بقلم: سميح صعب- النهار العربي
الشرق اليوم– الوقت ليس مفتوحاً أمام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للتوصل إلى وقف للحرب في غزة. وعندما يقف الرئيس في مواجهة الرئيس السابق دونالد ترامب في 28 حزيران (يونيو) الجاري، في أولى المناظرات التلفزيونية التي تسبق استحقاق تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، يفترض أن يكون الهدوء قد ساد غزة، مقدمة للانتقال إلى هدف استراتيجي أوسع للبيت الأبيض، هو إبرام المعاهدة الدفاعية مع السعودية التي لم يعد يقف حائلاً دونها سوى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
في الشكل، تركز مواقف المسؤولين الأميركيين على “حماس” بوصفها “العقبة” أمام تنفيذ إعلان بايدن الممرحل في 31 أيار (مايو) الماضي، لوقف النار وتبادل الرهائن. وقرار مجلس الأمن الصادر ليل الإثنين بـ14 صوتاً وامتناع روسيا عن التصويت، يسمي “حماس” ويدعوها للقبول بما جاء في الإعلان، ويتحدث بلغة غير واضحة تماماً حول قبول إسرائيل به.
ومتسلحاً بالقرار الدولي، كان وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن يناقش مع نتنياهو فوائد الموافقة على إعلان بايدن، على غرار تمهيد الطريق أمام الهدوء على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، وأمام “تكامل أكبر” بين إسرائيل “ودول المنطقة”.
وإذا كانت عملية الكوماندوس الإسرائيلي في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة قد وفّرت لنتنياهو “نشوة عابرة”، وفق تعبير صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فإن كاتب العمود في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية ذكّره بأن عملية النصيرات التي استعادت أربع رهائن على قيد الحياة “لا تحل المشكلة في الشمال، ولا تحل المشكلة في غزة، ولا تحل أياً من المشكلات الأخرى التي تهدد إسرائيل على الساحة الدولية”.
بلينكن التقى نتنياهو، والأخير في موقف أضعف داخلياً. بيني غانتس نفذ تهديده وخرج من مجلس الحرب، ووزير الدفاع يوآف غالانت بعث إليه بإشارة تحذير بعدما صوّت ضد مشروع قرار طرحته الحكومة الإسرائيلية يمدد إعفاء الشبان الحريديم من الخدمة الإلزامية، في وقت يؤكد رئيس الأركان هرتسي هاليفي أن الجيش في حاجة إلى تجنيد 14 ألف رجل للقيام بأعباء الحرب على جبهات عدة، وزعيم حزب “إسرائيل بيتنا” للمهاجرين الروس أفيغدور ليبرمان يعرض ضم جهوده إلى جهود زعيم المعارضة يائير لابيد وغانتس من أجل الدفع نحو إجراء انتخابات مبكرة، وتضغط عائلات الأسرى لإبرام صفقة تبادل وليس لتنفيذ عمليات على غرار ما جرى في النصيرات التي كادت تواجه الإخفاق بفارق ثوانٍ، وأسفرت عن مجزرة بحق مئات من المدنيين الفلسطينيين.
يواجه نتنياهو معضلة أخرى، وهي أن إصراره على “النصر الكامل” لا تراه واشنطن أمراً غير قابل للتحقق، بل بات عائقاً أمام رؤية أميركية أشمل للشرق الأوسط تقوم على المعاهدة الأمنية مع السعودية، وعلى مسار سياسي “موثوق” يوصل إلى دولة فلسطينية، ويمر بالتطبيع بين الرياض وتل أبيب.
لافتٌ للانتباه أنه على رغم الضغط والإلحاح الأميركيين على “حماس”، تتسم نبرة واشنطن بهدوء غير معتاد. ترافق ذلك مع تردد أنباء عن عرض أميركي منفصل للتفاوض بوساطة قطرية مع الحركة لإطلاق خمس رهائن يحملون الجنسية الأميركية. إذا صحت هذه الأنباء، فإن الهدف منها زيادة الضغط على نتنياهو. كما أن مثل هذا الحديث يُعيد إلى الأذهان المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وحركة “طالبان” الأفغانية في عام 2014 لمبادلة الجندي الأميركي الأسير بو بيرغدال بخمسة من قادة الحركة كانوا معتقلين في سجن غوانتانامو. كان ذلك أول الاتصالات غير المباشرة بين الولايات المتحدة و”طالبان”.
ينتظر بايدن كلمة “نعم” من زعيم “حماس” في غزة يحيى السنوار، الذي يربط موافقته على إعلان بايدن بضمانات بهدنة دائمة ووضع حد نهائي للحرب، الأمر الذي لا يزال يرفضه نتنياهو ويصر على “النصر الكامل”. هنا يكمن المأزق الذي يواجه الجهود الأميركية.
يبحث بايدن عن إنجاز ما على صعيد السياسة الخارجية في غزة أو في أوكرانيا، يعزز حملته لولاية ثانية، في وقت لا تسعفه بيانات التضخم كثيراً، بينما لم تؤثر كثيراً إدانة ترامب في محاكمة مانهاتن سلباً على شعبيته، وأتت محاكمة هانتر بايدن، نجل الرئيس الأميركي، في هذا التوقيت لتزيد من متاعب الرئيس الديموقراطي.
ونتنياهو يعلم جيداً أنه في الوقت الذي يقرر فيه تخفيف متاعب بايدن، ستبدأ متاعبه هو. وهذا ما يكبح جماح التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، فيما واشنطن تقول مسبقاً إن “حماس” هي المسؤولة.