرية الإنجاب بوولز، باعتباره نوعاً مختلفاً من المسؤولين المنتخبين، ولأنه سيتناقض مع زميل ترمب في الترشح، السيناتور جي دي فانس من أوهايو، في ما يتعلق بالحريات الإنجابية، منتقدين تصريحات فانس حول بعض الديمقراطيين باعتبارهم “سيدات قطط بلا أطفال” ووصفوها بأنها مهينة وسلبية لكثير من الأسر الأميركية.

لكن بصورة عامة يعتقد كبار الديمقراطيين أن وولز يمكن أن يساعد في رفع رسالة هاريس إلى الناخبين، وهو ما أشارت إليه كيكي ماكلين، الاستراتيجية السياسية الديمقراطية المخضرمة التي عملت في حملات بيل وهيلاري كلينتون، قائلة إن اختيار نائب الرئيس يستهدف تضخيم رسالة المرشح الرئاسي وأن يكون شريكاً له في الفوز.

وفي حين شعر الجمهوريون بالارتياح عندما لم تجعل هاريس حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو مرشحها لمنصب نائب الرئيس واختارت بدلاً من ذلك وولز، الذي يعتبرونه يسارياً متطرفاً، مشيرين إلى تشاؤم الناخبين في شأن اتجاه البلاد والاقتصاد في عهد بايدن وهاريس، يراهن الديمقراطيون وحملة هاريس – وولز على جولاتهما الانتخابية خلال الأسابيع المقبلة وعلى الحشود التي وصلت إلى 15 ألفاً في ولاية آريزونا أخيراً للتدليل على الطاقة الإيجابية والحماسة الديمقراطية التي تمتعوا بها خلال الأيام الأخيرة، وانعكست على استطلاعات الرأي الأخيرة التي جعلت هاريس في وضع متكافئ مع ترمب في الولايات المتأرجحة التي تحسم النتيجة النهائية للانتخابات.

شاهد أيضاً

ضغوط أوروبية على أوكرانيا للتفاوض مع روسيا

الشرق اليوم– أشار تقريران لوكالة بلومبيرغ وصحيفة وول ستريت جورنال إلى أن أوكرانيا تواجه ضغوطا …