الرئيسية / مقالات رأي / “الحرس” يبحث عن رئيسي آخر في إيران

“الحرس” يبحث عن رئيسي آخر في إيران

بقلم: خيرالله خيرالله- النهار العربي
الشرق اليوم– تعطي السرعة التي تَحدّد فيها موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية فكرة عن إصرار “الحرس الثوري” على الاستمرار في انقلابه الذي تُوّج بانتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية في عام 2021.

ما كان انتخاب رئيسي رئيساً حدثاً عابراً، بمقدار ما عبّر عن رغبة “الحرس” في التأكيد أنّه أحكم قبضته على السلطة، بل على كلّ السلطات، في إيران بغض النظر عمّن سيخلف علي خامنئي في موقع “المرشد” في يوم من الأيام.

كان وجود حسين أمير عبد اللهيان، الذي قضى في حادث تحطم الطائرة التي كانت تقلّ رئيسي، في وزارة الخارجية، تعبيراً آخر عن الهيمنة التي يمارسها “الحرس” على تلك الوزارة وعلى السياسة الخارجية في الوقت ذاته. ففي عهد عبد اللهيان بوزارة الخارجية، صارت الوزارة على ارتباط وثيق بـ”الحرس”، كون الوزير الراحل من أبناء تلك المدرسة التي تسعى إلى جعل “الجمهورية الإسلامية” نظاماً منغلقاً على نفسه في إمرة “الحرس”، بل جعلها نظاماً لا طموح له إلّا بلوغ ما بلغته كوريا الشمالية في تحدّيها العالم والدول المحيطة بها، في ظلّ امتلاكها السلاح النووي.

سيستمر “الحرس” في سعيه إلى احتكار السلطة في إيران وفي الدول التي تدور في فلك إيران، في مقدمها العراق، حيث يلعب “الحشد الشعبي” دور “الحرس الثوري”. ومن اليوم حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، في الأسبوع الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، سنرى المزيد من الجهود المبذولة لتكريس أمر واقع… في إيران وخارجها، أي في العراق وسوريا وشمال اليمن أيضاً.

لم يكن رئيسي شخصية مهمّة في أي يوم من الأيام. يدلّ تاريخه إلى دمويته وتشدّده وجهله في إدارة الاقتصاد. لكنّ الهدف من انتخابه رئيساً للجمهورية كان إظهار مدى إمساك “الحرس الثوري” بالسلطة لا أكثر، ومدى استعداده لتأكيد ذلك لكلّ من يعنيه الأمر، بمن فيهم جيران إيران من عرب وغير عرب، والمجتمع الدولي خصوصاً الولايات المتحدة.

لا بدّ من العودة في كل وقت إلى ظروف انتخاب رئيسي رئيساً في 2021. استخدم “الحرس الثوري” القضاء والهيئات المختصة لإقصاء جميع منافسيه الجدّيين. كان على رأس هؤلاء علي لاريجاني الذي يمتلك كل المقومات ليكون رئيساً، بصفته متحدّراً من عائلة لا غبار على ولائها لـ”الجمهورية الإسلامية” ونظامها من جهة، وبسبب تاريخه، وهو من شغل موقع رئيس مجلس النواب طويلاً من جهة أخرى.

في الأيام الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية في 28 حزيران (يونيو) المقبل، سيبحث “الحرس الثوري” عن رئيسي آخر ليكون في موقع رئيس الجمهورية، وسيبحث أيضاً عن أمير عبد اللهيان آخر ليكون في موقع وزير الخارجية. فوق ذلك كلّه، سيبحث “الحرس” عن وسائل للإمساك أكثر بالعراق الذي يُعدّ الجائزة الكبرى التي حصلت عليها إيران، في أعقاب الإصرار الأميركي على تسليم هذا البلد العضو في جامعة الدول العربية إلى إيران في عام 2003.

تبدو الخيارات الإيرانية واضحة كل الوضوح في المرحلة المقبلة، أي في الأيام التي تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية، وتلك التي ستليها. ستثير إيران المزيد من التصعيد في المنطقة لتثبت أنّ موت رئيسي لن يؤثّر عليها، وأنّ المهمّ بالنسبة إليها هو تكريس هيمنة “الحرس الثوري” من جهة، وفتح المجال لصفقة مع “الشيطان الأكبر” الأميركي من جهة أخرى.

لا يعني ذلك كلّه تجاهل أسئلة محرجة من نوع: مَن المسؤول، في نهاية المطاف، عن مقتل رئيسي وأمير عبد اللهيان ومرافقيهما في حادث تحطّم طائرة الهليكوبتر الأميركية الصنع يوم 19 نيسان (أبريل) 2024؟ وهل “الحرس الثوري” قوّة متماسكة فعلاً تعرف ماذا تريد في مرحلة ما بعد غياب خامنئي؟

ليس ما يشير، أقلّه في المدى المنظور، إلى ظهور الصراعات داخل “الحرس” إلى العلن، لكنّ إيران تظلّ بلد المفاجآت، خصوصاً أنّ النظام الذي فشل فشلاً ذريعاً منذ قيامه، لا يمتلك إلّا سياسة تصدير أزماته إلى خارج أراضيه من جهة، وإنشاء ميليشيات مذهبية من جهة أخرى.

شاهد أيضاً

أي جامعة للدّول العربيّة ومنظّمة للتّعاون الإسلامي نريد؟

بقلم: حاتم البطيوي- النهار العربيالشرق اليوم– في ظل الوضع العربي والإسلامي المتردي، يُطرح سؤال أبدي …