بقلم: سعود الشرفات- النهار العربي
الشرق اليوم– التهريب عبر الحدود الدولية ظاهرة إنسانية تاريخية وليست حكراً على دولة معينّة، وهي كذلك مظهر من تجليات سيرورة العولمة المعاصرة. والتهريب لأسباب اقتصادية يشمل أي نوع من البضاعة والسلع التي تؤدي في النهاية إلى الحصول على ربح رغم المخاطر للطرف الذي يقوم بعملية التهريب. والتهريب الاقتصادي – غالباً – ما يخضع لنظريات “تحليل المخاطر” و”الخيارات العقلانية”. وللتوضيح، المقصود هنا أن الطرف المهرب، سواء أكان فرداً أم مجموعة، يُخضع خياراته للقيام بالتهريب للمنطق والعلانية الاقتصادية؛ فإذا كانت مخاطر التهريب أكثر من الفائدة المرجوة توقف عن تنفيذ عملية التهريب.
أسوق هذا الكلام الذي يبدو للبعض أنه معياري وذو طابع أكاديمي ربما، لأقول إن نوعية التهريب العميق والواسع النطاق الذي نشهده اليوم من الأراضي السورية باتجاه الأردن ثم دول الخليج العربي ليس تهريباً لأسباب اقتصادية فقط، بل هو تهريب لأسباب سياسية أيضاً. والهدف منه محاولة الضغط على الأردن (حكومة وشعباً) لتغيير سلوكه السياسي تجاه السياسية الخارجية للنظام السوري أولاً، والنظام الإيراني ثانياً.
ومن المفيد هنا أن أشير إلى أن الموضوع لا يتعلق هنا بمسألة مخاطر المخدرات على حياة المواطنين، وليس مسألة توعية جماهيرية حول مخاطر تعاطي المخدرات، ذلك أن “إدارة مكافحة المخدرات” الأردنية لطالما دعت في وسائل الإعلام الوطنية وأفراد المجتمع كافة، إلى المساهمة في نشر الوعي ضد مخاطر المخدرات والإبلاغ المباشر عن أي معلومات حولها وتجارها ومروجيها لما تحمله من خطورة على المجتمع وأفراده.
نحن هنا أمام حالة من استخدام تهريب المخدرات عبر الحدود كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية لكل من النظامين في إيران وسوريا. هذا بالإضافة إلى استخدام تهريب المخدرات كمصدر مالي للدخل في ظل العقوبات الاقتصادية الدولية عليهما، بخاصة إذا علمنا المقدار الضخم جداً لحجم تجارة المخدرات على أنواعها، الذي يقدر بحسب بعض الخبراء الدوليين بما بين 5 مليارات دولار و10 مليارات سنوياً.
وحتى في الجانب السياسي – الدبلوماسي من مشكلة التهريب، فإن إيران وسوريا باتتا تستخدمان ما سبق أن أسميته “دبلوماسية الكبتاغون”. وهما تستخدمان هذه الدبلوماسية الخشنة بتصاعد وصلف منقطعي النظير.
ومن المؤكد أنه بعد مضي قرابة عقد من الزمن على اللقاءات والحوارات السياسية والدبلوماسية الثنائية أو المتعددة الأطراف بين الأردن وإيران وسوريا، فإن النتيجة كانت مخيبة لآمال الأردن. فقد فشلت كل الاجتماعات واللقاءات واللجان المشتركة المنبثقة منها، فلم تتوقف عمليات التهريب عبر الحدود بل زادت وتيرتها سعة وعمقاً وخطورة، بخاصة في الأشهر الماضية بالتزامن مع اندلاع الحرب في غزة في تشرين الثاني – أكتوبر 2023.
لقد أدلى استخدام “دبلوماسية الكبتاغون” التي يتبعها النظام في سوريا بدعم من إيران إلى قيام الأردن بترسيخ مقاربته الخاصة لمواجهة الإصرار على التعامل الخشن معه في هذا. ولذلك بنى الأردن “مقاربة كلانية” (holistic) تقوم على محورين هما: الأول. النظر إلى عملية تهريب المخدرات على أنها جزء من مصفوفة مترابطة إيجابياً مع بعضها بعضاً؛ تبدأ بتهريب الأسلحة والمتفجرات، إلى تمويل عمليات الإرهاب، وتنفيذ العمليات الإرهابية، إلى تجنيد العملاء، إلى التخريب الداخلي ونشر الفوضى، وصولاً إلى بث الشائعات والادعاءات بأن النظام الإيراني يسعى من وراء محاولة تهريب الأسلحة إلى دعم أهل غزة.
والمحور الثاني هو الرد بقوة وحزم على عمليات التهريب، سواء على الحدود من خلال إطلاق النار المباشر، أم في الداخل من خلال زيادة وتيرة المتابعة والقيام بعمليات المراقبة من مصادر بشرية وفنية، وتنفيذ حملات المداهمة والاعتقال لبؤر تجمع المهربين، والإعلان في الإعلام المحلي عن تفاصيل المهربين وصورهم كنوع من “الوسم الاجتماعي” لهم، مع استمرار حملات التوعية بمخاطر المخدرات في وسائل الإعلام المحلية كافة.
كل ذلك في الوقت الذي تم فيه ترسيخ اللجان الأمنية الخاصة بمتابعة عمليات التهريب ومأسستها بحيث يشارك كل الأطراف الفاعلين في مكافحة التهريب من خلال ممثلين عن: القوات المسلحة وحرس الحدود، الأمن العام، مكافحة المخدرات، الاستخبارات العامة، الاستخبارات العسكرية، الجمارك، وغيرها في هذه اللجان. وتقوم هذه الأطراف بمشاركة المعلومات والتنسيق المباشر والفوري في ما بينها لضمان سرية العمليات، ونجاح تنفيذ عمليات المتابعة وعدم المنافسة السلبية بين الأطراف.
يدرك الأردن جيداً أن العالم اليوم مشغول بحروب أكرانيا وغزة والسودان، وأنه يقف وحده – تقريباً – في وجه “دبلوماسية الكبتاغون” الخشنة التي ما زال النظام في سوريا يمارسها بدعم من النظام الإيراني وبرعاية الحرس الثوري. ولذلك فهو بحاجة ماسة إلى تضافر كل الجهود الدولية والدعم المادي والمعنوي للوقوف والصمود في حرب الكبتاغون، لأن هذه الحرب لا تؤثر على الأردن فقط، بل على الأمن العالمي أيضاً.