بقلم: سميح صعب- النهار العربي
الشرق اليوم– ينعقد اليوم في بكين المنتدى العربي – الصيني بحضور الرئيس شي جينبينغ والرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس التونسي قيس سعيد، إلى عدد من القادة الإقليميين والدبلوماسيين.
يرتدي انعقاد المنتدى هذا العام أهمية استثنائية، نظراً الى تزامنه مع أحداث وتحولات كبرى في الشرق الأوسط في مقدّمتها الحرب الإسرائيلية على غزة التي تقترب من دخول شهرها التاسع، من دون أن تلوح لها نهاية قريبة في الأفق.
المنتدى هو تأكيد للدور المتنامي للصين في الشرق الأوسط، رغم المساعي الأميركية للحدّ من هذا الدور، سياسياً واقتصادياً. وتتلاقى الرغبة الصينية في توسيع دورها في المنطقة مع قرار استراتيجي اتخذته الدول العربية المحسوبة تاريخياً على واشنطن، بتنويع خياراتها الاقتصادية والسياسية، وفتح آفاق أمام قيام تعاون مع الصين أساسه المصالح المتبادلة.
قبل عامين، أنجزت الدبلوماسية الصينية اتفاق التطبيع بين السعودية وإيران، بما شكّل اختراقاً جيوسياسياً بارزاً لبكين في المنطقة، ترافق مع اتفاقات التعاون الاقتصادي التي أبرمتها دول الخليج العربية مع الصين، شريكها التجاري الأول.
واتفاق التطبيع بين السعودية وإيران أرسى أساساً لانفراج إقليمي أوسع بين طهران ودول خليجية أخرى، وفتح الباب أمام هدنة غير رسمية في الحرب اليمنية.
تمدّد النفوذ الصيني تسبّب بأرق سياسي في الولايات المتحدة، التي كانت في السنوات الأخيرة تقلّص وجودها في الشرق الأوسط، وتنقل مصادرها ومقدّراتها من المنطقة إلى المحيطين الهادىء والهندي، ضمن سياسة احتواء النفوذ الصيني المتصاعد.
وإذا بالصين تملأ الفراغ الأميركي في المنطقة، ليس في الاقتصاد فحسب، وإنما بلعب أدوار سياسية كان آخرها الشهر الماضي استضافة جولة حوار بين حركتي “فتح” و”حماس”. كما أن الرئيس الصيني دعا إلى عقد مؤتمر دولي للسلام لحل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهي دعوة أيّدتها الدول العربية في قمّة المنامة في وقت سابق من الشهر الجاري.
يكتسب الدور الصيني زخماً في ضوء الإخفاق الأميركي في وقف الحرب المدمّرة في غزة، وفي كون موقف بكين أقرب إلى مواقف الدول العربية من النزاع.
وتُعتبر الصين لاعباً أساسياً في مساعي خفض التصعيد في البحر الأحمر، من خلال حضّها طهران على ممارسة نفوذها لدى الحوثيين كي يتوقفوا عن إطلاق الصواريخ وعرقلة الملاحة البحرية، التي تُعتبر شرياناً حيوياً أيضاً لتحريك عجلة الاقتصاد الصيني.
هذا التوسع للنفوذ الصيني، دفع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى بذل جهود لإبرام اتفاق أمني مع السعودية يشمل مسارات عدة، بينها توقف الرياض عن شراء أسلحة صينية، والحدّ من الاستثمارات الصينية في المملكة، على أن يشمل الاتفاق أيضاً تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل و”مساراً موثوقاً لقيام دولة فلسطينية”. لكن رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قيام دولة فلسطينية مستقلة لا يزال يحول دون إنجاز الاتفاق.
ورغم التحفظات الأميركية عن الاستثمارات الصينية في السعودية، فإن مسؤولين تنفيذيين سعوديين زاروا بكين وشنغهاي وهونغ كونغ الشهر الماضي، للترويج لمشروع “نيوم” للمملكة، وهو منطقة حضرية شاسعة يتمّ تطويرها على ساحل البحر الأحمر.
إن انعقاد المنتدى العربي – الصيني اليوم، يؤكّد مجدداً أن لا رجعة في قرار الدول العربية إحداث توازن في علاقاتها، وعدم حصر الخيار بقوة عالمية واحدة، لا سيما أن وجهات النظر بين العرب وأميركا ليست متطابقة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية أولاً، وحتى بالموقف من روسيا. ودلّت تجربة تحالف “أوبيك+” على أن إمكانات التعاون في مجال الطاقة مع روسيا، جعلت من هذا التحالف ركيزة في تحديد متطلبات السوق العالمية والأسعار، ولم تعد أميركا القوة الوحيدة المتحكّمة في هذا الشأن.
كما أن موقف الدول العربية هو أقرب إلى الموقف الصيني من الحرب الروسية – الأوكرانية، ورفضت دول الخليج الامتثال لطلبات بايدن فك تحالف “أوبيك+” والعمل على زيادة الإنتاج كي لا تتأثر السوق العالمية بالحظر الغربي على مشتريات الطاقة الروسية.
وتلعب السعودية والإمارات وقطر أدواراً في تسهيل تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، مع التأكيد الدائم على ضرورة إيجاد تسوية سياسية. وهي بذلك أيضاً أقرب إلى مواقف بكين.
يتعزز اليوم أفق استراتيجي لمزيد من التعاون العربي – الصيني، في السياسة كما في الاقتصاد. ومن المؤكّد أن الولايات المتحدة تراقب بكين هذه الأيام من كثب.