بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- ربما تختلف الولاية الثانية لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن ولايتها الأولى، بسبب التغيّرات التي تطرق باب العالم الذي تخترقه الحروب والأزمات، وتدفع به إلى الفوضى في غير منطقة من العالم.
تواجه فون دير لاين استعصاء الحرب الروسية – الأوكرانية على الحل، بما يرتّب على أوروبا أعباء ثقيلة والاتجاه مجدداً إلى اقتصاد الحرب. والمهمّة ستزداد صعوبة في حال عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وعمد إلى سحب الولايات المتحدة من أوكرانيا، وقرّر التزام سياسة الانعزال.
فون دير لاين اتخذت منذ اندلاع الحرب في 24 شباط (فبراير) 2022 موقفاً متشدّداً حيال روسيا، وزارت كييف مراراً للإعراب عن دعمها القوي للرئيس فولوديمير زيلينسكي. وصعقت رئيسة المفوضية عندما علمت أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي تتولّى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في الأشهر الستة المقبلة، قد قام بزيارة إلى روسيا في وقت سابق من هذا الشهر، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين، بعد زيارة لكييف، وسافر بعدها إلى الصين، مسوقاً لما سمّاه “مبادرة سلام”، لم يكن أحد في الاتحاد على علم مسبق بها.
وردّت فون دير لاين بقوة على أوربان، وقرّرت مع مفوضين أوروبيين آخرين مقاطعة الاجتماعات التي تُعقد على مستوى عالٍ في بودابست في الأشهر الستة المقبلة. ثم لعبت فون دير لاين دوراً بارزاً في توفير الإجماع داخل التكتل الأوروبي لتأمين مساعدة أوروبية بـ 50 مليار يورو لأوكرانيا في السنوات المقبلة، في وقت عمل أوربان على عرقلتها أشهراً، حتى يحصل على بعض الأموال التي جمّدتها له بروكسل بسبب سياساته التي تضيّق على الحرّيات في الداخل. وكان أوربان من المعارضين بشدّة لانتخاب فون دير لاين لولاية ثانية.
هذا المسار المتشدّد مع روسيا، تحاول فون دير لاين تطبيق نسخة منه على الصين، الشريك الاقتصادي الأول للاتحاد الأوروبي. ترفض المسؤولة الأوروبية بشدة الدعم الذي تقدّمه الحكومة الصينية لشركات تصنيع السيارات الكهربائية التي تُغرق السوق الأوروبية، وتدعو لفرض قيود على الواردات الصينية إذا لم تعدل بكين عن سياستها هذه.
كما أن فون دير لاين التي انضمّت إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عند استقباله الرئيس الصيني شي جينبينغ في باريس في أيار (مايو) المنصرم، ترفض بشدة المساعدات التي تقدّمها الصين لروسيا في مجال التكنولوجيا، بما يمكن موسكو من الالتفاف على العقوبات الأوروبية.
وإلى روسيا والصين، هناك تحدّ خطير سيتعيّن على فون دير لاين التعاطي معه. إن صعود أحزاب اليمين المتطرّف التي عززت مكاسبها في الانتخابات الأوروبية الأخيرة في حزيران (يونيو) الماضي، ستحاول الوقوف في وجه فون دير لاين في ما يتعلق بتطبيق سياسات صارمة في مجال البيئة. وتنحو أحزاب اليمين المتطرّف إلى تطبيق سياسات شعبوية تطالب برفع الكثير من القيود المفروضة على استخدام الديزل والمبيدات الضارة بالبيئة والتي تساعد في الاحتباس الحراري، وكانت هذه الأحزاب مؤيّدة لاحتجاجات المزارعين في عدد من دول الاتحاد في الأشهر الأخيرة.
وهذا يطرح تساؤلاً حول مدى قدرة فون دير لاين على المواءمة بين السياسة الزراعية للاتحاد ومطالب المزارعين، بما يحرم اليمين المتطرّف ورقة رابحة.
كل هذه العوامل تجعل الولاية الثانية لفون دير لاين مليئة بالتحدّيات. ويقع على عاتقها أيضاً خوض أول توسيع للاتحاد منذ سنوات مع ترشح أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا و6 دول في جنوب البلقان، ليرتفع العدد المحتمل للتكتل إلى 36 دولة.
لطالما أرادت فون دير لاين أن تجعل من الاتحاد لاعباً دولياً مؤثراً بالحجم الذي تؤثر فيه الولايات المتحدة والصين. وربما كانت هذه المهمّة الأصعب التي ستواجه وزيرة الدفاع الألمانية السابقة التي اكتسبت لقب “الملكة أورسولا”.