بقلم: راغدة درغام – النهار العربي
الشرق اليوم- التحدّيات المقبلة للحزب الديموقراطي ولفريق الرئيس جو بايدن قد تقود الى مفاجآت أو الى تطورات خارقة على الساحتين الأميركية والدولية. المناظرة بين الرئيس بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب مساء الخميس الماضي بعثرت الحزب الديموقراطي وقياداته، ليس فقط بسبب تلعثم بايدن وفقدانه التركيز وبطء تفكيره وملامح الجمود المحنّط غير الطبيعي على وجهه، وإنما أيضاً لأن ترامب كان مفعماً بالحيوية يقظاً وسريع البديهة وقوي الشخصية.
الشعب الأميركي لا يحب الشخصية الضعيفة مهما كانت محترمة وملائمة decent. ليس معجباً بشخصية ترامب الفظة والاعتباطية، لكنه يريد رئيساً جازماً لا يتوسل إلى حركة “حماس” كي تقبل بمبادرته كما يفعل بايدن، ولا يرضخ أمام الإملاءات الإيرانية أو الإسرائيلية، ولا ينفق المليارات لقيادة حلف شمال الأطلسي (ناتو) ربما إلى حرب عالمية ثالثة. هذه كانت رسالة دونالد ترامب القوية في المناظرة التي سُمّيت حاسمة. ولذلك إن قادة الحزب الديموقراطي في هلع ولربما في بحث عاجل في خطة باء لمرشحهم للرئاسة قبل مجرد 4 أشهر من موعد الانتخابات في 5 تشرين الثاني (نوفمبر).
لن نقفز إلى الأسماء للرئيس المرشح ونائبه الجديد إذا تمّ التخلّي عن ترشيح جو بايدن ونائبته كامالا هاريس. إنما لن نضع هذا الاحتمال في خانة الاستحالة.
لنترك القضايا الداخلية جانباً رغم أهميتها البالغة ومحوريتها في العملية الانتخابية، من الهجرة إلى الإجهاض، من الاقتصاد والتضخم إلى الضرائب، من التأمين الصحي إلى التقاعد. لنركّز على ما قد تكون العناوين الكبرى في المرحلة المقبلة من الحملات الانتخابية التي ستزداد حدّة وشراسة… وربما مفاجآت.
أفغانستان ستكون عنواناً يرفعه دونالد ترامب ليوبّخ جو بايدن على طريقة الانسحاب الأميركي التي راقبها العالم بذعر ودهشة وبانزلاق الاحترام للولايات المتحدة الأميركية. “يا للعار”، قالها ترامب في مناظرته معتبراً أن ما حدث في أفغانستان أوحى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن أميركا ضعيفة وجاهلة وغير ثابتة وقابلة للانكسار ومن السهل الدوس عليها لأنها جبانة ولأن سيرتها هي أنها تخدع حلفاءها وتهجرهم في منتصف المعركة.
بايدن قال إن ترامب لم يفعل شيئاً لأفغانستان، فردّ ترامب بأنه على الأقل “كنا سنغادر أفغانستان بكرامة”، فيما بايدن نفّذ “أسوأ خروج في أسوأ يوم في حياة أميركا”. أضاف ترامب أن بسبب سياسات بايدن المتعددة “أصبحنا دولة ثالثة… ولا احترام لقيادتنا… يا للعار”.
تباهى ترامب بأنه قتل كلاً من قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وأبو بكر البغدادي الذي نصّب نفسه خليفة في ما أسماه بـ”الدولة الإسلامية- “داعش”. تعمّد في الوقت ذاته اتهام بايدن بفتح أبواب الهجرة أمام المجرمين وقدّم لهم الإقامة في الفنادق الفخمة في نيويورك.
ليس مهمّاً كيف نعت أحدهما الآخر. المهمّ ماذا يبقى في أذهان الناخب من مثل هذه المناظرات وفي الواقع أنه ليس في مصلحة جو بايدن.
لنأخذ موضوع إيران وإسرائيل وغزة مثلاً. كل ما قاله بايدن هو أن لديه خطة من ثلاث مراحل دعمها مجلس الأمن الدولي ومجموعة الدول الصناعية السبع وكذلك إسرائيل، وقال: “حماس وحدها هي التي تعارض الخطة”. نظرات ترامب أوحت بالشفقة على رئيس للولايات المتحدة الأميركية يقرّ بأن مبادرته التي يفتخر بها وتلقى دعم العالم متعثرة في محطة “حماس” التي يعتبرها منظمة إرهابية ما كانت ستتمكن من الوجود بلا الأموال الإيرانية.
قفز ترامب الى الفرصة ليؤكّد أن سياسته نحو إيران أنجزت “إفلاس” إيران، ولو استمرت إدارة بايدن بها لما توفرت لديها الأموال لتمويل “حماس” وما قامت به في 7 تشرين الاول (أكتوبر).
تحدّى بايدن ترامب بقوله إن إدارته أغدقت على إسرائيل كل أنواع الأسلحة التي احتاجتها “ونحن أنقذنا إسرائيل”. زاد أن الهدف الآن هو “تحقيق التخلص من “حماس” كما تخلصنا من بن لادن، وأن لا مناص من “إزالة حماس نهائياً”. فردّ ترامب على بايدن قائلاً: “دع إسرائيل إذاً تقوم بمهمتها”.
هذه الأمور ستبقى حاضرة في الحملات الانتخابية بصورة استثنائية، سواء نجح جو بايدن بمبادرته وحقق وقف النار على ثلاث مراحل مجنِّباً المنطقة حرباً أوسع، أم فشلت مبادرته وتوسعت الحرب عبر الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية، وذلك سيكون بإيعازٍ من إحدى القيادات في إيران- وعلى رأسها الحرس الثوري.
إيران التي تساوم فريق بايدن وتتمنى للرئيس الحالي البقاء في البيت الأبيض، ستعود اليوم إلى طاولة رسم السياسات لأنها هي أيضاً قلقة… ما لم تأتِ مفاجأة ما. القيادات الإيرانية أيضاً مبعثرة ومنقسمة وفي حيرة من أمرها، تارة تبدو واثقة بصفقة تاريخية مع إدارة بايدن، وتارة تراوغ على التفاصيل لأنها لا تريد أن تتخلّى عن أذرعها القوية في الدول العربية السيادية، لأن هذا هو فعلاً وحقاً وصدقاً منطق عقيدة النظام.
بالأمس كانت قيادة “حزب الله” في ذعر من إمكان وقوع تفاهم نوعي تاريخي بين قيادات إيرانية وقيادات في إدارة بايدن لضبط شهوة الحزب إلى حرب تستدعي اليها كامل عناصر المقاومة الإسلامية أينما كان. كانت مذعورة من صفقة أميركية- إيرانية- إسرائيلية تستغني عن قيادة “حزب الله”.
ذعر اليوم قد يختلف، لأن إمكان فشل مبادرة بايدن على أيدي “حماس” سيزيد الحزب الديموقراطي إصراراً على دعم قاطع وغير مشروط لإسرائيل لتدمّر كما تشاء في غزة أو في لبنان، بلا ردع أميركي، بل بكل الأسلحة والطائرات والسفن والذخيرة الأميركية. فإذا كان “حزب الله” يعتقد أن في وسعه تدمير إسرائيل والولايات المتحدة والدول الأوروبية كلها في حربٍ تضحي كلياً بلبنان ويشنّ عبرها حروباً عبر فصائل المقاومة في العراق واليمن على الدول العربية، فإن رهانه انتحاري بامتياز.
ضروري أن يقرأ حسن نصرالله المشهد الأميركي بدقة. لا الجمهوريون ولا الديموقراطيون سيتردّدون في هذه الأشهر الانتخابية في توفير الدعم القاطع لإسرائيل للقضاء على “حماس” وعلى “حزب الله” إذا لم يقتنعا بمبادرة بايدن. وضروري أن يفهم يحيى السنوار أن إيران لن تضحّي بمصالحها الكبرى من أجل 120 رهينة لديه. وإذا فعلت، فإن أيّ حرب إيرانية- إسرائيلية مباشرة (وهي مستبعدة تماماً) لن تكون من أجل نصب السنوار منتصراً خارجاً من الأنفاق.
بكلام آخر، أمام إيران ورجُليها حسن نصرالله ويحيى السنوار التفكير والقراءة الدقيقة للمشهد الأميركي. فلقد بدأ العد العكسي لنفاد الصبر. وحتى الدول العربية التي تحاول مساعدة غزة بدأ ينفد صبرها من تعنّت “حماس” والسنوار، وباتت على وشك قول الأمور كما هي.
عودة إلى المناظرة بين بايدن وترامب، إيران تدرك أن دونالد ترامب رجل الصفقات وليس رجل الحروب، رجل العقوبات وليس رجل الاسترضاء، رجل الحزم وليس رجل المساومات العقيمة.
فإذا عادت الى طاولة رسم السياسات والاستراتيجيات في أعقاب انتخاباتها الرئاسية، ستأخذ إيران على الأرجح بصفحة من الصبر الاستراتيجي الذي تتباهى به، كي لا تستبق الأمور وكي لا يصيبها وباء الانتحار.
مهما اختلفت الآراء وانقسمت القيادات الإيرانية فإنها متمسكة باستخدام الأذرع التي تخضع لأوامرها، ومصرّة على إبلاغها أن طهران هي صاحبة القرار وليس أولئك الذين أصابهم جنون الشهرة أو غطرسة الموقع الذي أغدقته عليهم قيادات طهران.