الرئيسية / دراسات وتقارير / هل يسفر سقوط الفاشر عن سودانين جديدين؟

هل يسفر سقوط الفاشر عن سودانين جديدين؟

بقلم: جمال عبد القادر البدوي- اندبندنت
الشرق اليوم– لا يزال الوضع الملتهب في مدينة الفاشر غير محسوم بينما تدور المعارك الضارية بين الجيش وقوات الحركات المسلحة المتحالفة معه من جهة، وقوات الدعم السريع من الجهة الأخرى، في قتال شرس بإصرار واستماتة كبيرين، إذ يسعى كل طرف إلى تحرير المدينة من قبضة الآخر.

وانفتح القتال على كل شمال دارفور وتحول إلى معركة وجود حاسمة بالنسبة إلى الطرفين، مما جعل المدينة نقطة رهان أساس قد تؤثر في مجرى الحرب في كل البلاد وليس دارفور وحسب، فهل تطيح الفاشر حال سقوطها بوحدة السودان وتجدد جرح انفصال جنوبه كما حدث قبل 13 عاماً مرة أخرى؟

مستقبل الإقليم

يرى كثير من المراقبين أن ما ستؤول إليه الأوضاع في مدينة الفاشر سيحدد مستقبل الإقليم وشكل خريطة السودان المتوقعة، ولا سيما أن رغبة “الدعم السريع” في السيطرة عليها باتت أكثر إلحاحاً، لارتباطها بطموحها في الهيمنة على كامل إقليم دارفور.

وتعتبر الفاشر آخر معاقل الجيش في ولايات دارفور الخمس بعد أن استولت قوات الدعم السريع على عواصم الولايات الأربع الأخرى، وهي الجنينة عاصمة غرب دارفور، ونيالا جنوبها، والضعين شرقها، وزالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور.
وتعتبر تلك العواصم والمدن بمثابة الحاضنة الاجتماعية التي تكونت ونشأت فيها قوات الدعم السريع وحيث ثقل وجودها، كونها تأسست أصلاً في جنوب دارفور خلال عهد الرئيس السابق عمر البشير لقتال الحركات المسلحة.

ميدانياً لا تزال المدينة تشهد قصفاً متكرراً ومعارك عنيفة في عدد من محاور القتال بين الجيش والقوة المشتركة للحركات المسلحة المتحالفة معه من جانب، وقوات الدعم السريع من الجانب الآخر، حتى عصر أول من أمس الثلاثاء، 25 يونيو (حزيران) الجاري.

ومنذ تخلي القوة المشتركة لحركات السلام (مناوي وجبريل) عن حيادها في الـ 10 من مايو (أيار) الماضي وتحالفها مع الجيش ضد “الدعم السريع”، انفجر القتال الضاري في تجاهل تام لقرارات مجلس الأمن والمناشدات والنداءات الدولية المطالبة بعدم اجتياح المدينة التي تأوي مئات آلاف النازحين، مما ينذر بفظائع وكارثة إنسانية.

دولة جديدة

واتهم حاكم إقليم دارفور رئيس حركة “جيش تحرير السودان” مني أركو مناوي أكثر من مرة قوات الدعم السريع وبعض الدول، من دون تسميتها، بمواصلة سعيها إلى ما وصفه بـ “استلام دارفور”.

وقال عبر حسابه في منصة “إكس” إن “قوات الدعم السريع تتمادى في توسيع دائرة سيطرتها لترسيم دولة جديدة غرب السودان، تحظى بالاعتراف الصامت كما خُطط لهم”.
وكرر اتهاماته خلال مؤتمر صحافي بأن دولة ما تعهدت بمواجهة أية مقاومة بعد الاستيلاء على المدينة، معتبراً أن ما يجري فيها محاولة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية للمواطنين.

وفي السياق يعتبر المتخصص في الحكمانية والهوية ومستشار التنمية الوليد موسى مادبو، أن ما يدور في الفاشر يؤكد أنها قد سقطت فعلياً، آخذاً في الاعتبار أن السلطة السياسية فيها هاربة بينما السلطة الاجتماعية منقسمة رأسياً وأفقياً، أما السلطة العسكرية فهي متأرجحة بين السقوط والصمود إلى حين، مشيراً إلى أن الجيش بات الآن محاصراً في مساحة لا تتعدى كيلومترين مربعين لا يتجاوزهما، وقد وصلت قوات الدعم السريع إلى ما قبل سوق المدينة الذي هو على مرمى حجر من رئاسة الفرقة السادسة للجيش.

ولفت مادبو إلى أن “تحرير الفاشر بالنسبة إلى قوات الدعم السريع يعني تفرغها للتوجه شمالاً نحو الدبة ومنها إلى نهر النيل، وشرقاً نحو القضارف، مما قد يحفز قبائل الهدندوة والبني عامر والحباب وكل القبائل التي عانت التهميش التاريخي وتأذت من تهميش التاريخ، لبسط سلطتهم على كسلا، مما يعني عزل القضارف وانفساح المجال لوصول دعم لوجستي وعسكري مباشرة من إثيوبيا”.

انقسام اجتماعي

ويعتقد مادبو أن السودان متجه نحو الانقسام الاجتماعي، وقد يحتاج إلى معجزة تتمثل في ضرورة وجود قيادة كاريزمية ذات نوازع وطنية وأخلاقية لجمع هذا الشتات.

من جهته ناشد والي شمال دارفور المكلف حافظ بخيت محمد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان بحسم أمر القصف المدفعي العشوائي لقوات الدعم السريع على الأحياء السكنية، والذي يهدف إلى تهجير أهل المدينة وجعل معظم سكانها يعيشون في العراء.

ولفت بخيت في تصريحات صحافية إلى “أهمية فك الحصار على المدينة من الاتجاهات الأربعة لتسهيل عملية دخول المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية، بعد أن تسبب في ارتفاع الأسعار في السلع الإستراتيجية والأساس، وبخاصة عبر طريق الفاشر – مليط”.

رغبة الانفصال

من جانب آخر، ومع استبعاده سقوط الفاشر، يرى القيادي في حركة “جيش تحرير السودان” محمد حارن أنه في حال سقوط المدينة في يد قوات الدعم السريع فإن هذا لا يعني انهيار الدولة السودانية وتحقيق رغبة الذين يودون فصل دارفور وإعلانها دولة مستقلة.

لكن حارن يعتقد أن الفاشر ستكون عصية على السقوط، وتحريرها من بقايا “الدعم السريع” يعني الانطلاق لتحرير كل إقليم دارفور والبلاد بأسرها، مشيراً إلى أن “مجريات العمليات العسكرية والمعارك الجارية تشير إلى تقدم الجيش والقوات المشتركة ودكهم معاقل الخونة والمرتزقة في ‘الدعم السريع’ وبالتالي فإن سقوط الفاشر ليس بالأمر السهل بالنسبة إليهم”.
وكان مبعوث الولايات المتحدة الخاص للسودان توم بريليو حذّر من أن مدينة الفاشر المحاصرة في شمال دارفور قد تسقط في أيدي قوات الدعم السريع في وقت قريب، وقال لـ”بي بي سي” إن “بعض قادة قوات الدعم السريع يعتقد أن السيطرة على الفاشر ستساعدهم في تأسيس دولة انفصالية بإقليم دارفور، لكن الولايات المتحدة لن تعترف بها تحت أي ظرف”.

دولياً حذرت لجنة الإنقاذ الدولية في نيويورك أمس الأربعاء من أنه من دون حدوث تحول في النهج الدولي تجاه حرب السودان من الجمود إلى العمل، فإن السودان يواجه خطر التمزق بسبب الصراع، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على ملايين المدنيين والأمن الإقليمي.

ووصفت اللجنة ما يجري في السودان بـأنه “سقوط الحر”، منوهة إلى أن الأزمة الإنسانية في البلاد ستتفاقم بأكثر مما هي عليه، ما لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات حازمة لمعالجة الوضع الذي مزقته الحرب.

وفي المنحى ذاته حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية )أوتشا( من أن السودان يواصل الانزلاق نحو الفوضى مع تفاقم الأزمة الإنسانية التي تضع حياة نحو 800 ألف شخص من النساء والأطفال والرجال والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة على المحك، مع استمرار القصف في المناطق المكتظة بالسكان.

وإلى جانب المخيمات التي تضم آلاف النازحين منذ الحرب الأولى في الإقليم بين الجيش والحركات المسلحة في نزاع دارفور الأول عام 2003، تضم مدينة الفاشر أيضاً نحو 800 ألف نازح خلال حرب أبريل (نيسان) 2023، وفق الأمم المتحدة.

وكان مجلس الأمن الدولي أصدر قراراً يطالب قوات الدعم السريع بوقف حصارها للفاشر، ودعا إلى وقف فوري للقتال وخفض التصعيد في المدينة ومحيطها، وسحب جميع المقاتلين الذين يهددون سلامة وأمن المدنيين.

“الشيوعي” ودارفور

على صعيد متصل لم يستبعد الحزب الشيوعي السوداني احتمال انفصال دارفور وتقسيم السودان إلى دويلات، ونوه المتحدث الرسمي باسم الحزب فتحي الفضل إلى أن تقسيم السودان مخطط قديم للقوى الإمبريالية الساعية إلى السيطرة على موقع السودان الجيوسياسي.

ولفت خلال حديث إلى “راديو تمازج” إلى أن التصدي لتلك الأطماع يعتمد على قوة وتماسك الجبهة الداخلية للقوى السياسية السودانية، منتقداً ما وصفه بسعي المجتمع الدولي إلى إضعاف القوى السياسية السودانية ودفعها نحو الانقسام، ومتهماً بعضاً منها بالتآمر لإضعاف النشاط الجماهيري بالتنسيق مع جهات خارجية.

وأوضح المحلل الأمني عبدالرؤوف حسنين أنه وعلى رغم التحول المتزايد في ميزان القوى في دارفور لمصلحة الجيش والقوة المشتركة للحركات المتحالفة معه، وبخاصة بعد مقتل القائد الميداني لعمليات الدعم السريع بقطاع شمال دارفور، فإن قوات “الدعم” لديها ميزات تفضيلية بانفتاح قنوات انسياب الدعم اللوجستي، مما قد يمكنه من السيطرة مجدداً، ولا سيما أن إمدادات الجيش بالفاشر باتت مغلقة برياً ولا تتم إلا عبر الإسقاط الجوي.

وأوضح حسنين أن سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر ستمهد لها الانفراد بحكم دارفور، مما قد يعيد محنة انفصال الجنوب، فبموجب اتفاق “سلام نيفاشا” مُنح الجنوبيون حق تقرير المصير، لكن انفصال دارفور هذه المرة سيكون عبر الحرب، مما يعني جواراً معادياً منذ البداية.

ويرى حسنين أن نقل المعركة من الفاشر إلي تخوم منطقة الزرق على حدود شمال دارفور مع ليبيا هدفه تضييق الخناق علي قوات الدعم السريع واستنزافها بعيداً من المدينة، لكن توسع المعارك ووصولها إلى ضواحي مناطق حواضن قوات الدعم السريع الاجتماعية يعزز الخطورة المتزايدة لوقوع صدام عرقي كبير في الإقليم بين القبائل العربية وغير العربية.

أهمية خاصة

وتتمتع الفاشر بموقع إستراتيجي منفتح على الحدود مع كل من ليبيا شمالاً وتشاد غرباً، مما يجعل السيطرة عليها تكتسب أهمية عسكرية خاصة، فضلاً عن كونها مركز العمليات الإنسانية للمنظمات الأممية والدولية، ومنها إلى بقية أجزاء دارفور، وتمثل محطة التقاء لقوافل المساعدات القادمة من مدينة بورتسودان على البحر الأحمر.

أما داخلياً فتجاور ولاية شمال دارفور كل من الولاية الشمالية شمالاً، وولاية شمال كردفان من ناحية الشمال الشرقي، وولاية غرب كردفان شرقاً، وولاية جنوب دارفور من الجنوب الشرقي، وولاية غرب دارفور وليبيا من الشمال الغربي، ودولة تشاد غرباً.

ومنذ أبريل 2023 يخوض الجيش وقوات الدعم السريع حرباً خلفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ، وفق وكالات الأمم المتحدة.

وانطلقت شرارة الحرب من داخل العاصمة السودانية لكن نيرانها سرعان ما تمددت إلى 12 من أصل 18 ولاية، على رأسها إقليم دارفور وولايتي الجزيرة وسنار وسط البلاد، ثم جنوب كردفان وإقليم النيل الأزرق وتخوم ولاية نهر النيل، مهددة بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة وشاملة قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها.

وإلى جانب خسائرها البشرية والمادية المتعاظمة، فقد تسببت الحرب في موجة نزوح وتشريد ملايين المواطنين تعد الأكبر في العالم، كما خلفت أزمة إنسانية كارثية ومجاعة تهدد أكثر من نصف السودانيين الذين باتوا في حاجة ماسة إلى معونات غذائية عاجلة، لكن على رغم كل ذلك لا تزال المعارك مستمرة ومتمددة.

شاهد أيضاً

هل انتهى محور الممانعة؟

الشرق اليوم– هل انتهى محور المقاومة والممانعة الإيراني؟ سؤال يصح طرحه بعد مرور أكثر من عام على …