الشرق اليوم- تبرز مجموعة من التحديات العامة التي تواجه حزب العمال في الحكومة البريطانية الجديدة – بعد فوزهم الساحق بـ 409 مقاعد في البرلمان – على رأسها التحديات الاقتصادية، والتي تعد من أبرز العقبات التي يتعين على الحزب مواجهتها، ذلك أن الاقتصاد البريطاني يعاني من تبعات الخروج من الاتحاد الأوروبي ثم آثار جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، مع ارتفاع معدلات التضخم وتراجع النمو الاقتصادي.
وهذه التحديات تتطلب من الحزب وضع سياسات اقتصادية فعالة تركز على تحفيز النمو وخفض الدين العام وزيادة فرص العمل.
بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية، تواجه الحكومة الجديدة تحديات اجتماعية عميقة تتعلق بالتفاوت الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.
ارتفاع معدلات الفقر وانعدام المساواة يتطلبان سياسات اجتماعية تهدف إلى تحسين ظروف المعيشة للأسر ذات الدخل المنخفض، وتعزيز الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم. كما يتعين على الحزب التعامل مع قضايا الإسكان وتوفير سكن ملائم وبأسعار معقولة للمواطنين.
ولا تقتصر التحديات على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل تشمل أيضًا قضايا سياسية وأمنية. ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية ومعالجة الانقسامات السياسية الناتجة عن استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي تعد مهمة ملحة.
بالإضافة إلى ذلك، تتطلب التحديات الأمنية والتغيرات المناخية اهتماماً خاصاً، حيث يجب على الحزب تطوير استراتيجيات لحماية الأمن الوطني وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مما يعزز الثقة في الحكومة الجديدة ويضمن تحقيق الاستقرار.
التحديات الاقتصادية
تأتي التحديات الاقتصادية في قلب التحديات الرئيسية التي تواجه حزب العمال في بريطانيا، ذلك أن اقتصاد المملكة المتحدة عانى كثيراً من أجل النمو، كما تعاني الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات من ضغوط شديدة، ولا يوجد في المالية العامة سوى حيز ضئيل لإصلاح هذه المشاكل. كما تتخلف الحكومة عن تحقيق أهدافها في مجال الهجرة وبناء المساكن، بحسب تقرير لرويترز أضاء على كثير من المؤشرات الرئيسية التي تعكس حجم الأزمة في البلاد.
تمكنت بريطانيا، مثل عديد من الدول الغنية الأخرى، من تحقيق نمو اقتصادي بطيء للغاية خلال معظم الفترة التي أعقبت الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009.
- كان النمو في بريطانيا منذ عام 2010 ــ عندما تولى المحافظون السلطة ــ أقوى من النمو في ألمانيا أو فرنسا أو إيطاليا.
- كان أداء الاقتصاد البريطاني أفضل قليلا من معظم نظرائه في مجموعة الدول السبع منذ الأزمة المالية في عام 2008، ولكن النمو الإجمالي كان بطيئا وكان أداء نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل جودة.
- وإذا أخذنا في الاعتبار أعداد السكان المتغيرة ــ التي ارتفعت بشكل حاد في بريطانيا بسبب ارتفاع معدلات الهجرة ــ فإن النمو منذ عام 2010 كان أضعف من النمو في ألمانيا، ويتأخر كثيرا عن الولايات المتحدة.
- ومن المتوقع أن تشهد مستويات المعيشة أول انخفاض لها خلال فترة برلمانية منذ خمسينيات القرن الماضي.
- منذ انتشار جائحة كوفيد-19، أصبح الاقتصاد البريطاني ثاني أضعف اقتصاد في مجموعة الدول السبع.
ومن التحديات الرئيسية المرتبطة بالمحور الاقتصادي، ما يتعلق بمعدلات الفقر، فقد استمر الفقر في التراجع، لكن وتيرة التحسن تباطأت منذ العام 2010.
كذلك التحدي المرتبط بـ “الهجرة”، وذلك بعد أن فشلت الحكومات المحافظة المتعاقبة في تحقيق أهدافها في خفض صافي الهجرة، حتى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإلغاء حرية التنقل للعمال القادمين من الكتلة.
انخفض صافي الهجرة إلى 685 ألف شخص في العام 2023 من مستوى قياسي بلغ 764 ألف شخص في عام 2022، لكنه أكبر بأربع مرات تقريبا من مستواه في العام 2019 عندما وعد زعيم حزب المحافظين السابق بوريس جونسون، قبل الانتخابات في ذلك العام، بخفضه.
أحد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع معدلات الهجرة بشكل كبير هو نقص العمال. فيما يواجه أصحاب العمل صعوبة في ملء الوظائف الشاغرة منذ بدء الوباء.
وبريطانيا هي الدولة الوحيدة في مجموعة الدول السبع حيث معدل الخمول – الذي يقيس الأشخاص في سن العمل الذين لا يعملون ولا يبحثون عن عمل – أعلى مما كان عليه قبل جائحة فيروس كورونا، وهو ما يضيء بشكل واضح على مشكلة سوق العمل في المملكة المتحدة.
كذلك يأتي ملف الصحة ضمن أبرز الأولويات، إذ تواجه الخدمات الصحية صعوبات. فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين ينتظرون العلاج غير العاجل، والذي كان ينمو بالفعل بين عام 2010 وأوائل عام 2020، بعد انتشار كوفيد-19، ثم وصل إلى ما يقرب من 8 ملايين في أواخر عام 2023 في إنجلترا وحدها، وهو ما يقرب من ضعف العدد الذي كان عليه قبل أربع سنوات.
علاوة على التحديات المرتبطة بقطاع الإسكان (..) وتقول مؤسسة ريزوليوشن فاونديشن البحثية إن الإسكان في بريطانيا يقدم أسوأ قيمة مقابل المال مقارنة بأي اقتصاد مماثل.
كذلك تفرض التحديات المرتبطة بـ “الإنتاجية والاستثمار” نفسها إلى الواجهة. ويعتبر تقرير لرويترز أن “مفتاح فرص الحكومة المقبلة في معالجة عديد من التحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجه بريطانيا سيكون قدرتها على تسريع النمو الاقتصادي الذي من شأنه أن يضع المزيد من الأموال في جيوب الأسر والخزائن العامة”.
فرص النجاح
من جانبه، يقول استاذ العلوم السياسية بالقاهرة،الدكتور طارق فهمي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن حزب العمال يتبنى رؤية وبرنامجاً واضحاً، ولكن السؤال: هل سينجح حزب العمال في السلطة، بعد 14 سنة في جانب المعارضة؟
ويضيف: “هناك عديد من التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه حزب العمال، المُطالبة الآن بتعديل الرؤية والبوصلة والاتجاه فيما يخص الاقتصاد البريطاني.. فهل سيتجه حزب العمال إلى تبني استراتيجية مختلفة بالفعل؟ على سبيل المثال هناك إشكالية مرتبطة بعودة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، وربط الاقتصاد البريطاني بالاقتصاد الأوروبي.. وجميعها قضايا مطروحة”.
علاوة على منظومة الضرائب وسياسة حزب العمال في هذا الاتجاه، إلى جانب برامج الصحة، وقضايا أخرى ستكون أكثر إلحاحاً، وفق فهمي، الذي يقول: “في تقديري، البريطانيون سيستمعون لحزب العمال في المراحل الأولى، ولن يهمهم موضوعات مثل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي أو خلافه في البداية، وهناك مشاكل متعلقة بالتعريفات الجمركية، والضرائب التراكمية، كل ذلك سيتطلب بعض الوقت، أهم شيء الآن هو الداخل البريطاني”.
يواجه حزب العمال معضلة ارتفاع الدين، ضمن أبرز المشكلات المطروحة، وسط خيارات صعبة تفرض نفسها على المشهد؛ ما بين تقليص الإنفاق وفرض الضرائب، وفيما يبدو أن الحزب ماضٍ في رفع الضرائب، بما لذلك من تبعات مختلفة.
تحديات
- التحدي الأول والأكبر هو الملف الاقتصادي، حيث يعاني البريطانيون من تضخم مرتفع وارتفاع تكلفة المعيشة.
- ستحتاج الحكومة الجديدة إلى وضع سياسات فعالة للحد من التضخم وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
- يتطلب ذلك تحسين الرواتب، وخفض أسعار السلع الأساسية، وتقديم دعم مالي للفئات الأكثر ضعفاً… كما يتعين على الحكومة الجديدة تعزيز بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات لتحفيز النمو الاقتصادي.
- ملف الصحة هو تحدٍ آخر مهم، في ضوء نقص التمويل.. وبالتالي سيحتاج حزب العمال إلى وضع خطط واضحة لإصلاح النظام الصحي.
- فيما يتعلق بملف الهجرة، ستكون هناك حاجة إلى سياسات شاملة لتنظيم الهجرة وتحسين عملية اندماج المهاجرين في المجتمع البريطاني.
- التحديات البيئية ستكون أيضًا جزءًا من جدول أعمال حزب العمال. مع تزايد الاهتمام بقضايا التغير المناخي والحاجة إلى الانتقال إلى اقتصاد مستدام.
الإرث الأسوأ
وفي وقت سابق، حذرت راشيل ريفز ، من التحديات التي يواجهها حزب العمال لدى وصوله إلى السلطة، موضحة أن “الميراث الذي ستحصل عليه حكومة حزب العمال (..) سيكون الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية”.
وزيرة الخزانة في حكومة الظل، قالت لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): “يجب أن أكون صادقة في أننا لن نتمكن من تحويل الأمور على الفور.. لكننا سنعمل على كل ذلك”.
فرص النجاح
خبير العلاقات الدولية، محمد ربيع الديهي، يوضح في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن أول تحدٍ سيواجه حزب العمال هو ما يتعلق بإحداث التوافق والتعاون مع الأحزاب داخل بريطانيا ومجلس العموم، ثم التحديات المباشرة المرتبطة بأن تحقق هذه الحكومة المطالب التي يرغب فيها الشعب، خاصة الملفات التالية:
- الملف الاقتصادي والصحي.
- فكرة التعامل والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي.
- ضبط مسار وتوجهات السياسة الخارجية وإعادة النظر في أولوياتها من منظور حزب العمال.
- ملف الحياة الاجتماعية، وتوفير فرص عمل، وإعادة الرونق لبريطانيا.
ويضاف ملف “الهجرة” ضمن أبرز الملفات التي يواجهها الحزب، لا سيما بعد أن فشلت حكومات المحافظين المتعاقبة على التعامل مع ذلك الملف.
وسيحتاج حزب العمال إلى تعزيز الوحدة الوطنية ومعالجة الانقسامات الاجتماعية والسياسية التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة. وبالتالي من الضروري أن تعمل الحكومة الجديدة على تعزيز التفاهم والتعايش بين مختلف الفئات الاجتماعية والعرقية، وضمان أن تكون جميع السياسات شاملة وعادلة للجميع.
تحديات “ضخمة”
وبدوره، يلفت الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن ثمة تحديات وصفها بـ “الضخمة تنتظر حزب العمال، ذلك أن آخر مرة فاز بالانتخابات كانت في 2005 في عهد توني بلير، وتلقى هزيمة ضخمة على يد جونسون في 2019، ويحاول حزب العمال الآن استعادة زمام الأمور من خلال الحديث عن الوفاء، وتقليص قوائم الانتظار وتعيين مدرسين جدد، وموظفين في أكثر من مكان.
ويضيف: “لكن السؤال الأبرز، من أين يمول حزب العمال تلك الأهداف؟”، موضحاً أن الحزب سوف يفرض ضرائب جديدة، مما قد يحدث غضباً سريعاً.
وفي ضوء ذلك، يقول: “لا نتوقع كثيراً من حزب العمال، لا سيما وأن رئيسه كير ستارمر لم يطلب من الناخبين التصويت له لولاية واحدة، فقد قال إن المشاكل تحتاج إلى أكثر من ولاية، ويحتاج 10 سنوات لإصلاح ما أفسده المحافظين”.
ويشدد سمير على أن هناك تحديات ضخمة في التعليم والصحة وارتفاع معدل التضخم، ومهمة استعادة مكانة بريطانيا، والقدرة على إعادة الزخم للاقتصاد الضعيف والمتراجع، سواء من خلال شراكات تجارية مع الولايات المتحدة الأميركية أو دول أخرى “وفي تقديري لن تكون هناك عصى سحرية لتغيير الوضع البريطاني، إذ تحتاج بريطانيا وقتاً طويلاً جداً ليشعر المواطن بالتحسن”.
المصدر: سكاي نيوز