بقلم: عمرو حلمي- العربية
الشرق اليوم– على الرغم من تزايد ثقل الآراء سواء داخل إسرائيل أو فى العديد من العواصم العالمية التى تجمع على أن نتنياهو يماطل فى الحرب على غزه لعلمه أنه فى اللحظة التى ستتوقف فيها تلك الحرب، سيركز الإسرائيليون بشكل أكثر حزمًا على التحقيق فى إخفاقات ٧ أكتوبر والضغط من أجل إجراء انتخابات مبكرة والتصويت ضد استمراره فى منصبه، إلا أن التركيز على نتنياهو فقط دون غيره يمثل إخفاقا فى إدراك أن الحرب فى غزة ليست فى واقع الأمر حرب نتنياهو وحده، بل هى حرب إسرائيل بأسرها، فالمشكلة لا يمكن اختزالها فى نتنياهو فقط إذ أنها تمتد إلى الناخبين والى مجمل الأحزاب والتيارات السياسية الإسرائيلية ذاتها، وإن إلقاء اللوم على نتنياهو الذى يرفض ترك الحياة السياسية الإسرائيلية، يطغى على حقيقة أنه عندما يتعلق الأمر بالسياسات الإسرائيلية تجاه غزة بشكل عام وعلى صيغه حل الدولتين بشكل خاص، فإن الجانب الأكبر من الإسرائيليين متحالفون على نطاق واسع مع مواقف نتنياهو، إذ أنهم يؤيدون بفارق كبير الحملة العسكرية الحالية فى غزة ويدعمون هدف تدمير حماس مهما كانت الخسائر البشرية للفلسطينيين، فآلاف الإسرائيليين الذين خرجوا للمسيرة فى الشوارع لا يحتجون على الحرب ولا يطالبون بوقف إطلاق النار أو إنهاء الحرب أو التوصل إلى سلام كما أنهم لا يحتجون على قتل إسرائيل لأعداد غير مسبوقة من الفلسطينيين أو على القيود المفروضة على إمكانية نفاذ المساعدات الإنسانية التى أدت إلى خلق مجاعة جماعية حيث ذهب بعض منهم إلى أبعد من ذلك من خلال منع المساعدات من دخول القطاع، ومن المؤكد أنهم لا يتذرعون بالحاجة إلى إنهاء الاحتلال العسكرى، الذى دخل الآن عامه السابع والخمسين، إذ إنهم يطالبون فى المقام الأول بسرعة العمل على الإفراج عن الرهائن وبضرورة رحيل نتنياهو لمسؤوليته المباشرة عن الكارثة الأمنية الدموية التى شهدتها البلاد فى السابع من أكتوبر.
فالمجتمع الإسرائيلى يتجه بمعدلات متسارعة نحو اليمين إذ أدت هجمات السابع من أكتوبر إلى تأجيج الآراء المتطرفة فالانجراف نحو اليمين أصبح الآن أهم ما يتسم به النسيج السياسى الإسرائيلى، إذ تعتقد أغلبية كبيرة– ٨٨% – من اليهود الإسرائيليين الذين شملهم استطلاع للرأى فى يناير الماضى، أن العدد المذهل للوفيات الفلسطينية، له ما يبرره فى ظل اقتناعهم بأن حماس فرضت هذه «الحرب التى لا خيار لها على إسرائيل»، وأن حماس يجب أن يتم تدميرها كمسألة حتمية لبقاء إسرائيل، وأنه حتى المجاعة فى غزة وحجم الدمار وسقوط هذا العدد الهائل من القتلى والمصابين فى صفوف الفلسطينيين لم يثر معارضة للحملة، إذ أشار استطلاع آخر للرأى أجراه المعهد الإسرائيلى للديمقراطية فى شهر فبراير الماضى إلى أن ثلثى اليهود يعارضون اقتراح موافقة إسرائيل من حيث المبدأ على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة منزوعة السلاح.
فالرأى القائل بأن هجمات ٧ أكتوبر والحرب التى أعقبتها ستجعل من حل الدولتين أولوية ملحة سيصطدم بحقيقه أننا قد لا نجد أنفسنا فى حاجة إلى المزيد من استطلاعات للرأى حتى نكتشف أن الدعم لحل الدولتين، قد انخفض بشكل مطرد بين اليهود الإسرائيليين فى السنوات الأخيرة، وهو الآن فى أدنى مستوى له مقارنه بأى وقت مضى، إذ يمكن فقط إلقاء نظرة على مواقف الأحزاب السياسية اليهودية فى إسرائيل حيث لا يؤيد أى منها تقريبًا حل الدولتين، ويرفضه من هم فى السلطة بشدة، ويعملون جاهدين على إحباطه من الحدوث على الإطلاق، لذا فإن إلقاء كل اللوم على نتنياهو فقط يخطئ الهدف إذ إنه يتجاهل حقيقة أن الإسرائيليين قاموا منذ فترة طويلة بتعزيز نظام الاحتلال العسكرى وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، والقضاء على فرص التصالح معهم، وينطبق هذا على الأعضاء الآخرين فى حكومة الحرب الذين غالبًا ما يتم تصويرهم على أن لهم ثقلا موازنا أو بدائل محتملة لرئيس الوزراء، إذ لم يكن نتنياهو، بل وزير دفاعه، يوآف جالانت، هو الذى دعا إلى فرض حصار كامل على غزة بعد ٧ أكتوبر: «لا كهرباء، لا وقود، لا طعام، كل شىء سيتم إغلاقه» ولم يكن نتنياهو، بل الرئيس الوسطى المفترض، إسحاق هرتسوج، هو الذى ألمح إلى اعتبار كل سكان غزة هدفا مشروعا عندما قال فى بداية الحرب إن هناك «أمة بأكملها مسؤولة» وإن جميعهم متورطون فى هجوم ٧ أكتوبر.
فالقراءة الموضوعية للأوضاع السائدة فى إسرائيل تحتم إدراك أن إزاحة نتنياهو لن تؤدى بالضرورة إلى حدوث تغييرات سياسية ذات مغزى تجاه حل الدولتين، فإذا أصبح بينى جانتس، وزير الدفاع الإسرائيلى السابق ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلى، رئيساً للوزراء، فمن غير المرجح أن يتبنى سياسات تتعلق بالفلسطينيين تختلف جوهريا عن سياسات نتنياهو وهو ما ينطبق بدرجة أو بأخرى على كافة الشخصيات المؤهلة لخلافه نتنياهو والتى ستجد نفسها فى وضع يجبرها على تشكيل حكومة «ائتلافية» لن يكون «اليمين» غائبا عن التواجد فى نسيجها، فحتى مع تصور انتهاء الحرب إن عاجلا أو آجلا ومع تزايد إدراك العديد من الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة بضرورة التحرك نحو التوصل لتسوية على أساس «حل الدولتين» إلا أنه بافتراض الجدية وحسن النوايا فإن التحولات التى يشهدها المجتمع الإسرائيلى بتركيباته السياسية شديدة التعقيد ستكون من بين أكبر العقبات أمام إمكانية إحداث التطور المنشود، إذ يغيب عن الغالبية العظمى من أطياف القوى السياسية فى إسرائيل إدراك أن إقامة دولة فلسطينية – وليس مجرد تدمير حماس – هو الضامن لعدم تكرار ٧ أكتوبر مجددا وأن التعامل الجاد مع تحقيق هذا الهدف يعتبر السبيل الوحيد الذى يعزز فعليا من أمن إسرائيل ويفتح المجال أمام إمكانية التطبيع وإقامة العلاقات السوية لها مع كافة دول المنطقة، فبدون حلّ الدولتَين تخاطر إسرائيل بأن تصبح «دولة فصل عنصرى» أكثر عمقا مما كانت عليه جنوب إفريقيا.
فالخيار الذى يقوم على تصور أنه يمكن لإسرائيل الاستمرار فى السيطرة على ٤،٥ مليون فلسطينى بلا حقوق، وباحتلال يمكن أن يستمر إلى الأبد لا يمكن أن ينجح، وأن مواصلة تجاهل القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين لا يمكن أن يجنب إسرائيل التعرض مجددا لسيناريوهات تماثل ما شهدته فى أكتوبر الماضى، خاصة أن الخيار العسكرى واستخدام القوة الغاشمة لا يمكن وحده أن يحقق لإسرائيل ولشعبها الأمن والاستقرار المنشود.. ولعل أخطر التحديات التى ستواجه جميع الأطراف المعنية تتعلق «بأين ستقام الدولة الفلسطينية المقترحة» هذا بافتراض وجود قيادات إسرائيلية قادرة على تقديم تنازلات على أراض تآكلت بفعل الاستيطان وترى بعض الأطراف أنها تمثل جزءا لا يتجزأ من إسرائيل التوراتية!!! إذ تجاوز عدد المستوطنين فى الضفة الغربية الآن أكثر من ٦٥٠ ألف مستوطن، منتشرين فى أكثر من ١٤٠ مستوطنة مختلفة فضلا عما يفوق ٢٢٠ ألف مستوطن فى القدس الشرقية وذلك فى ظل تغيرات جوهرية طرأت على الطبيعة الجغرافية والتكوين الديمجرافى للأراضى الفلسطينية المحتلة، وفى مقابل ذلك تقع على الفلسطينيين مسؤولية تجاوز انقساماتهم السياسية وإعادة بناء إحساسهم المشترك بالهوية مع إدراك حقائق العصر وتوازنات القوى العالمية والإقليمية الحقيقية ووضع تصورات قابلة للتنفيذ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد راحت فرص عديدة للتسوية إدراج الرياح لا يتحملون هم وحدهم المسؤولية عن ضياع أغلبها وحتى لا تتحول نهاية الحرب فى غزة إلى مجرد «توقف مؤقت» لمزيد من العنف من الجانبين.
وفى مقابل ذلك تقع على الفلسطينيين مسؤولية تجاوز انقساماتهم السياسية وإعادة بناء إحساسهم المشترك بالهوية مع إدراك حقائق العصر وتوازنات القوى العالمية والإقليمية الحقيقية ووضع تصورات قابله للتنفيذ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعدما راحت فرص عديدة للتسوية أدراج الرياح لا يتحملون هم وحدهم المسؤولية عن ضياع أغلبها وحتى لا تتحول نهاية الحرب فى غزة إلى مجرد «توقف مؤقت» لمزيد من العنف من الجانبين.