الرئيسية / دراسات وتقارير / الجوع ينهك السودانيين والمساعدات المكدسة تنتظر انفراجة سياسية

الجوع ينهك السودانيين والمساعدات المكدسة تنتظر انفراجة سياسية

بقلم: جمال عبد القادر البدوي – اندبندنت
الشرق اليوم– في وقت تتصاعد فيه مستويات العوز والجوع ويتزايد عدد الأفواه الجائعة والبطون الخاوية، تتكدس شحنات مساعدات الإغاثة على بوابات المدن الجريحة، بسبب مواقف الطرفين المتقاتلين المتباينة في شأن المسارات التي يفترض أن تسلكها شاحنات توصيل الإغاثة والمعونات الإنسانية، في وقت تشهد فيه الأوضاع الإنسانية في السودان بشكل عام وإقليم دارفور بصفة خاصة، تدهوراً مطرداً في الوضع الإنساني، في ظل استمرار الحرب وتوسع المعارك بين الجيش وقوات “الدعم السريع” المندلعة منذ منتصف أبريل (نيسان) من العام الماضي.

تحديات وشكاوى

يتمثل التحدي الرئيس بالنسبة إلى المساعدات الإنسانية في عرقلة جهود توصيلها بجانب تقاطع مواقف الطرفين وتعنتها في شأن المسارات الإنسانية، في العوائق البيروقراطية وممارسات أخرى تشمل نهب مستودعات المساعدات ومخاوف المنظمات من الاستهداف المتكرر لعاملي منظمات الإغاثة في الولايات التي يحتدم فيها القتال بين الجانبين. فأين تكمن المشكلة؟ وما الذي يحدث في شأن عرقلة مرور المساعدات الإنسانية في السودان؟

تشكو منظمات إنسانية عدة عدم تعاون طرفي الحرب في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تعاني نقصاً كبيراً في الغذاء والدواء، على رغم توفر أطنان من الإمدادات الإنسانية في مخازن ميناء بورتسودان.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن طفلاً يموت كل ساعتين بسبب سوء التغذية في مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور.

وقالت رئيسة عمليات المنظمة الميدانية في السودان جيل لولر “إن نحو 24 مليون طفل تضرروا من الصراع، بينما يعاني 730 ألف طفل سوء التغذية الحاد”.
تحركات أممية وأميركية

وبحث المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة، أمس الأربعاء الـ29 من مايو (أيار) مع الفريق البرهان موقف المشاورات الجارية لاستئناف مسارات التفاوض وتشجيع الأمم المتحدة لها، معرباً عن أمله في المساهمة الإيجابية من كل الشركاء الإقليميين والدوليين لضمان وقف إطلاق النار وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية لمستحقيها في ربوع البلاد كافة.

وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بليكن للفريق عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني الحاجة الملحة إلى إنهاء الصراع في السودان، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق للتخفيف من معاناة الشعب.

المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر كشف عن أن بلينكن بحث في اتصال هاتفي مع الفريق البرهان استئناف محادثات جدة، والحاجة إلى حماية المدنيين واحتواء التصعيد في العمليات القتالية بخاصة في مدينة الفاشر.

في رسالة مصورة على موقع وزارة الخارجية الأميركية بمنصة “إكس”، شدد المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو، على السماح فوراً بوصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود والخطوط، إضافة إلى تبرعات المانحين التي جمعت من متخلف أنحاء العالم، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة كانت واضحة مع الطرفين المتحاربين بضرورة احترام القانون الدولي الإنساني، مردداً “المساعدات يجب السماح بوصولها، فالناس في السودان يتضورون جوعاً ويواجهون الأمراض المتفشية”.

وسبق أن اقترحت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس، أمام مجلس الأمن الدولي اتخاذ إجراءات عاجلة وإنشاء آلية عبر الحدود لذلك الغرض، في حال أصر الجيش السوداني على رفض توصيل المعونات عبر كل المنافذ الحدودية.

مناشدة “تقدم”

من جانبه ناشد رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في السودان “تقدم”، رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، في مؤتمر التنسيقية التأسيسي المنعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا المجتمعين الدولي والإقليمي، “تحمل مسؤولياتهما لمنع استخدام الغذاء والدواء سلاحاً لقتل مزيد من المدنيين، والضغط على طرفي الصراع للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية من دون قيد أو شرط، والسعي الفوري الجاد إلى وقف الحرب، وعودة الطرفين للتفاوض وفق رؤية متكاملة للحل”.

وأضاف حمدوك “باسم الإنسانية نناشد الأطراف المتصارعة العودة لرشدهم، واتخاذ القرار الصحيح بالوقف الفوري لهذه المحرقة”.

واعتبر رئيس “تقدم” أن استمرار الحرب كارثة ذات أبعاد آنية وبعيدة المدى، تزهق الأرواح وتغيب الإنسانية وتدمر الموارد.

غياب الإرادة

في السياق أوضح المتخصص في فض المنازعات وبناء السلام صلاح الأمين أن عدم الموافقة على مرور المساعدات وتكدس الشاحنات يؤكد عدم امتلاك طرفي الحرب إرادة إيصال المساعدات الإنسانية، لأن توصيلها سيفتح الطريق لوقف الحرب ويعطي المجتمع الدولي القوة والفرصة للتدخل لإنهاء القتال، وهو ما لا تريده بعض الأطراف.

يتابع “إيصال المساعدات الإنسانية يعني وصول عمال وموظفي الإغاثة الدوليين إلى أرض الميدان واللقاء مع المدنيين المتضررين من الحرب، وبالتالي الحوار معهم والاستماع إليهم ومشاهدة حجم الانتهاكات أثناء الحرب، مما سيقود إلى تجريم الأطراف المتقاتلة”.

أوضح الأمين أن هناك توجساً ومخاوف من الطرفين من استيلاء الطرف الآخر على المساعدات، وبالتالي استعمالها كسلاح لاستمالة وتجنيد المدنيين، فضلاً عن هواجس إدخال السلاح والعتاد العسكري من خلال قوافل المساعدات الإنسانية.

لحل هذا الإشكال بحسب الأمين يصبح من الضروري أن تكون هناك ضغوط دولية وإقليمية تمارس على الطرفين من أجل الموافقة على وصول المساعدات للمدنيين المتضررين، كما يمكن أن يكون الضغط من خلال تفعيل القانون الدولي الإنساني، فضلاً عن ضرورة الربط بين المنظمات الدولية والوطنية والمجتمعات المحلية، بحيث ينحصر دور أطراف الحرب فقط في الالتزام بعدم التعرض لقوافل المساعدات بل وحماية القوافل العابرة لمناطق سيطرة كل منهما.

تباعد وتشكيك

مطلع هذا الشهر وصلت المفاوضات بين الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان / شمال (عبدالعزيز الحلو) في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان لوقف التعديات ووصول المساعدات الإنسانية إلى طريق مسدود، وسط تباعد وجهتي نظر الجانبين خلال مفاوضات وقف الإعمال العدائية وفتح ممرات إنسانية للمساعدات في مناطق تسيطر عليها الحركة في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان (مناطق سيطرة الحركة)، لكن الأخيرة رفضت طرح الجيش وتمسكت بضرورة أن يكون الاتفاق شاملاً ولا يقتصر فقط على مناطق سيطرتها، بخاصة المناطق التي تعيش كارثة إنسانية متفاقمة في كل أنحاء السودان.

في حين أكد الفريق شمس الدين الكباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي نائب القائد العام للجيش رئيس الوفد أن حكومته لا تمانع في إيصال المساعدات إلى بقية الولايات في حال توفر ضمانات وتدابير سلامة العاملين الإنسانيين، شكك السكرتير العام للحركة رئيس الوفد المفاوض عمار آمون في أن يكون الجيش يسعى من خلال الاتفاق إلى إنقاذ ثلاث من فرقه العسكرية في بابنوسة وكادوقلي وأبو جبيهة من السقوط، في حال لم يصل إليها دعم لوجستي.

ناقوس الخطر

على نحو متصل المفوض السابق للعون الإنساني المتخصص في هذا المجال مصطفى آدم يعتبر أن القضية الإنسانية المرتبطة بتوصيل المساعدات باتت من أكثر القضايا المؤلمة، بخاصة في ظل تقارير المنظمات الأممية والعالمية المحدثة والمتواترة بتجاوز عدد النازحين واللاجئين 8.7 مليون شخص، وهو رقم كبير يرتبط بأزمة الجوع والغذاء المتفاقمة والمتفشية الآن في كثير من الولايات.

يرتبط التأخر الشديد في وصول المساعدات بطريقة التعامل مع الشأن الإنساني، إذ هناك بحسب آدم تكدس لمواد المساعدات مثل الدقيق وغيره مضى على بعضها عام كامل، لكنها لم تصل حتى الآن إلى ولايات وسط البلاد القريبة، وغالباً ما يربط ذلك الوضع بشح المال.

ويحمل المفوض السابق المسؤولية عن الوضع الراهن للمساعدات للجنة العليا للطوارئ الإنسانية، ويتهمها بـ”غياب الرؤية والفعالية أمام ما يعانيه النازحون بالداخل واللاجئون خارج البلاد لأنهم أيضاً ضمن مسؤولياتها”.

ويتابع “هناك مشكلة كبيرة جداً، لذلك لا بد من قرع ناقوس الخطر في ظل تناقص مخزونات الدواء والإيواء من أن ضحايا الحرب سيواجهون مصيراً قاتماً إذا ظل تعامل تلك اللجنة مع الملف الإنساني بهذه الطريقة، ولم تتحرك هي والجهات الرسمية الأخرى بالسرعة والكفاءة المطلوبتين”.

جهود المفوضية

في المقابل أكد تقرير لمفوضية العون الإنساني بالسودان أنها تقدم كل التسهيلات اللازمة لعمل المنظمات من أجل تأمين انسياب المعونات والمساعدات الإنسانية، معتبراً أن “أكبر معوقات وصول المساعدات إلى وجهتها هو اعتراض ميليشيات الدعم السريع لحركة المساعدات”.

وقال إنها أنجزت نحو 16 ألف معاملة وإجراء وإخطار تحرك لمنظمات وتأشيرات العاملين في المجال الإنساني، وإعفاءات جمركية بغرض تسهيل إجراءات عمل المنظمات.

وأوضحت المفوضية أنها مددت سريان شهادات تسجيل المنظمات حتى تتمكن من توفيق أوضاعها وإكمال بيانات التسجيل، من أجل تمكينها من مواصلة عملها ومشاريعها مع تذليل جميع العقبات والمعوقات التي تعترض توصيل المساعدات الإنسانية.

ولفت التقرير إلى أنه وفي ظل الحرب الدائرة حالياً وحالة الطوارئ الإنسانية، اعتمد عدد من المسارات والمعابر والمطارات لتسهيل حركة وصول المساعدات إلى المحتاجين.

وكشف التقرير عن أن عدد المتأثرين من النازحين والشرائح الضعيفة المستهدفة بلغ وفق آخر تحديث نحو 15 مليوناً و889 ألفاً و130، منهم 7 ملايين و705 آلاف نازح ومليون و900 ألف لاجئ.

صراع المسارات

وكانت قوات “الدعم السريع” أعلنت ترحيبها بكل الجهود الدولية لإيصال الإغاثة إلى المناطق التي تقع تحت سيطرتها، لكنها تمسكت في الوقت نفسه بأن تنقل المساعدات الإنسانية بالاتفاق بين أطراف الحرب، أو المنظمات والأطراف الراغبة في تقديم الإغاثة والطرف المسيطر على المناطق التي تعتزم توصيل الإغاثة إليها.

وأكدت القوات أنها لن تسمح باتخاذ المساعدات الإنسانية وسيلة لإمداد الجيش بالسلاح والذخائر، في ظل محاولاته لتوصيل إمدادات لقواته في دارفور ومدينة الفاشر بشمال دارفور على وجه التحديد.

وتتهم وزارة الخارجية السودانية قوات “الدعم السريع” باحتجاز عدد من شاحنات المساعدات الإنسانية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) كانت في طريقها إلى الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، للمساهمة في احتواء الأزمة الغذائية والصحية في معسكرات النازحين.

اتفاق ورفض

وفي خضم سجال البيانات بين حكومة إقليم دارفور و”الدعم السريع”، أعلن مناوي عبر حسابه على منصة “إكس” أن حكومته الإقليمية اتفقت مع المنظمات الأممية والمحلية العاملة بالسودان، على تقديم ما يمكن من تسهيلات لتسريع انسياب الاحتياجات الإنسانية لسكان الإقليم، بعد اعتماد مسارات جديدة لتوصيل المساعدات إلى المتضررين في دارفور، لكن قوات “الدعم السريع” ردت بالرفض محملة حاكم دارفور مسؤولية إهدار وضياع المساعدات التي تسلمتها حكومته الإقليمية.

وشمل اتفاق مناوي مرور هذه المسارات عبر مدينة الدبة بالولاية الشمالية، ثم إلى مدينة الفاشر عاصمة دارفور، بجانب ترتيب مسارات إضافية بالتنسيق مع المنظمات والولاة المكلفين.

وتفيد تقارير أممية متواترة بأن ما يقارب 25 مليوناً من السودانيين يواجهون الجوع الحاد، منهم أكثر من 5 ملايين على بعد خطوة واحدة من المجاعة، خصوصاً في دارفور التي تعاني نقصاً حاداً في الغذاء والدواء منذ بدء الصراع بين الجيش و”قوات الدعم” في أبريل 2023.

شاهد أيضاً

هل انتهى محور الممانعة؟

الشرق اليوم– هل انتهى محور المقاومة والممانعة الإيراني؟ سؤال يصح طرحه بعد مرور أكثر من عام على …