الرئيسية / مقالات رأي / صدمة في أوروبا… المحرمات تسقط و”هتلر يعود”!

صدمة في أوروبا… المحرمات تسقط و”هتلر يعود”!

بقلم: محمد حسين أبو الحسن- النهار العربي
الشرق اليوم– في ثاني أكبر صدمة بعد “بريكست”، استطاعت أحزاب اليمين المتطرف تحقيق صعود قوي بانتخابات البرلمان الأوروبي قبل أيام، ما قد يفتح الباب لسقوط فكرة “السلام المستمر” التي أعقبت الحرب العالمية الثانية؛ وربما ظهور “هتلر الثاني”. أثبت الصراع في أوكرانيا أن الحرب قد تندلع في أوروبا نفسها. يعزز تقدم اليمين الشعبوي حضور الأحزاب الراديكالية المعادية للاتحاد الأوروبي، في وقت ترغب دولها في أوروبا “قطباً جيوسياسياً” بمواجهة الهيمنة الأميركية – الصينية، أما الأهم فهو أن إمكانية وصول الأحزاب المتشددة لسدة الحكم في العواصم الأوروبية ستكون له تداعيات خطيرة على الشرق الأوسط، الحديقة الخلفية للقارة العجوز!

زلزال سياسي
بعدما كان منبوذاً على الهامش، أتى تقدم الأحزاب اليمينية المتطرفة في انتخابات الأوروبية زلزالاً سياسياً. إنه تحوّل تاريخي في مزاج الناخب الأوروبي؛ ينبئ عن سقوط محرمات (تابوهات) قديمة، أي العداء للاتجاهات اليمينية المتطرفة، كالنازية والفاشية والعنصرية التي توارت في أوروبا، عقب الحرب العظمى الثانية التي أشعلت هذه الحركات شرارتها وألقت بالإنسانية في جحيمها؛ وظل معظم الأوروبيين في السنوات التالية للحرب يعتنقون “الوسطية الآمنة” يميناً أو يساراً، تجنبوا التصويت للأحزاب المتطرفة، لكن يبدو أن ذلك بات من الماضي. اقترب اليمين المتطرف من مقاعد السلطة في ألمانيا وفرنسا أهم دولتين في الاتحاد الأوروبي، أو استحوذ على السلطة ووصل إلى سدة الحكم، في النمسا وإيطاليا وهولندا والمجر وفنلندا، وغيرها، وكان سببا في “بريكست” من قبل.

صعود اليمين المتطرف ظاهرة تتخطى حدود القارة الأوروبية، أزمة معولمة، ناجمة عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والتغير المناخي وتداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا والهجرة غير الشرعية وارتفاع الأسعار والبطالة، أيضا فقدان الثقة بالتوجهات الاقتصادية الليبرالية، بالرغم من خطة الانعاش الاقتصادي الأوروبية في أثناء وباء كورونا، بقيمة ٧٥٠ مليار يورو، بالتوازي مع تعاظم نزعات العنصرية والشعبوية والإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب، بالإضافة إلى التصويت الاحتجاجي من جانب الناخبين، في ظل شعور كثير منهم بخيبة أمل من الأحزاب الحاكمة.

غذّت الأحزاب اليمينية المتشددة قلق الرأي العام، من أن أوروبا على وشك أن يغمرها طوفان المهاجرين الفارين من صراعات أوكرانيا والشرق الأوسط وإفريقيا. استغل قادتها الأزمات للضرب على مخاوف المواطنين على مستويات معيشتهم، كان ذلك عاملاً شديد التأثير في انسلاخ بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتمدد القوى اليمينية في إيطاليا وهولندا والنمسا والمجر وفرنسا، إلخ…

صفحات سوداء
أحدثت هذه القوى اختراقاً في الانتخابات؛ لأنها طرحت حلولاً بسيطة لمشكلات معقدة. دغدغت مشاعر الجماهير بوعود حماية الشعب والسيادة من التهديدات الخارجية، في وقت يعاني الأوروبيون انقسامات حادة بين مؤيد لتعزيز السيادة الوطنية ومؤيد للوحدة الأوروبية؛ ويحتدم النقاش حول أوروبا ومستقبلها وموقعها دولياً.

يتابع العالم بقلق توابع هذا الحدث؛ يفتح صعود اليمين المتطرف تدريجياً إلى السلطة صفحات التاريخ السوداء مرة أخرى؛ إنه تيار تتعارض أفكاره مع القيم والممارسات والمؤسسات الديموقراطية، ويعدّ تهديداً للنموذج الأوروبي القائم على احترام التنوع وحقوق الإنسان، وهو تيار معاد لوجود “الاتحاد الأوروبي” نفسه، وللتكامل بين أعضائه والعولمة، ولا مشكلة لديه في شن الحروب ضد الآخرين، كما لا يكترث بالقضايا التي تهم الإنسانية، كقضية “التغير المناخي”؛ يعتبر السياسات الخضراء غير ضرورية ومكلفة، بينما تواجه الدولة مصاعب مالية واقتصادية.

صعدت الفاشية والنازية وأشباههما صعوداً فريداً، ثم سقطت سقوطاً مدوياً، نتيجة فقدان المصداقية وأهوال الحرب العالمية. اليوم تبدل الأمر، صحيح أنه من السابق لأوانه القول بأننا أمام دورة جديدة من دورات التاريخ، لكن المتابع للتطورات ليس في أوروبا فحسب بل في غالبية العواصم، يدرك أن العالم ينزاح نحو الاتجاهات المتشددة والانطوائية وكراهية الأجانب. نلمس هذا في توجهات “الجبهة الوطنية” في فرنسا و”البديل من أجل ألمانيا” في ألمانيا، و”حزب الشعب” في هولندا، إلخ… تزداد المخاوف من تهديد أكبر للأقليات والنسيج الداخلي لهذه البلدان؛ مع انتشار خطاب اليمين المتطرف، ما يؤثر بشدة في مستقبل أوروبا والعالم بالتبعية، ولا سيما أن توجهات التيار المتطرف تلتقي مع الرؤى الشعبوية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي تتعزز فرصه يوماً بعد يوم للعودة إلى البيت الأبيض، ليقع الجميع بين فكي كماشة أطلسية.

الجوار العربي
إن كرة الثلج تكبر؛ تنذر بسيناريوات مأسوية عبر أرجاء الكوكب، وحان الوقت للنخب الحاكمة، شرقاً وغرباً، للاعتراف بتنامي قوة اليمين المتشدد، وإعادة النظر في مجمل السياسات التي اتبعتها هذه النخب من إفقار للشعوب وإفساد للحاضر وإظلام للمستقبل بالاستبداد والفساد، والانحياز الطبقي والليبرالية المتوحشة، أو التنكر للقيم الإنسانية أو إشعال بؤر الصراعات والتوترات بدول الهامش، إفريقيا مثلاً، ما يفجر طوفان الأخطار الجيوسياسية، كالهجرات غير الشرعية.

إن استحواذ تشكيلات اليمين المتطرف على مقاعد أكثر بالبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، سيؤثر في سياسات أوروبا الداخلية والخارجية، ومن بينها شؤون الشرق الأوسط، ما يوجب على العرب بلورة استراتيجيات تكفل الحفاظ على مصالحهم، والتصدي لغلواء المواقف المتطرفة، إلى أن تنجلي حالة عدم اليقين الراهنة بأقل الخسائر. دون ذلك يصبح العرب أول ضحايا أطماع القوميين الأوروبيين، وربما عودة الاستعمار التقليدي بصورة أكثر وحشية، على نحو يصعب التأقلم معه. اليوم تحكم الأحزاب الشعبوية عدة دول أوروبية. المدّ الشعبوي مستمر، خاصة في فرنسا وألمانيا قلب أوروبا النابض، برغم أن اليمين المتطرف لا يزال بعيداً عن السلطة في البلدين لكنه يواصل انعطافته القوية؛ ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى استباق “الانتخابات الأوروبية” بإلقاء خطاب بجامعة السوربون، حذر خلاله من جسامة التحديات أمام القارة، قائلاً إنه “من الممكن أن تموت أوروبا”، وطالب بإجراءات عملية للتغلب على الوهن الاقتصادي وتحويل أوروبا قطباً عسكرياً عالمياً حتى لا يستمر انكشافها الاستراتيجي واعتمادها على أميركا.

الآن مصير ماكرون نفسه بات مرتهناً بنتيجة “مقامرته” بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في فرنسا، عقب الزلزال الذي أحدثه صعود اليمين المتشدد في انتخابات البرلمان الأوروبي، مقامرة قد تكون مجرد بداية لسلسلة من “سقوط المحرمات” الأوروبية، وما تفرزه من تأثيرات بالجوار العربي المسكين أو المستكين!

شاهد أيضاً

أي جامعة للدّول العربيّة ومنظّمة للتّعاون الإسلامي نريد؟

بقلم: حاتم البطيوي- النهار العربيالشرق اليوم– في ظل الوضع العربي والإسلامي المتردي، يُطرح سؤال أبدي …