الرئيسية / دراسات وتقارير / بعد القطارات هل ينجو أولمبياد باريس من هجمات سيبرانية؟

بعد القطارات هل ينجو أولمبياد باريس من هجمات سيبرانية؟

بقلم: سامي خليفة- اندبندنت
الشرق اليوم– بينما تتجه الأنظار إلى العاصمة الفرنسية باريس التي تستضيف أكبر حدث رياضي يشهده العالم، خصوصا بعد الاستهداف الذي تعرضت له شبكات القطارات السريعة، تعلو أصوات الخبراء الأمنيين محذرين من تحد محتمل غير مسبوق تواجهه فرنسا على صعيد الأمن السيبراني، سيكون مصدره الأول روسيا التي ستحاول استغلال الألعاب الأولمبية الصيفية لإرسائل رسائل سياسية تخريبية خلال الفترة الممتدة من الـ26 من يوليو (تموز) الجاري إلى الـ11 من أغسطس (آب) المقبل.

وحول الأسباب التي تدفع موسكو إلى سلوك هذا الاتجاه تشير التقارير الأمنية الصادرة عن جهات عدة إلى أن الدوافع الروسية المفترضة لأي عمل تخريبي قد تكون سياسية تمليها مواقف الغرب من الحرب في أوكرانيا، ودوافع رياضية تتجسد بمنع منظمي هذا الحدث العالمي الرياضيين الروس المشاركين في مختلف الألعاب من تمثيل بلدهم الأم روسيا رسمياً.

خبراء يحذرون

التحذيرات الصادرة عن جهات عالمية من مساع روسية مفترضة إلى تخريب أو التسبب في إرباك وحال من الفوضى في الألعاب الأولمبية كثيرة، ولعل أبرزها ما ورد في تقرير خبراء شركة “مانديانت” للأمن السيبراني التابعة لمجموعة “غوغل” الأميركية الذين أكدوا بثقة عالية أن فرنسا قد تواجه خطراً متزايداً من نشاط التهديدات السيبرانية الروسية، نظراً إلى الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه لأوكرانيا منذ الغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022.

بدوره يعتقد مدير استخبارات تهديدات المعلوماتية في شركة “ويز سيكيور” الفنلندية للأمن السيبراني تيم ويست أن دورة الألعاب الأولمبية في باريس ستواجه تهديداً سيبرانياً أخطر من التهديدات التي شهدتها الألعاب الأولمبية السابقة، مضيفاً أن روسيا أو الدول الموالية لها ستحاول بالتأكيد تعطيل الألعاب الأولمبية بطريقة ما.

وفي تقريره بعنوان “التهديدات السيبرانية لباريس 2024” يحذر ويست من أن روسيا تمتلك القدرة والنية لتقويض الألعاب الأولمبية، ويشرح “تمتلك روسيا القدرة على نشر عناصر بشرية للقيام بأعمال مضرة للأمن القومي بالتزامن مع الهجمات السيبرانية، وهي قادرة على استهداف جميع أنواع الشبكات بما في ذلك التكنولوجيا التشغيلية، ومن شبه المؤكد أن الدولة الروسية لديها قدرة التأثير في مجموعات القرصنة الإلكترونية وتوجيهها، فضلاً عن تشغيل مجموعات القرصنة الإلكترونية كغطاء زائف لعملياتها الخاصة، وهذه طريقة شائعة للتعتيم يستخدمها المتسللون الذين ترعاهم الدولة الروسية”.
وعلى خط مواز كشفت شركة “مايكروسوفت” عن أن فريقين روسيين مؤثرين في الهجمات السيبرانية وهما “ستورم 1679″ و”ستورم 1099” أصدرا سلسلة من مقاطع الفيديو المصممة للتشكيك في قدرة فرنسا على استضافة الألعاب الأولمبية الصيفية والسخرية من المنظمين، وفي إحدى عملياتهما السيبرانية أصدر إحداهما فيلماً وثائقياً يتضمن تزييفاً عميقاً لصوت الممثل الأميركي الشهير توم كروز.

فيما حذرت شركة “ريكورديد فيوتشر” الأميركية للأمن السيبراني من أن رسائل البريد الإلكتروني التصيدية المتعلقة بالأولمبياد من المرجح أن تستهدف الشركات والحاضرين في فرنسا.

الأهداف المحتملة

أما في ما يتعلق بالأهداف الروسية المحتملة والنيات المضمرة من أية هجمات سيبرانية تطاول أولمبياد باريس، فيشير تقرير حديث نشرته منظمة “فورتيغارد لابس ثريت ريسيرش” المعنية بتتبع أخطار التهديدات السيبرانية إلى ارتفاع حاد في نشاط القرصنة من المجموعات الموالية لروسيا مثل “لولز سيك” و”نو نايم 057(16)” و”سايبر أرمي” و”روسيان ريبورن” و”سايبر دراغون” و”دراغونفورس” بهدف استهداف الألعاب الأولمبية.
ويتوقع باحثو المنظمة أن تستهدف مجموعات القرصنة الروسية البنية التحتية الفرنسية والقنوات الإعلامية والمنظمات التابعة لها لتعطيل مجريات الحدث الرياضي العالمي وتقويض الصدقية الغربية، وتضخيم رسائلها على المسرح العالمي.

وفي السياق ذاته يقول كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة “سلاشنيكست إيميل سيكيوريتي” الأميركية ستيفن كوسكي أنه في أسوأ السيناريوهات يمكن أن تثير مثل هذه الهجمات السيبرانية عنفاً في العالم الحقيقي، أو تعطل بصورة كبيرة الألعاب الأولمبية والعمليات الديمقراطية في فرنسا.

ونوه وكيل العمليات الخاصة السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي والخبير في تحليلات الأخطار السيبرانية جيسون هوغ إلى أن الألعاب الأولمبية ملتقى فريد للقادة الحكوميين والمديرين التنفيذيين للشركات الكبرى والمشاهير وأثرياء العالم، معتقداً أن هذا الأمر يشكل لروسيا كنزاً تستفيد منه عبر التجسس الحكومي والشركاتي الذي يمكن أن يكون له آثار سياسية واقتصادية جسيمة ودائمة.

معلومات حقيقية

من جانبه يؤكد كبير محللي استخبارات التهديدات في “مانديانت” جيمي كولير أن كل المعلومات التي تتداول حقيقية ويجب أخذها على محمل الجد، خصوصاً أن قراصنة المخابرات الروسية اخترقوا مئات أجهزة الكمبيوتر المرتبطة بالسلطات الرسمية في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2018 التي استضافتها كوريا الجنوبية بعد أن أقدمت المجموعة نفسها على اختراق الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات وسرقة البيانات الطبية السرية للرياضيين، وتسريب بعضها بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو عام 2016.

وكشفت وسائل إعلام فرنسية في مارس (آذار) الماضي عن تعرض مؤسسات حكومية عدة لهجمات سيبرانية تتسم بمواصفات تقنية عادية، ولكن بكثافة غير مسبوقة، ونقلت عن مسؤولين فرنسيين ترجيحهم أن تكون موسكو هي المشتبه فيه، نظراً إلى دعم باريس لكييف منذ اندلاع حرب أوكرانيا في عام 2022.

تدابير فرنسية مشددة

خطورة التهديدات الروسية والتقارير الأمنية الصادرة عن خبراء أمنيين، دفعت فرنسا إلى ضخ أموال طائلة وبناء فريق واسع للأمن السيبراني للدفاع ضد هذه التهديدات المتزايدة، كما طلبت المشورة من المسؤولين الأميركيين حول استراتيجيات حماية دورة الألعاب هذا العام، واستعانت بدعم الفريق التقني الذي تصدى للهجوم السيبراني على الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2018.

وأنشأت فرنسا “فريق الأحلام السيبراني” الذي يضم منظمات عامة وخاصة تعمل جنباً إلى جنب مع الوكالة الوطنية لأمن أنظمة المعلومات، والوكالة الوطنية للأمن السيبراني في فرنسا، واللجنة الأولمبية الدولية، واللجنة المنظمة لباريس 2024، وشركتي الأمن السيبراني “سيسكو” و”إفيدين”، بغية خلق بنية تحتية صلبة للأمن السيبراني.

وتتضمن إجراءات التخفيف من التهديدات السيبرانية وجود بنية شبكة مجزأة وتخطيط التعامل مع الحوادث لضمان الاستجابة السريعة لأي هجوم من خلال السيناريوهات التي تم التدرب عليها، وبرنامج راسخ لتبادل المعلومات حول التهديدات الطارئة.

إضافة إلى ذلك يلعب وعي المتابع لهذا الحدث الرياضي وخبرته السابقة دوراً أيضاً، ولدى الألعاب الأولمبية في باريس مركز معلومات عبر الإنترنت لأي شخص مهتم بالأمن السيبراني المحيط بها.

ويتوقع منظمو باريس 2024 أن يتضاعف عدد أحداث الأمن السيبراني بمقدار 10 مرات مقارنة بألعاب طوكيو عام 2021، وحرصاً على عدم حصول مشكلات يكون لها وقعها الوخيم على الألعاب الأولمبية جندوا متسللين لإجراء اختبار لأنظمتهم الأمنية، واستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم في التفريق بين الحوادث المزعجة والكارثية.

وتتحدث أحدث التقديرات عن إنفاق فرنسا نحو 9.7 مليار دولار لاستضافة هذا الحدث الرياضي، وتقديمها مكافآت وحوافز أخرى لتجنب إضرابات العاملين في القطاع العام، إلى جانب نشرها 45 ألفاً من رجال الشرطة والجنود و50 ألف عنصر من الشركات الأمنية الخاصة لتأمين الألعاب الأولمبية في منطقة باريس.

شاهد أيضاً

هل انتهى محور الممانعة؟

الشرق اليوم– هل انتهى محور المقاومة والممانعة الإيراني؟ سؤال يصح طرحه بعد مرور أكثر من عام على …