بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– طرح الرئيس الأمريكي جو بايدن صفقة تتكون من ثلاث مراحل؛ لإنهاء الحرب على غزة وتبادل الأسرى وإعادة الإعمار للقطاع المدمر بفعل آلة الحرب الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة، وجاءت تصريحات بايدن «المحرجة لإسرائيل» عن المقترح الجديد الذي نسبه إلى تل أبيب، بمنزلة خريطة طريق للخروج من حالة الاحتراب عبر هدنة تستمر 6 أسابيع في المرحلة الأولى، على أن يتم خلالها التفاهم لتحويلها إلى دائمة.
لكن لا يزال الغموض يكتنف بنودها الدقيقة، والشيطان كما يقال يكمن في التفاصيل؛ إذ إن جزئية صغيرة قد تُفشل كل ما طُرح، وهو ما يمنح إسرائيل حرية الحركة وانتقاء التفسيرات التي تخدم مصالحها؛ حيث لا تزال الحكومة اليمينية في تل أبيب تصر على تحقيق أهدافها ب«النصر المطلق»، وهو ما يتعارض مع مبادرة بايدن، الذي قال بعد أيام من طرح رؤيته للحل في مجلة «تايم»، إن نتنياهو قد يواصل العمليات العسكرية في قطاع غزة بسبب أهداف سياسية، وأضاف في إجابته عن سؤال عمّا إذا كان رئيس الحكومة الإسرائيلية يطيل أمد الصراع في غزة من أجل الحفاظ على حياته السياسية: «لدى الناس كل الأسباب للتوصل إلى هذا الاستنتاج»، متابعاً أنه: «يجب أن يكون هناك حل للدولتين، والانتقال إليه. وهذا هو أكبر خلاف لي مع نتنياهو».
والمفارقة أن نتنياهو لم يرفض ما قاله بايدن بخلاف وزراء متطرفين يوقدون نار الحرب، لكنه يسعى من خلال الاحتيال ووضع العقبات إلى دفع الفصائل الفلسطينية لرفض المقترح، ومن ثم تحميلها المسؤولية، وهو ما يعني خروجه من مأزق ذي حدين، الأول داخلياً ويتعلق بضغط عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة، الذين يخرجون يومياً بعشرات الآلاف إلى الشوارع للدفع بصفقة تنقذ أبناءهم، إضافة إلى أن حلفاء نتنياهو يهددون بإسقاط الحكومة في حال قبول الصفقة، والثاني خارجياً بالتحرر من الضغوط الأمريكية التي تريد إنهاء الحرب بأي ثمن، ليس لأجل عيون غزة؛ بل لأن المنطقة باتت على صفيح ساخن وهو ما يهدد المصالح الأمريكية ويدفع بواشنطن نحو حرب ليست في وارد خوضها.
إسرائيل لا تزال تصّر على مواصلة حربها في غزة، وتدمير كل مقومات الحياة في القطاع، انسجاماً مع الأفكار المتطرفة التي تسيطر على حكومتها القائمة على أيديولوجية أرض بلا فلسطينيين، تمهيداً لإعادة المستوطنات؛ لذا فإن أي مقترح للحل سيكتب له الفشل الذريع، ما لم يكن هناك ضغط صارم من الولايات المتحدة أولاً، ثم موقف عربي وعالمي موحد ثانياً، يجبر تل أبيب على العدول عن نهجها العنصري الإقصائي المدمر، وإلا فإنه بخلاف ذلك يجب أن تدرك أن أفعالها لن تمر من دون ثمن، عبر مقاطعة سياسية واقتصادية تدفعها في النهاية إلى الرضوخ للحق الفلسطيني الأصيل.