بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- هل يكفي تكرار المسؤولين الأميركيين تصريحات تنمّ عن رفضهم لنشوب حرب إقليمية في الشرق الأوسط… حتى لا تنشب هذه الحرب؟
إذا ما نظرنا إلى السياق الذي تتخذه الحرب في غزة منذ تسعة أشهر، نجد أن مسار الأحداث لم يكن مطابقاً لما تدعو إليه ادارة الرئيس جو بايدن. أي أن إسرائيل لم تنصع لمعظم المناشدات الأميركية، بدءاً من الدعوة إلى وقف العمليات الكبرى وخفض التصعيد، إلى اتاحة وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الذي تفتك به المجاعة والأمراض وفق بيانات الأمم المتحدة، إلى عدم استجابة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمطلب أميركي أساسي وهو وضع استراتيجية لليوم التالي للحرب وفتح أفق سياسي أمام الفلسطينيين مقدّمة لحل دائم للنزاع.
وبعد كل هذا، يجادل نتنياهو ويعاتب إدارة بايدن على تعليقها إرسال شحنة من القنابل زنة 2000 باوند إلى إسرائيل خوفاً من استخدامها في قصف مناطق ذات كثافة سكنية في رفح. ويذهب أبعد من ذلك، عندما يستعيد كلمات ونستون تشرشل للرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت إبان الحرب العالمية الثانية :”أعطونا ما يكفي من السلاح لننهي المهمّة بسرعة”.
منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، قدّم بايدن لإسرائيل من السلاح والمعلومات الاستخبارية والمال والحماية الديبلوماسية، ما لم يقدّمه رئيس أميركي على الإطلاق. ويجازف الرئيس الديموقراطي بخسارة البقاء في منصبه لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني(نوفمبر) المقبل، بسبب انفضاض الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي والشباب عنه، نتيجة دعمه غير المشروط لنتنياهو في حربه المدمّرة على قطاع غزة.
والآن، يتطلّع نتنياهو إلى فتح حرب شاملة مع لبنان، وقيادة الجيش تصادق على خطط في هذا الشأن، بينما كان آموس هوكشتاين، مبعوث بايدن، يجول بين لبنان وإسرائيل، في محاولة للتوصل إلى ترتيبات سياسية، من شأنها تجنيب المنطقة حرباً شاملة.
ومع أن واشنطن بدأت تدرك أكثر فأكثر أن الهدوء لن يعود إلى الجبهة الشمالية من دون وقف للنار في غزة، فإن نتنياهو يتمسك بالرفض والقول إنه يريد “النصر الكامل” في القطاع.
وأميركا تدرك جيداً أن نتنياهو يطيل الحرب لأسباب تتعلق ببقائه السياسي، من دون الالتفات إلى أن سياسة كهذه يمكن أن تنتهي بتوريط الولايات المتحدة في حرب أخرى مكلفة في الشرق الأوسط.
وإذا اندلعت الحرب على الجبهة الشمالية، لن تبقى، وفق معظم التوقعات، محصورة في لبنان، بل ستمتد إلى منطقة أوسع وصولاً إلى إيران. وسيجد بايدن نفسه منساقاً مجدداً إلى الدفاع عن إسرائيل، على رغم مخاطر التورط في حرب طويلة.
لا يمانع نتنياهو، الذي تشتد عليه الضغوط في الداخل وحتى من الجيش الإسرائيلي (وتغريدات ابنه يائير تشهد على ذلك) ويجد نفسه معزولاً دولياً، في أن ينحو منحى التصعيد عبر الهروب إلى الأمام وتفجير المنطقة كي يبقى في منصبه، وبمنأى عن محاسبة ستقوده على الأرجح إلى السجن.
وسيلجأ نتنياهو الذي يقف أمام الكونغرس الأميركي في 24 تموز (يوليو)، إلى الهجوم على بايدن وتصويره على أنه العائق أمام “النصر الكامل” في غزة. ولن يوفّر وسيلة إلّا ويستخدمها لتوسيع النزاع، باعتباره الطريق الوحيد لبقائه في السلطة.
وأمام كونغرس موالٍ في معظمه لنتنياهو، سيُرغم بايدن على الإفراج عن شحنة القنابل وعن تزويد إسرائيل بالمزيد والمزيد من أسلحة التدمير، في محاولة لإنقاذ نفسه في الانتخابات.
إن خطاب نتنياهو سيكون أكبر هدية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي يتقدّم في كل استطلاعات الرأي.
ثبت أن بايدن كان مخطئاً في ادارة الحرب، ويتجّه الآن لدفع الثمن في استحقاق تشرين الثاني (نوفمبر).