بقلم: آمال مدللي- الشرق الأوسط
الشرق اليوم– هذه الحرب يجب أن تنتهي، لقد حانَ الوقت لذلك. هذا ما أعلنه الرئيس بايدن، بعد أقل من 24 ساعة على صدور حكم هيئة المحلفين في نيويورك على منافسه دونالد ترمب في قضية دفع أموال لإسكات فنانة قبل انتخابات 2016، كان قد أقام علاقة معها في أثناء زواجه. هذا الحكم، الذي أفرح الديمقراطيين لأنَّهم يعتقدون أنه يحرم ترمب من شريحة لا يستهان بها من الأميركيين الذين كانوا يميلون للتصويت له، ولكن قالوا إنهم لن يصوتوا لشخص محكوم عليه، هو إشارة احتدام المعركة الانتخابية والصراع على البيت الأبيض. الحرب الإسرائيلية في غزة وترمب خصمان لدودان لبايدن في محاولته للفوز بالرئاسة الأميركية لدورة ثانية، ولكن حسب قوله وحزبه إنها معركة حول مستقبل الديمقراطية في أميركا وللحفاظ على الدستور الأميركي وعلى أميركا كما يعرفها العالم.
بعد ثمانية أشهر على الحرب المدمرة وتدمير غزة ومقتل أكثر من 35 ألف فلسطيني معظمهم أطفال ونساء، حان الوقت الآن لوقف إطلاق النار. الأولوية الآن لأميركا وليست لنتنياهو وحربه. وهذه المرة البيت الأبيض جادٌّ في طرح خريطة الطريق لأن هذه اللحظة حاسمة، كما قال الرئيس، ولأن الانتخابات أصبحت على الأبواب. خمسة أشهر فقط تفصلنا عن المعركة التي يصفها الديمقراطيون بأنها ستحدد مصير أميركا، وقال عنها ترمب إنها أهم انتخابات في التاريخ الأميركي. من هنا وضع الرئيس بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، في الزاوية وما عليه إلا الموافقة، وتحدث إلى الشعب الإسرائيلي، داعياً إياهم إلى عدم تفويت هذه الفرصة، وهاجم حلفاء نتنياهو المتطرفين في الحكومة من دون أن يسميهم، وقال إنهم أوضحوا أنهم يريدون احتلال غزة وإن الرهائن غير مهمين لهم.
الرئيس بايدن وحملته يريدون التفرغ لمواجهة ترمب وداعميه الذين أعلنوها حرباً مفتوحة بعد صدور الحكم.
ترمب أطلق على نفسه اسم «سجين سياسي»، وقال: «إن الحكم الحقيقي سيصدر في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) من الشعب». وهو يعني نتيجة الانتخابات. رئيس مجلس النواب جونسون علَّق قائلاً: «هذا يوم عار في التاريخ الأميركي»، ووصف المحاكمة بأنَّها محاكمة سياسية وليست قانونية». أما حملة الرئيس ترمب فدعت الرئيس بايدن إلى «شد الحزام»، إيذاناً ببدء المعركة.
وبدا ترمب يتمتع بدعم كامل من الجمهوريين الذين التفوا حوله للدفاع عنه. أما داعموه فتجاوبوا مع دعوة حملته لهم للتبرع، فجمع في أقل من يوم ما لا يقل عن 34 مليون دولار تتماشى مع الـ34 تهمة التي وُجّهت إليه، وهذه البداية. كل هذا يشير إلى أن أميركا تريد التفرغ لانتخاباتها الآن وإذا أخطأ نتنياهو في تحليله معتقداً أنه يستطيع مرة أخرى أن يتفوق على رئيس أميركي عبر ألاعيبه السياسية، واستخدام الكونغرس سلاحاً ضد الرئيس الأميركي ربما تنقلب عليه هذه المرة، لأن الذي على المحك للرئيس الأميركي ليس الشرق الأوسط بل أميركا. ردة فعل نتنياهو على خطة الطريق التي قدمها بايدن على أنها إسرائيلية تُظهر أنه لم يستوعب الرسالة بعد. فالرد كان من فصيلة الغموض البنّاء. فبينما كان رد فعله الأوّلي أنه خوّل فريقه التفاوضي أن يقدم اقتراحاً لإعادة جميع الرهائن، وأن هذا يسمح لإسرائيل بأن تستمر في الحرب حتى تتحقق أهدافها، أي تدمير قدرات «حماس» العسكرية، وقدرتها على الحكم والإفراج عن الرهائن، أتى بيان آخر كرر هذه الشروط وأضاف: «إن التفكير بأن إسرائيل سوف توافق على وقف نار دائم قبل تلبية هذه الشروط غير ممكن».
ثم أتى رد فعل آخر يوم الأحد من مستشار نتنياهو للشؤون الخارجية أوفير فولك، الذي قال إن إسرائيل وافقت على اقتراح الرئيس بايدن، ولكنه أضاف أن «الصفقة ليست صفقة جيدة، ولكننا نريد الإفراج عن الرهائن، كل الرهائن». وكرر أن «شروط إسرائيل بما فيها الإفراج عن الرهائن وتدمير (حماس)، المنظمة الإرهابية، لم يتغير». وأشار إلى أن الكثير من التفاصيل يجب العمل عليها. وهذا يعني أن هذه التفاصيل ربما تُغرق الصفقة إذا فشل الضغط على نتنياهو.
رئيس الوزراء الإسرائيلي الآن بين خيارين أحلاهما مرّ بالنسبة له: إما الاستمرار في الرفض، مع ما يعنيه ذلك من مواجهة جدّية هذه المرة مع الرئيس الأميركي الذي لن يتساهل مع أي محاولة لتدمير حظوظه في الفوز بالانتخابات؛ أو القبول بالخطة الإسرائيلية – الأميركية وتوقع انهيار حكومته بعد أن هدّد وزيري اليمين المتطرف إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بالاستقالة والتسبب في انهيار التحالف الحكومي.
أحد ردود الفعل اللافتة للحكم على الرئيس السابق ترمب، أن الكثيرين الذين شاهدوا كيف أنه على مدى سنوات نجا من جميع محاولات خصومه جعْله يدفع ثمن أعماله، يهللون لوقوعه في مصيدة القضاء هذه المرة… نتنياهو حتى اليوم نجح في تحدي كل رئيس أميركي لم يتفق معه وتفوق عليه مسلحاً بالقوى السياسية الأميركية، خصوصاً في الكونغرس، والرئيس السابق أوباماً ذاق المُرّ منه. اليوم يقف بايدن في مواجهة نتنياهو في معركة يرى أنها حول مستقبل أميركا. فمَن سيكون الفائز؟