الرئيسية / دراسات وتقارير / هل تعود بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي تحت عنوان التعاون؟

هل تعود بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي تحت عنوان التعاون؟

بهاء العوام- اندبندنت
الشرق اليوم– عندما وصل حزب العمال إلى السلطة في بريطانيا، رفع شعار الانفتاح على الاتحاد الأوروبي تحت سقف “بريكست” الذي فرق بين الطرفين عام 2020، فالحكومة الجديدة لا ترغب في إثارة الرأي العام المؤيد لطلاق لندن وبروكسل حتى الآن على رغم أنه تقلص بصورة ملحوظة خلال الأعوام الخمسى الماضية، ولكنها في الوقت ذاته تحرص على نقل العلاقات مع جيرانها في القارة العجوز إلى مستويات أفضل مما ساد في عهد “المحافظين”.

على الضفة المقابلة، ترحب الدول الكبيرة في الاتحاد الأوروبي بمساعي الحكومة البريطانية الجديدة، ولكنها ترسم سقوفاً أعلى للانفتاح المنشود في العلاقات الثنائية ربما تقلق معسكر “بريكست” في المملكة المتحدة أو تفرض على لندن تنازلات في ملفات تهم بروكسل وتحرص على التعاون فيها مع الدولة صاحبة الاقتصاد السادس عالمياً، والقوة العسكرية السادسة في حلف شمال الأطلسي والرابعة أوروبياً بعد فرنسا وألمانيا وإيطاليا.

اقترح رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر إبرام اتفاق أمني مع الاتحاد الأوروبي لتوحيد الجهود في مواجهة التهديدات الناجمة عن أزمة الهجرة غير الشرعية التي تعانيها دول القارة بصورة عامة، ودعا بروكسل إلى التصدي لعصابات تهريب البشر التي تخطط لندن لإدراجها على قوائم الإرهاب وتوسيع صلاحيات أجهزتها ومؤسساتها المختصة بملاحقة المهربين والمتعاونين معهم أينما كانوا في أوروبا وحتى خارجها.

وتريد برلين تحويل الاتفاق الذي اقترحه ستارمر إلى صفقة جديدة وضخمة لـ”بريكست” تشمل كل شيء من القواعد الزراعية إلى برامج تبادل الطلاب، إذ قال سفير ألمانيا لدى المملكة المتحدة ميغيل بيرغر لصحيفة “بوليتيكو” إن الأمر سيتجاوز الأمن ويشمل التعاون بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في مجالات مختلفة، لافتاً إلى أن الأمن والتعاون هما عنوانان عريضان سيأخذان في الاعتبار المصالح المشتركة للطرفين”.مفاوضات جديدة

الحكومة البريطانية ترى أيضاً في “الأمن والتعاون” بوابة لإعادة التفاوض مع بروكسل على صفقة “بريكست” جديدة، ولم يوفر ستارمر منذ دخوله إلى المنزل رقم 10 في لندن في الخامس من يوليو (تموز) الجاري، أية فرصة للقاء الزعماء الأوروبيين، تحديداً الفرنسي والألماني للدفع نحو حوار جديد في شأن “بريكست”، وكاشف رئيس الوزراء النواب في مجلس العموم الأسبوع الماضي بأنه وجد انفتاحاً لدى قادة التكتل إزاء مفاوضات خروج جديدة.

خلال الأيام الـ10 الأولى من ولايته اجتمع ستارمر مع المستشار الألماني أولاف شولتز ثلاث مرات، أولها في قمة “الناتو” الأخيرة بواشنطن ثم في نهائي كأس أوروبا لكرة القدم ببرلين، وثالثاً خلال قمة المجموعة السياسية الأوروبية في بريطانيا، حتى إن السفير بيرغر يقول إن رئيس الوزراء الجديد نجح في إثارة اهتمام كثير من قادة الاتحاد الأوروبي بالحوار مع لندن من أجل تحسين العلاقات وتعزيز تعاون الطرفين في مجالات مختلفة.

ما هي المجالات التي يمكن أن تشملها مفاوضات “بريكست” الجديدة؟، هو السؤال الكبير لدى البريطانيين اليوم، فثمة مصادر عدة تتحدث عن اتصالات مستمرة بين لندن وبروكسل حالياً لترتيب ملفات الحوار، وتتوقع هذه المصادر الإعلان عنها خلال لقاء منتظر قبل نهاية الصيف الحالي بين ستارمر ورئيسة المفوضية الأوروبية أرسولا فون دير لاين.

إلى جانب الأمن، هناك قضايا ذات طابع اقتصادي تريد بروكسل بحث التعاون فيها مع لندن من بينها الزراعة والمواد الكيماوية والمؤهلات المهنية والصيد البحري وغيرها، إضافة إلى إطلاق حرية تنقل الشباب بين المملكة المتحدة ودول التكتل، لكن كل هذا لن يكون سهلاً على المفاوضين البريطانيين الذين سيحرصون على إبقاء خطوط حمراء واضحة بين التعاون والعودة للتكتل، وفق أستاذة العلاقات الدولية بجامعة شيفيلد ستيفاني لوك.
تعهد ومخاوف

تقول لوك إن ستارمر أكد بوضوح وعلانية عدم وجود نوايا لدى حزبه وحكومته لضم المملكة المتحدة مجدداً إلى الاتحاد الأوروبي، وشدد على أن هذا الأمر لن يحدث طوال فترة توليه السلطة، لكن ذلك لا يمنع قلق فئات من البريطانيين إزاء إعادة الارتباط مع التكتل في مجالات يمكن أن تفتح أبواب العودة لعضوية التكتل، كما أن بعضهم يعتقد بأن اتفاق “بريكست” المرتقب قد ينطوي على ضرر لبعض القطاعات كالذي كان سائداً قبل 2020.

السفير الألماني في المملكة المتحدة قال إن بلاده تتفهم مخاوف البريطانيين إزاء بعض القضايا التي يمكن أن تطاولها المفاوضات المقبلة بين لندن وبروكسل، بخاصة تلك التي تتعلق بحرية الحركة بين الشباب، لكن مقترح بلاده في هذا الشأن “فُسِّر خطأ وفهم كمحاولة لفتح أبواب الهجرة مجدداً بين الضفتين، على رغم أن الأمر يقتصر فقط على تسهيل وتيسير الإقامة المحددة زمنياً أمام الراغبين في الدراسة أو العمل أو التعاون في أنشطة مجتمعية”.

كي تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى قبول جميع الدول الأعضاء، ومن وجهة نظر أستاذ القانون الدولي سايمون إيشروود هو أمر صعب جداً لأسباب مختلفة على رأسها المصالح المتباينة بين الأعضاء الـ27 للتكتل، خصوصاً أن انسحاب المملكة المتحدة عزز تمثيل دول في البرلمان الأوروبي ومنحهم نفوذاً أكبر في صنع قرار مؤسسات بروكسل، إضافة إلى أن المملكة المتحدة تبتعد من معايير الاتحاد مع مرور الوقت.

رئيس المجلس الأوروبي بين 2014 و2019 جون كلود يونكر قال مرة إن المملكة المتحدة قد تعود إلى الاتحاد الأوروبي خلال قرن أو اثنين من الزمن، ولكن الخبير في شؤون الرأي العام البريطاني البروفيسور جون كيرتس يتوقع إجراء استفتاء على العودة للتكتل بحلول عام 2040، موضحاً في حديث إلى “اندبندنت” أن الأمر يعتمد بصورة أساسية على تعامل حكومة العمال الحالية مع التكتل، وإلى أي مدى تكون العلاقات بين الطرفين مشجعة لطرح مثل هذا الاستفتاء بالنسبة إلى الجيل الذي كان مؤيداً للبقاء عام 2016 ولكنه لم يتمكن من قول “نعم” حينها لأن أفراده كانوا دون السن القانونية المؤهلة للتصويت.

في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أطلق ناشطون عريضة في البرلمان البريطاني تطالب باستفتاء على العودة إلى الاتحاد الأوروبي، يفرض القانون على البرلمان مناقشة كل عريضة تحصل على 100 ألف توقيع ويلزم الحكومة الرد على تلك التي تحصد 10 آلاف توقيع، وخلال ستة أشهر كاملة لم يوقع على العريضة سوى 14369 شخصاً، فجاء رد الحكومة في الـ19 من أبريل (نيسان) 2024 بأن “الخروج وقع على أساس قرار شعبي ديمقراطي عام 2016، ولندن ترحب بعلاقات إيجابية مبنية على المصالح المشتركة مع بروكسل”.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 أيضاً، أظهر استطلاع لمؤسسة “يوغوف” أن سبعة من كل 10 أشخاص في المملكة المتحدة يرغبون في العودة للاتحاد الأوروبي، وعلى رغم “الندم” على “بريكست” وفق أرقام الاستطلاع لم يتبنَّ أي حزب سياسي بريطاني في برنامجه لانتخابات البرلمان الأخيرة مقترح استفتاء جديد على عضوية التكتل، ويقول الخبير كيرتس إن “إجراء مثل هذا الاستفتاء بعد عقد ونصف لن يكون مضمون النتائج تماماً مثلما هو اليوم”.

شاهد أيضاً

بايدن قد يشعل حربا عالمية إذا خسرت هاريس الانتخابات

الشرق اليوم– توقع المركز الروسي الإستراتيجي للثقافات أن يطلق الرئيس الأميركي جو بايدن العنان لصراع …