الرئيسية / مقالات رأي / ما تبقى من التّفاؤل بعد ثلاث جمل اعتراضيّة

ما تبقى من التّفاؤل بعد ثلاث جمل اعتراضيّة

بقلم: غسان زقطان- النهار العربي
الشرق اليوم– في جولة الإعادة الجديدة في العاصمة القطرية للبحث عن وقف لحرب إسرائيل على غزة، لا تتوافر مساحة كافية للتفاؤل. هناك تسريبات غائمة ومقصودة، كما في كل جولة، عن اتفاق ومواقف وضغوط وأفق. التسريبات هذه المرة تشير إلى تخلي “حماس” عن حكم غزة وترتيب دور للسلطة الفلسطينية عبر قوات أمنية “موثوقة” ومدربة أميركياً، وإطار لاتفاق من ثلاث مراحل تمتد المرحلة الأولى، بحسب التسريبات، على ستة أسابيع.

في مستوى آخر ستغطي الأسابيع الستة رحلة نتنياهو وستكون كافية ليتضمنها خطابه أمام الكونغرس بمجلسيه المقرر في الرابع والعشرين من تموز(يوليو) الجاري، المساحة تبدو ضيقة لا تكفي للتفاؤل رغم إشارات جون كيربي.

وكجملة أولى اعتراضية يصعب تفاديها حين يحضر اسم كيربي، الذي يمثل باسم وظيفته الطويل نموذجاً لعدم اليقين السياسي، الرجل يملك ثلاث أو أربع جمل يعيد فكها وتركيبها منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، في كل مرة ينبعث فيها تظهر الجمل بهيئة مختلفة. متحدث بلا ذاكرة وأحاديث بلا أرشيف، عملية فك وتركيب مع إشارات عاطفية غير متقنة، تفاؤل كيربي لا يمكن أخذه على محمل الجد، تماماً مثل، وهذه جملة اعتراضية ثانية، حول “الميناء العائم” الذي مدّد زمن المجاعة، وهو، الميناء، اقتراح أميركي، مثل كيربي، يمكن استخدامه كوسيلة لتوضيح عدم اليقين أيضاً، الميناء أنشئ بقرار مباشر من الرئيس الأميركي بايدن بتكلفة وصلت، بحسب المصادر الأميركية، إلى 320 مليون دولار.

استغرق العمل في الميناء أسابيع طويلة سبقتها مرحلة مفاوضات مع قبرص وإسرائيل والجيش الأميركي، شملت نوع المساعدات ومصدرها وجهة تسلمها وتوزيعها، وصلاحية التفتيش الأمني والخط البحري، سبقتها أفكار ومدائح قدمته كلحظة إشراق في كابوس “الحرب” شارك فيها بحيوية غير معهودة الرئيس الأميركي جو بايدن، في مرحلته التي سبقت المناظرة الأخيرة مع ترامب، ولكن الميناء لم يصمد والمساعدات لم تصل، وصل بعضها وتم بث صور لشاحنات تسير على جسر عائم ومجاميع من الناس تحدق في الشوادر التي تغطي حمولات الشاحنات.

كان الميناء في أفضل أحواله، “مهتزاً” وعرضة للتفكك، بحيث وصلت بعض قطعه إلى ميناء أسدود أكثر من مرة، وتم سحبه من موقعه خشية ارتفاع الأمواج أكثر من مرة، المرة الوحيدة التي ثبت فيها على الماء كان عندما استخدمت قوات إسرائيلية خاصة جناحه الجنوبي بعد مذبحة “النصيرات”.
أخيراً أعلن عن قرار تفكيكه والاستغناء عن خدماته.

تضمنت التسريبات إشارة إلى اتفاق على “الجبهة الشمالية” مع “حزب الله”، تتراجع بموجبه قوات الحزب مسافة عن الحدود وتوافق إسرائيل على تعديلات حدودية كان لبنان يطالب بها، “حزب الله” الذي استبق أمينه العام ذلك بالإعلان: “نقبل ما تقبل به حماس”، قبل أن يشير في السياق، وهذا لافت، إلى أن ابتعاد قوات الحزب 8 أو 10 كيلومترات عن الحدود لن يفيد إسرائيل.

بحسب التسريبات، يمكن التنبؤ بحمولة خطاب نتنياهو في الكونغرس الآن، إضافة إلى الحمولات التقليدية حول وحشية الفلسطينيين ونزاهة جيش الاحتلال وتعويم حل الدولتين، سيحمل إطاراً لمفاوضات غير مكتملة وفكرة ملتبسة عن وقف إطلاق النار واتفاقاً سياسياً قلقاً على الجبهة الشمالية.

هذه مساحة واسعة للمناورة لرجل مناورات محترف، وفي جملة اعتراضية ثالثة تخص نتنياهو هذه المرة، وقدرته على تأويل كل شيء لمصلحته، الشيء ونقيضه، وارتباط هذه الحرب بمصيره الشخصي والسياسي، وموقعه في تاريخ “الدولة”، وتصوره الخاص لنفسه ودوره في هذا التاريخ.

يخوض نتنياهو الحرب بأقنعته كاملة، يستخدم كل شيء تقريباً، الكراهية والخوف وأنبياء التوراة، وممثليهم على الأرض، سموتريتش وبن غفير ودرعي والحاخامات وميليشيات الفاشيين المسلحة.
هو، نتنياهو، الذي يستولي على الأرض ويشرّع المستوطنات ويخضع مناطق “ب” للقانون الإسرائيلي ويحتجز أموال الضرائب الفلسطينية ويخنق السلطة الفلسطينية، تحت قناع سموتريتش الذي يقوم بالإعلان عن المهمة مقابل بعض المكاسب التي قد تساعده في تجاوز نسبة الحسم في الانتخابات القادمة.

وهو، نتنياهو، الذي يسلح المستوطنين في الضفة الغربية والقدس وينشئ حرساً مدنياً أشبه بميليشيا مسلحة في موازاة الشرطة والجيش تحت قناع بن غفير، ويقمع المتظاهرين اليهود في شارع كابلان في تل أبيب وبلفور في القدس وأمام منزله في قيسارية، ويعدم الأسرى الفلسطينيين بالتعذيب والجوع.
هؤلاء جنرالاته في الضفة والقدس الأكثر ولاءً من جنرالات الجيش والمعارضة.

وهو، نتنياهو، الذي يتحدث تحت قناع “مصدر مطلع..” و”مسؤول كبير..” ويسرّب جدول الأعمال السري للصحافة، ويدفع وزراءه لمهاجمة معارضيه داخل الائتلاف وخصومه خارج الحكومة.
وهو، نتنياهو، الذي يشتم خصومه على منصة x من حساب ابنه يائير، الذي يعيش في ميامي، مطالباً بمحاسبة الضباط والمنظومة الأمنية وقضاة المحكمة العليا، وهو الذي يبدي مخاوفه تحت قناع زوجته سارة محذراً في اجتماع مع عائلات المحتجزين من انقلاب يدبّره الجيش على “زوجها”…

ببساطة الرجل يكثّر نفسه ويخوض حروبه بأقنعته، يضغط على العالم ويتحرك بمجاميع يؤلفها ويطلقها في وسائل الإعلام، ويمعن في إهانة جو بايدن وإدارته ويتجاهل المحتجين في الشوارع، ويصم أذنيه عن استغاثات لابيد وغانتس اللذين لا يتوقفان عن الصراخ:

  • سنعطيك مظلة أمان، سنعطيك مظلة، وافق فقط.

وهو الذي يواصل تحطيم كل شيء يصلح للحياة في غزة، الناس والحجارة، ويفسد الماء ويمنع الدواء والغذاء، ويفكك السلطة الفلسطينية حجراً حجراً بعدما عزلها وجرّدها من دورها وحواضنها، بينما يجر عربة الحرب كاملة نحو الانتخابات الأميركية.
يصعب توفير مكان صالح للحياة في مخيلة هذا الشخص الذي يخوض حربه الأخيرة، يصعب أيضاً حفر مساحة صالحة لزراعة نبتة التفاؤل في جحيم هذه الحرب.

شاهد أيضاً

بحر الصين الجنوبي يغلي

الشرق اليوم- ليست منطقة الشرق الأوسط وحدها متفجّرة، وتحمل مخاطر اندلاع مواجهات مجهولة التداعيات، ولا …