الشرق اليوم- رغم الجولات الـ21 في مسار أستانا بين كل من سوريا وتركيا ومشاركة روسيا وإيران والمبعوث الدولي غير بيدرسون، وكان آخرها في مطلع العام الحالي، لم تتحقق الأهداف الأساسية التي قام عليها هذا المسار عام 2017، وهو التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، وتثبيت وقف إطلاق النار، وتطبيع العلاقات بين كل من دمشق وأنقرة، ومكافحة الإرهاب، والإفراج عن المعتقلين، وكشف مصير المفقودين.
لقد اقتصرت البيانات التي صدرت عن هذا الجولات على «الالتزام بسيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، واستئناف المفاوضات بين الأطراف السورية (الحكومة والمعارضة)»، لكن لم يتم تفعيلها جراء تضارب الأهداف والمصالح بين هذه الدول، ثم بسبب تدخل قوى غربية في الأزمة السورية، لكن العقدة الأساسية ظلت متمثلة بالعلاقات السورية التركية التي تدهورت عام 2011، بعد دخول أنقرة على خط الأزمة من خلال دعم مجموعات مسلحة في المناطق الشمالية، وفشل محاولات تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق بسبب الشروط المتبادلة بين البلدين.
لكن روسيا واصلت جهودها الدبلوماسية لتجسير العلاقات السورية – التركية، ويبدو أنها حققت تقدماً ملموساً في هذا الاتجاه، إذ سلمت العاصمتين مسودة خريطة طريق لتطبيع العلاقات، وقام الكسندر لافرنتييف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي بزيارة دمشق خلال الأسبوع الماضي والتقى الرئيس بشار الأسد، الذي أعلن بعد ذلك انفتاح سوريا على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقات مع تركيا، و«المستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى»، مؤكداً أن تلك المبادرات «تعكس إرادة الدول المعنية لإحلال الاستقرار في سوريا والمنطقة».
من جهته أكد لافرنتييف، على أن «الظروف حالياً تبدو مناسبة أكثر من أي وقت مضى لنجاح الوساطات»، وأوضح بأن روسيا «مستعدة للعمل على دفع المفاوضات إلى الأمام، وأن الغاية هي النجاح في عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة».
لم يطل الوقت على تصريح الرئيس السوري، حتى لاقاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريح أكد فيه، «أن تركيا مستعدة للعمل على تطوير العلاقات مع سوريا، ولا يوجد سبب لعدم إقامتها». أضاف، «سنعمل معاً على تطوير العلاقات مع سوريا مثلما عملنا معاً في الماضي، وليس لدينا هدف للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا».
إذاً، هناك مساحة باتت متاحة الآن وللمرة الأولى لطي صفحة الماضي السوداء بين دمشق وأنقرة، ذلك أن الحرب الأهلية في سوريا بقدر ما تلقي بتداعياتها الخطرة على سوريا، وسعي بعض الدول الغربية لاستثمارها، بقدر ما تلقي بظلالها السلبية على تركيا، من خلال وجود الجماعات المسلحة على الأراضي السورية، إن كان بالنسبة لـ«جبهة النصرة» وأخواتها، أو الجماعات الكردية التركية المسلحة التي تستظل بتنظيم «قسد»، الذي يستند إلى دعم أمريكي.
يقول الكاتب التركي يحيى بستان في صحيفة «يني شفق»: إن «أمريكا ترى أنه في حال تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، فلن يكون لها دور في سوريا»، ولذلك قامت بمحاولة «توحيد التنظيمات الإرهابية في شمال العراق وسوريا» (حزب العمال الكردستاني)، على حد قوله. وأشار، إلى تغير في موقف الحكومة السورية تجاه علاقاتها مع تركيا، ولفت إلى أن «التغيير يُظهر أن هناك مرونة واستعداداً للتفاوض والتقارب السياسي بين تركيا وسوريا، لأن هناك مصلحة مشتركة في دعم مكافحة الإرهاب وحل مشكلة اللاجئين السوريين».
يبدو أن قطار التطبيع يسلك طريقه الصحيح حتى الآن، فقد عُقد اجتماع لمسؤولين عسكريين من الجيشين التركي والسوري في قاعدة حميميم الجوية الروسية في 11 يونيو (حزيران) الماضي، وناقش الأوضاع في المناطق الشمالية السورية، وتم الاتفاق على عقد اجتماع آخر في بغداد بوقت لاحق. وهو أول اجتماع أمني من نوعه بين البلدين.
لعل هذه التطورات تؤدي إلى وضع نهاية لنزيف سوريا، والتوصل إلى حل سياسي تكون بدايته تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة.
المصدر: صحيفة الخليج