الرئيسية / دراسات وتقارير / زيارات عربية إلى الصين فهل تعيد ضبط البوصلة؟

زيارات عربية إلى الصين فهل تعيد ضبط البوصلة؟

بقلم: إنجي مجدي- اندبندنت
الشرق اليوم– وصل قادة أربع دول عربية إلى بكين الأسبوع الجاري للمشاركة في المؤتمر الوزاري الـ10 لـ”منتدى التعاون الصيني- العربي”، إذ سيجري قادة مصر والإمارات والبحرين وتونس محادثات مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في شأن “العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”، وفق ما جاء في بيان وزارة الخارجية الصينية.

زيارة الزعماء العرب للصين تأتي في وقت يشهد عدداً من التطورات على الساحة الإقليمية والدولية، فمن جانب يشتد التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين ومن جانب آخر تأتي الزيارة وسط حرب شعواء بين إسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزة، إذ تتفق الصين والدول العربية على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار والاعتراف بدولة فلسطين.

وفق هيئة الاستعلامات المصرية فإن الحضور العربي الرفيع للنسخة الـ10 من المنتدى الصيني- العربي الذي تأسس عام 2004، يعكس “مستوى الشراكة المتنامي بين الصين والدول العربية خلال الأعوام الأخيرة، فهناك نحو 12 دولة عربية تحتفظ بعلاقات شراكة استراتيجية شاملة مع الصين حالياً، كما أن الاستثمارات الصينية في الدول العربية تقارب 250 مليار دولار، وحجم التجارة الصينية مع الدول العربية يقارب نصف تريليون دولار”.

تسعى الصين إلى تحقيق أهداف عدة على مستوى توسيع شراكاتها مع الدول العربية وبصورة أوسع دول الشرق الأوسط، أبرزها توسيع نفوذها في المنطقة والجنوب العالمي، جنباً إلى جنب مع إبراز صورة القوة العظمى المسؤولة عبر القيام بوساطات للسلام، إضافة إلى الهدف الرئيس المتمثل في الهيمنة الاقتصادية. فمنذ العقد الماضي، تسعى بكين إلى بناء علاقات أقوى مع الدول العربية من خلال الاستثمارات الواسعة في إطار مشروعها الوطني “طريق الحرير” والوساطات الدبلوماسية في صراعات المنطقة والتحالفات الاقتصادية وعلى رأسها “بريكس” الذي يضم بين أعضائه ثلاث دول عربية ويتوقع انضمام مزيد من الدول.

وكانت قمة الصين والدول العربية عام 2022 وقمة مجلس التعاون الصيني- الخليجي التي استضافتها الرياض في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه نتيجة لجهود دبلوماسية طويلة نحو توطيد الشراكة، وفي المقابل تحلق تساؤلات عما يمكن أن تقدمه الصين إلى العرب أو ما الذي يريده العرب من ذلك التنين الذي ارتبط بعلاقات تاريخية مع الدول العربية.

الحليف الواحد عفا عليه الزمن

يتحدث مراقبون بصورة رئيسة عن المساعي العربية لتنويع الشراكات والحلفاء، فلم تعُد سياسة الحليف الواحد مناسبة للعصر، إذ يعمل القادة العرب على صياغة مساراتهم الخاصة مع التركيز بصورة أوضح على التحالفات الاستراتيجية المتنوعة والدبلوماسية الاقتصادية والجنوح بعيداً من الصراعات.

وفي المقابل ترى بكين أن السياق الإقليمي الحالي مواتٍ، فالقوى الاستعمارية السابقة تعيش أزمة اقتصادية وموسكو مشغولة بالحرب في أوكرانيا، ويعتقد الصينيون بأن الولايات المتحدة دخلت فترة من التراجع، لذا فإنهم يركزون على انسحاب واشنطن من المنطقة، وهو السيناريو الذي يُناقش بصورة دورية في مراكز الأبحاث الأميركية.

ويقول الزميل لدى معهد واشنطن والمنسق الأممي الخاص السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف إن غالبية عمليات إعادة التنظيم في الشرق الأوسط والخليج تعود لسعي المنطقة إلى تنويع سياستها الخارجية. ويمكن إرجاع هذه الرغبة الملحة إلى صعود الاقتصادات الآسيوية قبل عقدين من الزمن، والأهم من ذلك إلى الانحراف شرقاً نحو آسيا جراء سياسات إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. فكان التصور المتزايد أن الولايات المتحدة تنأى بنفسها أو تتذبذب في التزامها باعتبارها المرساة الأمنية الأساسية في المنطقة سبباً في إشعال البحث عن أطر سياسية جديدة.

ويشير الباحث المتخصص في الشأن العربي لدى مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية بيير بوسيل إلى أن العالم العربي يشعر بالقلق إزاء شبح حرب باردة جديدة ناجمة عن الأزمة الأوكرانية وهي حرب تحددها الجغرافيا السياسية ذات الاتجاهين والاختيار شبه الإجباري بين الولاء للشرق أو الغرب، وهذا الانحياز يعيد إلى الذاكرة تخلي الاتحاد السوفياتي السابق عن “إخوانه” العرب المفترضين عندما سقط سور برلين، وفي الوقت نفسه يعاني العرب التدخلات الأميركية التي أسقطت طغاة، لكنها خلفت وراءها حروباً أهلية لم تُحل.

وفي المقابل، يقول بوسيل إنه من المؤكد أن بعضهم في المنطقة ينظرون إلى القوة الصينية على أنها قوة يمكن السيطرة عليها. وعلى رغم الفجوة الواسعة في الناتج المحلي الإجمالي، فإن دول الخليج تمتلك ثروة أحفورية وموارد مالية كبيرة، وهم لا ينظرون إلى أنفسهم بنظرة أقل من طاولة المفاوضات. علاوة على ذلك، “تشترك الرياض وبكين في الميل إلى المبادرات العملاقة، مثل مشروع نيوم السعودي، وهي مدينة ذات تكنولوجيا عالية بقيمة 500 مليار دولار من المقرر بناؤها في الصحراء بحلول عام 2030، والشركات الصينية مستعدة بالفعل للتعاون في هذا الشأن”.

تجارة بقيمة 505 مليارات دولار

خلال الأعوام الأخيرة، تعززت العلاقات الاقتصادية بين الصين والعالم العربي بصورة ملحوظة، وتجاوزت الحاجة إلى النفط، إذ شهدت مختلف القطاعات التجارية تعاوناً وتعهدات استثمارية من الجانبين. ووفق المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن حجم التجارة بين الصين ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلغت 505 مليارات دولار عام 2022 بزيادة 76 في المئة عن العقد الماضي.

وهناك ثلاثة قطاعات تشهد تنامياً في التعاون بين الجانبين خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، مما يدفع إلى تعزيز العلاقات بين الصين والمنطقة، إذ يقول المنتدى الاقتصادي العالمي إن هيمنة الصين المتنامية على سلسلة توريد الطاقة المتجددة، جنباً إلى جنب مع التزام مجلس التعاون الخليجي الطاقة النظيفة، تعمل على تعميق العلاقات بين المنطقتين. وتوفر ديناميكيات السوق في المنطقتين فرصاً للشركات للتعاون في المبادرات المناخية والاستفادة من القيم المشتركة والتقدم التكنولوجي، وتعمل الصين ودول الخليج كذلك على تعزيز العلاقات من خلال الأسواق المالية والسياحة.

ويشتمل التعاون العربي- الصيني على أكثر من 200 مشروع في مجالات مختلفة، من شبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والفضاء والتكنولوجيا النووية السلمية والطاقة المتجددة والتجارة الإلكترونية. ووفق افتتاحية صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية، فإن موجة جديدة من التعاون العربي- الصيني تركز على مجالات رئيسة مثل الابتكار التكنولوجي والتحول الصناعي والتنمية الخضراء منخفضة الكربون والبنية التحتية. وتضيف أن التعاون الصيني- العربي تحول من التركيز بصورة أساسية على الاقتصاد والتجارة إلى “ترويكا” الاقتصاد والأمن والثقافة لتحقيق التنمية الجيدة. “وباعتبارهما صديقين قديمين على طول طريق الحرير القديم، أصبحت الصين والدول العربية الآن إخوة وشركاء جيدين يدعمون المساعدة المتبادلة والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعلم المتبادل الشامل”.

ووفق مجلة الشؤون الدولية لجامعة جورج واشنطن، فإن بكين لديها خطط كبيرة لتوسيع بصمتها الرقمية إلى المنطقة، إذ يؤدي الشرق الأوسط دوراً بارزاً في طريق الحرير الرقمي الذي أبرمت بموجبه الشركات الصينية صفقات شبكات الجيل الخامس مع دول الخليج. وتتعاون بكين أيضاً في تعزيز الاستراتيجيات السيبرانية المحلية مع الإمارات. وتقول المجلة إن التركيز على التكنولوجيا مهم للجانبين، فبينما تسعى الصين إلى توسيع دورها بوصفها قوة ذات تكنولوجيا عالية واستخدام البيانات باعتبارها أداة لتعزيز التحول الاقتصادي والتنمية، تتطلع دول الشرق الأوسط بصورة متزايدة إلى رقمنة اقتصاداتها وتنويعها. وفي الواقع، تدعم السعودية الآن الاستثمارات الصينية في التكنولوجيا والأبحاث المتقدمة.

عام 2020، حلت الصين محل الاتحاد الأوروبي بوصفها أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي في التجارة الثنائية وأصبحت أكبر شريك تجاري غير نفطي للسعودية والإمارات على مستوى العالم وثاني أكبر شريك تجاري للإمارات. ووفقاً لتقرير الاستثمار في “مبادرة الحزام والطريق” الصينية عام 2021، استهدفت غالبية المشاريع الاستثمارية الصينية في المبادرة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعام 2022، وسعت دول الشرق الأوسط تعاونها مع الصين وحصلت على نحو 23 في المئة من المشاركة الصينية في المبادرة، بزيادة من 16.5 في المئة العام السابق.

واستثمرت الصين في محطة بوابة البحر الأحمر، وهي مشروع مشترك بين موانئ الشحن الصينية “كوسكو” و”صندوق الاستثمارات العامة السعودي” لتطوير وتشغيل محطة حاويات في ميناء جدة، في حين تشمل المشاريع الأخرى تلك الموجودة في منطقة تيدا في هيئة قناة السويس. وفي الوقت نفسه، كان العراق أكبر متلقٍّ لتمويل “مبادرة الحزام والطريق” الصينية لمشاريع البنية التحتية عام 2021 بنحو 10.5 مليار دولار في عقود البناء. وسعت بكين كذلك إلى استثمار 10 مليارات دولار في مشاريع البنية التحتية في إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي شمال العراق.

هجرة رأس المال الصيني للمنطقة

أصبح العالم العربي يستقبل مزيداً من المغتربين الصينيين، لا سيما في الإمارات حيث يوجد 300 ألف مواطن صيني و4000 شركة. ووفق شركة الاستشارات الصينية “داكسيو كونسلتنغ”، تمتد جاذبية المنطقة إلى الصينيين الأثرياء الذين ينتقلون إلى الشرق الأوسط، بحثاً ليس فقط عن أسلوب حياة فاخر، لكن أيضاً عن فرص عمل مربحة وتعليم جيد. عام 2022، غادر الصين عدد قياسي من الأفراد ذوي الثروات العالية، نحو 10800 شخص، وعام 2023 ارتفع العدد إلى 13500 شخص. وذكرت الشركة في تقريرها الشهري الصادر في يناير (كانون الثاني) الماضي أن عدداً من أصحاب الثروات يتطلعون إلى الإمارات لتكون وطنهم الجديد مع توقع تدفق 5200 فرد عام 2023، مما يتجاوز العدد المتوقع البالغ 1500 شخص المتجه إلى الولايات المتحدة، وهذا النمط يؤكد الجاذبية المتزايدة لمنطقة الخليج باعتبارها الخيار الأفضل لأصحاب الثروات الباحثين عن فرص جديدة.

كما أصبح الزوار الصينيون يقصدون بصورة أساسية ومتزايدة الوجهات السياحية في الشرق الأوسط. وأظهر بحث استقصائي أجري في مايو (أيار) 2023 وشمل الأثرياء والأفراد الصينيين أن أكثر من 20 في المئة من أصحاب الملايين في الصين يخططون لزيارة الخليج خلال الأشهر الـ12 المقبلة. وتقول شركة الأبحاث الصينية إن جاذبية الشرق الأوسط تعزى جزئياً إلى السياسات الحكومية والترويج النشط للوجهات بين الصينيين.

توافق على صعيد قضايا المنطقة

على صعيد القضية الفلسطينية تلتقي الصين والدول العربية، فتاريخياً كثيراً ما كانت الصين متعاطفة مع القضية الفلسطينية وداعمة لحل الدولتين، واستضافت بكين الشهر الماضي حركتي “حماس” و”فتح” الفلسطينيتين المتنافستين لإجراء “محادثات معمقة وصريحة حول تعزيز المصالحة بين الفلسطينيين”.

وعام 2023 وبوساطة الصين، توصلت السعودية وإيران إلى اتفاق تاريخي لعودة العلاقات الدبلوماسية. وأخيراً دخلت بكين أيضاً في جهود الوساطة في المنطقة، بما في ذلك سوريا واليمن ومفاوضات السلام في أفغانستان.

انعكاسات غير مرغوبة

التقارب العربي- الصيني بات يشغل دوائر صنع القرار الأميركية وأصبح الموضوع ضيفاً دائماً في محادثات مراكز البحث الغربية التي تحذر من تأثير ذلك التقارب في المصالح الأميركية في المنطقة وعلاقاتها مع حلفائها التقليديين. ففي حين ترتبط دول المنطقة والولايات المتحدة بشراكة أمنية طويلة المدى، فإن التقارب مع الصين أدى إلى توترات في العلاقات أحياناً، وعلى سبيل المثال طلبت “اللجنة المعنية بالحزب الشيوعي الصيني” في مجلس النواب الأميركي من وزارة التجارة الأميركية التحقيق في شركة الذكاء الاصطناعي الإماراتية “مجموعة 42 القابضة (جي 42)” على خلفية شكوك حول علاقاتها بكيانات صينية مدرجة على القائمة السوداء، وجاء ذلك الطلب بعد أشهر من الضغوط الأميركية في هذا الصدد بعيداً من الأضواء، وفق ما ذكره الزميل لدى معهد واشنطن غرانت روملي. واستجابة لهذه المخاوف أعلنت الشركة الإماراتية سحب كامل استثماراتها من الشركات الصينية بما في ذلك أسهم بقيمة 100 مليون دولار في شركة “بايت دانس”، المالكة لتطبيق “تيك توك” المثير للجدل.

ويقول روملي وآخرون في معهد واشنطن إنه على رغم هذه الخطوة الواعدة من جانب الإمارات، فليست “جي 42” الشركة الوحيدة التي تتعاون مع الصين في مجال التقنيات المتقدمة، كما أن هذه ليست المرة الأولى التي تؤدي فيها المنافسة الأميركية مع بكين إلى تعقيد العلاقات مع أبو ظبي. وبينما توطد دول المنطقة علاقاتها مع الصين في قطاعات عدة، سيستمر كثير منها في اختبار حدود صبر الولايات المتحدة وتقبلها للأخطار.

وفي شهادة قدمها أمام لجنة المراجعة الأمنية والاقتصادية الأميركية- الصينية في الكونغرس الشهر الماضي، قال مدير برنامج الشرق الأوسط لدى مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية جون ألترمان إن الأميركيين يقللون من تقدير مدى ترحيب “شركائنا في الشرق الأوسط بالنفوذ الصيني بوصفه وسيلة لضبط ما يعتبرونه تجاوزات أميركية”، وأشار إلى أن الدول العربية تسعى إلى الحفاظ على علاقات قوية مع واشنطن وفي الوقت نفسه بناء علاقات أقوى مع الصين. والرسالة الثابتة من بكين هي أن القيام بذلك أمر ممكن ومرغوب فيه، وينبغي له أن يقوض الجهود الأميركية لفصلهم عن الصين. وفي هذه العملية، تسعى بكين إلى إبعاد المنطقة من الولايات المتحدة وتعزيز هدف الصين الاستراتيجي المتمثل في عالم أكثر انحيازاً على المستوى العالمي.

وإضافة إلى الإعجاب العميق بالنمو الاقتصادي الذي حققته الصين، يشير ألترمان إلى أن المنطقة عانت خيبة متزايدة طوال عقود بسبب سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وزاد منسوب الإحباط والغضب منذ اشتعال حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ويقول “كان هناك إحباط أيضاً لأن الحروب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان لم يكُن لها مبرر يذكر في القانون الدولي الذي زعمت واشنطن أنها تلتزم به، بينما لم تبالِ بالخسائر في صفوف المدنيين. كذلك شعرت الحكومات بالانزعاج من تبني الولايات المتحدة للديمقراطية في الربيع العربي، واشتكت من تخلي واشنطن عنها عندما أعلنت إدارة أوباما إعادة التوازن نحو آسيا، إضافة إلى عملها على تمكين النظام الإيراني بصورة متهورة”.

واشنطن لا تزال لديها الفرصة

ومع ذلك، يعتقد آخرون بأن الصين لم تثبت بعد أنها شريك يمكن الاعتماد عليه، فتلفت الباحثة لدى معهد واشنطن ريبيكا ريدليش إلى أن تصرفات بكين في المنطقة التي تشمل دعم إيران وحماية سفنها فقط ضد التهديدات البحرية الحوثية، ليست تصرفات قوة عالمية ملتزمة تعزيز المصالح الجماعية للعالم العربي. ومع تدفق التصريحات الجريئة من اجتماع بكين هذا الأسبوع، تستطيع واشنطن تقديم خطاب مضاد من خلال الإشارة إلى أخطار التعاون الأعمق وحدود استعداد الصين للتدخل بصورة هادفة في الشؤون الإقليمية.

ويقول ملادينوف إنه في حين تظل العلاقات الدفاعية والأمنية مع الغرب حاسمة، فإن المساعي لإصلاح العلاقات مع الخصوم الإقليميين، مثل إيران، تشير إلى تحول في التركيز نحو إعطاء الأولوية للدبلوماسية الاقتصادية. ويعكس هذا النهج المتطور الاستقلال الاستراتيجي المعزز للمنطقة، إذ تسعى منطقة الخليج العربي، في جوهرها، إلى أن تكون مجالاً يتفوق فيه التعاون على المواجهة. ويتردد صدى هذه الروح في تفضيل القادة الحوار والدبلوماسية والتحالفات المتنوعة على التدخلات العسكرية والسياسات بالوكالة.

ويخلص إلى القول إن استيعاب تصور الشرق الأوسط للشؤون العالمية، وتوسيع المبادرات مثل اتفاقات إبرا وتأييد أطر التعاون المتخصصة مثل تحالف I2U2 (الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة)، وتوسيع التحالفات من خلال دمج دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان، يمكن أن تكون خطوات أولية في تجديد علاقات المنطقة مع واشنطن. وبينما ترسم دول الخليج مسارات جديدة في مشهد جيوسياسي متغير، فمن الضروري أن يقوم صناع السياسة الأميركيون بإعادة ضبط استراتيجياتهم بالمثل.

وبالمثل أوصى روملي في شهادته أمام الكونغرس بضرورة دعم واشنطن جهود التحديث الدفاعي في المنطقة، وفي هذا الصدد تحتاج الولايات المتحدة إلى التخلي عن عدم المرونة ومشاركة التكنولوجيا مع الشركاء الإقليميين بوصفها إحدى الطرق لتعزيز الشراكة الأمنية بما يتجاوز مجرد التزام الموارد العسكرية على الأرض. فحتى الآن، توخت واشنطن الحذر من مثل هذه الالتزامات نظراً إلى العلاقات التي تربط دولاً محددة بالصين، والأخطار اللاحقة التي تهدد المعلومات الدفاعية الأميركية. ومع ذلك، يمكن تنفيذ ترتيبات حذرة ومدروسة في مجال مشاركة التكنولوجيا الدفاعية. كما أوصى بتنسيق الجهود بين السلطتين التشريعية والتنفيذية للحد من نفوذ الصين في المنطقة، مشيراً في هذا المضمار إلى الإجراء المتعلق بمجموعة “جي 42” الإماراتية، لذا يتعين على الكونغرس الأميركي والإدارة الأميركية توسيع نطاق الجهود الخاصة بتحديد المخاوف المتعلقة بالصين في المنطقة وتنسيق الرسائل اللاحقة.

ويرى باحثون في جامعة جورج واشنطن أن مستقبل السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط يعتمد، إلى حد كبير، على النهج الذي ستتبعه الإدارة الجديدة، بخاصة في ما يتعلق باستراتيجيتها في التعامل مع الدول العربية وإدارة التوترات مع إيران. وإحدى الاستراتيجيات المحتملة هي نهج “فرّق تسد”، كما تم تبنيه في ظل إدارة دونالد ترمب الذي يسعى إلى عزل طهران وتعزيز التحالفات مع الدول العربية. وهناك نهج آخر قد يكون أكثر انعزالية، كما رأينا في عهد بايدن، إذ يتم تقليل أولوية التدخل الأميركي في المنطقة. ومع ذلك، ونظراً إلى الديناميكيات الأمنية الحالية، يجب على الولايات المتحدة أن تتبنى نهجاً أكثر دقة يعطي الأولوية للدبلوماسية والتعددية باعتبارها الوسيلة الأكثر فاعلية لتعزيز الاستقرار.

ويتفق الباحثون في واشنطن أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تزود حلفاءها وشركاءها في المنطقة ببدائل عن المبادرات الصينية قابلة للتطبيق، ويمكن تحقيق ذلك من خلال زيادة الاستثمارات في المنطقة، خصوصاً في مجال الاتصالات والبنية التحتية. إضافة إلى ذلك، من الضروري عدم اتخاذ نهج تصادمي تجاه دور بكين في المنطقة. يجب على الولايات المتحدة أن تقود من خلال الجذب بدلاً من الإكراه، وأن تسمح لدول الشرق الأوسط الاختيار بحرية بينها والصين.

شاهد أيضاً

هل انتهى محور الممانعة؟

الشرق اليوم– هل انتهى محور المقاومة والممانعة الإيراني؟ سؤال يصح طرحه بعد مرور أكثر من عام على …