الرئيسية / دراسات وتقارير / “بلبلة سياسية” في فرنسا بعد قرار حل البرلمان

“بلبلة سياسية” في فرنسا بعد قرار حل البرلمان

بقلم: أمل قارة- اندبندنت
الشرق اليوم– شهدت الانتخابات الأوروبية التي جرت في التاسع من يونيو (حزيران) الجاري انتصار حزب التجمع الوطني في فرنسا بقيادة جوردان بارديلا بعدما حصل على 31.4 في المئة من الأصوات، وتبع ذلك قرار مفاجئ من الرئيس إيمانويل ماكرون بإعلان حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، مما أثار دهشة واسعة بين المحللين والسياسيين ويطرح التساؤلات حول عواقب هذا القرار، وما إذا كان سيفتح الطريق أمام اليمين المتطرف بقيادة زعيمته مارين لوبان.

وفي هذا الإطار وصفت صحيفة “غارديان” الفرنسية قرار ماكرون بأنه “مجازفة كبرى” تؤدي إلى خسائر سياسية لحزبه، مما يتيح أيضاً لليمين المتطرف فرصة الوصول إلى الحكم.

خطوة ماكرون ومستقبل فرنسا

يقول المتخصص في القضايا الأوروبية من بروكسل محمد بركات لـ”اندبندنت عربية” إن قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعد مغامرة كبيرة، مشيراً إلى أن هذا القرار لا يؤثر فقط في مستقبل تياره السياسي الذي شهد تراجعاً في مقاعد البرلمان الأوروبي، بل يؤثر أيضاً في مستقبل فرنسا السياسي وتوجهاتها في الأعوام المقبلة.

وأوضح أن بعض أعضاء الحزب الجمهوري وبخاصة رئيسه بادروا بالتحالف مع اليمين المتطرف على أمل الفوز والمشاركة في الحكومة الفرنسية المقبلة، معتبراً أن الرئيس الفرنسي كان بإمكانه الاستمرار في الحكم مع الائتلاف الحالي على رغم التقدم الملحوظ الذي حققه اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي.

وأوضح أن “هذا التقدم لا يؤثر بصورة مباشرة في قرارات الحكومة الفرنسية على المستوى الوطني، وحتماً اتخذ ماكرون هذه الخطوة كنوع من المغامرة بسبب إحساسه بفشل تحالفه الحالي”، مقارناً ذلك بما حدث مع الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران الذي استمر في منصبه على رغم تعاونه مع حكومة جاك شيراك.

اليمين المتطرف إلى الحكم

ويشير بركات إلى أن وصول اليمين المتطرف إلى رئاسة الحكومة الفرنسية قد يترتب عليه آثار سلبية على الأمن والاستقرار الاجتماعي في البلاد خصوصاً في ما يتعلق بالتعايش بين مختلف الجاليات، ويتوقع حدوث اضطرابات وتصاعد الخلافات بين طبقات المجتمع في ظل رفض الطلاب اليساريين والمثقفين المعارضين للأفكار الشعبوية والعنصرية هذا التوجه وهذا التيار.

ويواصل بركات “هناك مخاوف من احتمالية أن يطالب اليمين المتطرف بفصل فرنسا ودول أخرى عن الاتحاد الأوروبي”، مؤكداً أن المخاوف بدأت تتلاشى وبخاصة بعد فشل تجربة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في تحقيق الوعود التي قدمها مؤيدو الخروج والآثار السلبية التي نجمت عن ذلك.

ويوضح أن شعوب وحكومات الدول الأعضاء تدرك جيداً الفوائد التي تجنيها من البقاء داخل الاتحاد. ففي حال تشكيل اليمين المتطرف حكومة في فرنسا كما حدث في إيطاليا من الممكن أن تعوق تلك الحكومات اليمينية عمل المجلس الأوروبي، الذي يضم رؤساء الدول والحكومات الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ويشمل ذلك القرارات التي يجب أن تتخذ بالإجماع داخل المجلس.

وفي تعليقه على قرار الرئيس الفرنسي بحل الجمعية الوطنية عد الباحث السياسي نبيل شوفان أن السبب الرئيس وراء هذا القرار هو محاولة استعادة السيطرة في ظل تزعزع غير مسبوق في شرعيته، بعد الفوز التاريخي لليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية وسيطرتهم على البرلمان.

وأشار شوفان إلى أن هذه السيطرة ستؤثر في تمرير القوانين المتعلقة بالمشروع الأوروبي الذي يدعمه الرئيس الفرنسي بقوة، وبناء عليه يتم تقليص سلطات الرئيس قبل ثلاثة أعوام من انتهاء ولايته، في ظل الوضع الداخلي الفرنسي الذي يفتقر إلى قاعدة صلبة فيما يبقى وارداً فقدان الرئيس الحالي مزيداً من الدعم في الجمعية الوطنية الفرنسية، على حد تعبيره.

السيناريوهات المحتملة

وعلى المدى الطويل يرى شوفان أن “الماكرونية” السياسية التي توسعت تدريجاً تواجه تهديدات بالتفكك. ورداً على سؤال حول ما إذا كانت خطوة ماكرون تمهد الطريق أمام اليمين المتطرف لتولي السلطة يرى أنه على رغم أن اليمين المتطرف لن يحقق غالبية تمكنه من الحكم، فإن احتمال ظهور تحالفات أخرى تمكنه من تشكيل ائتلاف، خصوصاً بعد إعلان رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا ترشحه لرئاسة الوزراء في فرنسا مما يعزز أيضاً من احتمالية تولى اليمين المتطرف للحكم.

وحذر الباحث السياسي من أن فرنسا قد تواجه حالاً من الفوضى البرلمانية أو حتى تشهد نشوء حكومة يمينية متطرفة على غرار ما حدث في إيطاليا.

ووفقاً لتحليل شوفان فإذا حصلت إحدى الكتل الثلاث الرئيسة في فرنسا (الكتلة الرئاسية وكتلة اليمين المتطرف وكتلة اليسار الراديكالي) على غالبية مطلقة تتجاوز 289 مقعداً وفي حال فوز الكتلة الرئاسية، يمكن أن يتم إعادة تعيين غابرييل أتال كرئيس لحكومة جديدة. وإذا لم يفز المعسكر الرئاسي فمن الممكن تعيين رئيس وزراء جديد من اليمين المتطرف أو اليسار الراديكالي مما سيضع ماكرون في وضع صعب، وسيكون تأثيره المتبقي في فترة ولايته محدوداً.

ويضيف “إذا حصل أحد الائتلافات في البرلمان الفرنسي على نحو 230 نائباً وهو ما كان الوضع في مجلس الأمة قبل حل ماكرون، فإنه في هذه الحال لا يمكن للغالبية أن تحكم بمفردها وستحتاج إلى إيجاد تحالفات مع الأحزاب الأخرى مما يعد تحدياً كبيراً نظراً للتقلبات السياسية الحالية بين الكتل الثلاث الرئيسة”.

أما السيناريو الثالث المحتمل بحسب نبيل شوفان فهو أن يتحصل حزب التجمع الوطني على غالبية نسبية في البرلمان الفرنسي، والتي لن تكون كافية لتشكيل حكومة بمفردها بسبب عدم وصولها إلى 289 مقعداً، وفي هذه الحال سيكون من الضروري البحث عن رئيس حكومة يستطيع الاستفادة من الغالبية البرلمانية المتاحة.

وبحسب قوله من المحتمل أن يسعى ماكرون إلى التواصل مع نواب حزب الإصلاح الذين لم ينضموا إلى حزب الجبهة الوطنية، بهدف منح دعمهم للحكومة من دون المشاركة الفعلية أو بإقناع بعضهم بقبول مناصب وزارية. ويمكن أن يلعب حزب الليبراليين دوراً مهماً في تحقيق استقرار الوضع السياسي وتلطيف حماسة حزب الجبهة الوطنية وهو ما من شأنه أن يخفف من حدة الأزمة ويسهم في تحقيق المصالحة السياسية.

شلل سياسي

ويضيف شوفان “في السيناريو الرابع إذا تساوت الكتل في المجلس سيؤدي ذلك إلى شلل سياسي تقريباً، إذ يصعب على أية كتلة تشكيل حكومة بمفردها أو التوصل إلى تفاهمات جدية مع الأخرى مما يجعل الحكم شبه مستحيل، ويؤدي إلى إضافة تعقيدات كبيرة إلى الوضع السياسي الفرنسي.

ورداً على سؤال حول ماذا يعني تحقيق اليمين المتطرف مكاسب كبيرة في الانتخابات الأوروبية أشار إلى أن حزب الجبهة الوطنية الفرنسي بالتعاون مع باقي الكتل اليمينية المتطرفة في البرلمان الأوروبي سيشكل كتلاً قوية. هذه الكتل من الممكن أن تدعو إلى “أوروبا مسحوبة الدسم” أي تعزيز استقلالية الدول الأوروبية على حساب التكامل الأوروبي العميق وأنها تنتقد سياسات الهجرة الأوروبية وتطالب بتغييرها، مما يعكس مواقفها المحافظة والقومية في هذا الصدد.

وتابع شوفان “يذكر أن حزب الجبهة الوطنية بدأ في التباعد من روسيا بعد أن كان يدعمها بشدة سابقاً، مما يظهر تحولاً في سياسة الحزب تجاه الشؤون الدولية والعلاقات الخارجية”.

ويشير التحليل الذي قدمه الباحث السياسي نبيل شوفان إلى أن مارين لوبان من الجبهة الوطنية تتبنى موقفاً صارماً ولا تسعى إلى التقارب مع حزب الشعب الأوروبي الوسطي، بينما تبدي اقتراباً غير معلن تماماً من جورجيا ميلوني التي تتبنى سياسات محافظة إذ يشترك كلاهما في مواقف متشابهة تجاه قضايا الهجرة ومبادرة الصفقة الخضراء، مما يعزز التعاون المحتمل بينهما في هذه القضايا السياسية.

الجبهة الشعبية الجديدة

وتفاعلت أحزاب اليسار الرئيسة مع نتائج الانتخابات الأوروبية وقرار ماكرون بحل الجمعية الوطنية بتشكيل تحالف جديد أطلق عليه اسم “الجبهة الشعبية الجديدة”، ويبدو أن هذا التحالف يهدف في بدايته إلى قطع الطريق أمام اليمين المتطرف للوصول إلى السلطة.

وتضمن برنامج التحالف توافقاً على قضايا السياسة الدولية التي انقسم حولها اليسار بشدة في الأشهر الأخيرة، مع دعوته للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين والأسرى السياسيين الفلسطينيين في الشرق الأوسط.

وفي الأثناء يشير استطلاع للرأي أجرته مجلة “لو بوان” الفرنسية إلى أن حزب التجمع الوطني يتصدر السباق في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية بفارق طفيف متقدماً على ائتلاف لأحزاب منتمية إلى اليسار تحت اسم “الجبهة الشعبية”.

وذكر الاستطلاع أن حزب التجمع الوطني سيحصد 29.5 في المئة من الأصوات مقارنة بـ28.5 في المئة للجبهة الشعبية و18 في المئة لمعسكر ماكرون.

شاهد أيضاً

هل انتهى محور الممانعة؟

الشرق اليوم– هل انتهى محور المقاومة والممانعة الإيراني؟ سؤال يصح طرحه بعد مرور أكثر من عام على …