الشرق اليوم- تنفّس الفرنسيون الصّعداء بعد أن حبسوا أنفاسهم منذ انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت بين السادس والتاسع من شهر يونيو/ حزيران الماضي، حيث حقق «التجمع الوطني» اليميني المتطرف فوزاً كبيراً، ثم كرّسه بأن تصدّر نتائج الجولة الأولى للانتخابات التشريعية التي جرت قبل أسبوع.
في الجولة الثانية،يوم الأحد الماضي، حدثت المفاجأة، بأن قلب اليسار الفرنسي كل التوقعات، واستطلاعات الرأي، وحقق فوزاً تاريخياً بأن تصدّر النتائج، وقضى على أحلام اليمين المتطرف الذي حل ثالثاً، فيما حلّ تحالف «معاً» الذي يقوده حزب ماكرون «النهضة» ثانياً.
صحيح أن أيّاً من الأحزاب لم يحقق الأغلبية المطلقة (289 مقعداً من أصل 577 مقعداً) كي يتمكن من تشكيل الحكومة منفرداً، لكن الرئيس، إيمانويل ماكرون، أمامه فرصة لتحليل النتائج بانتظار قيام تحالفات بين الأحزاب الفائزة من دون اليمين المتطرف، يمكنها أن تشكل حكومة جديدة خلفاً للحكومة الحالية التي يترأسها، غابرييل أتال، الذي قدّم استقالته للرئيس ماكرون، يوم أمس. إذ سيختار الرئيس الفرنسي من سيشكّل الحكومة التي ستمثل أمام الجمعية الوطنية في 18 يوليو/ تموز الجاري، وهذا يعني أنه يحتاج إلى تسمية شخصية مقبولة لدى أغلبية النواب.
رئيس حزب «فرنسا الأبية» جان لوك ميلانشون، الذي أسّس «الجبهة الشعبية الجديدة» التي قادت اليسار إلى هذا النصر المفاجئ، أكد استعداد الجبهة لتولي السلطة، لكن من غير المرجّح أن يكون هو شخصياً رئيس الوزراء، لأنه يعتبر شخصية إشكالية بالنسبة إلى حلفائه الذين يفضلون اختيار شخصية أخرى، أكثر اعتدالاً، مثل زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور، عضو الجبهة الشعبية.
أما جوردان بارديلا، زعيم «حزب التجمع الوطني» اليميني الذي خاب أمله بتولي رئاسة الحكومة، فقد وصف التحالف ضد حزبه ب«المشين» لأنه ألقى بفرنسا «في أحضان اليسار»، واتهم الرئيس ماكرون بأنه دفع البلاد إلى «حالة من عدم اليقين وعدم الاستقرار». في حين قالت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن، إن «نصرنا مؤجل فقط».
لماذا تمت هزيمة اليمين وكيف؟ بعد الجولة الأولى من الانتخابات، وحصول اليمين المتطرف على أكثر من 33 في المئة من الأصوات دقت مختلف الأحزاب الفرنسية جرس الإنذار، وأطلقت النفير في صفوفها لمنع اليمين المتطرف من الحصول على الأغلبية المطلقة في الجولة الانتخابية الثانية، والحؤول دون سقوط فرنسا بين يديه، فعمدت إلى سحب أكثر من مئتي مرشح من لوائحها في الجولة الثانية لتمكين المرشحين الأفضل حظاً من الفوز.. وهكذا كان.
أما لماذا لم يتمكن حزب ماكرون وتحالف «معاً» من تحقيق نتائج أفضل مما حققه بأن حصل على الترتيب الثالث، فلأن الناخب الفرنسي أراد التغيير بعدما عانى، خلال السنوات الماضية، سياسات اقتصادية واجتماعية أدت إلى تآكل القوة الشرائية، وتدني مستوى الخدمات الصحية، وارتفاع أسعار الوقود، وتكاليف المعيشة. وقد كانت تظاهرات السترات الصفراء عام 2918 إنذاراً مبكراً لحكومة ماكرون بأنها تواجه أزمة حقيقية، إذا لم تتدارك الأمر، إذ شارك في هذه التظاهرات مئات الآلاف في مختلف المدن من أجل تحقيق مطالب اجتماعية، ثم امتدت لتشمل إسقاط الإصلاحات الضريبية التي سنّتها الحكومة، والتي ترى أنها تستنزف الطبقتين، العاملة والمتوسطة، بينما تدعم الطبقة الغنية، إضافة إلى التخلي عن قانون رفع سن التقاعد من 62 عاماً إلى 64 عاماً.
المهم أن «بعبع» اليمين سقط، وكتبت فرنسا صفحة جديدة في تاريخها.
المصدر: صحيفة الخليج