بقلم: فارس خشان – النهار العربي
الشرق اليوم- تبدو العدالة الدولية، بالنسبة الى الرأي العام، مجرد منتدى يتم استعماله لإطلاق المواقف والتعبير عن الآراء، وهذا ما هو حاصل راهناً مع محكمة العدل الدولية ومع المحكمة الجنائية الدولية اللتين أصدرتا قرارات بدت مجرد مادة جديدة تضاف الى السجال.
ولم يكن أمر محكمة العدل الدولية إسرائيل بوقف هجومها في رفح، قد نشف حبره بعد وانتهى ترداد صدى صوت القاضي نوّاف سلام وهو يتلو الأمر، حتى ارتكبت إسرائيل مجزرة غير مسبوقة في رفح استهدفت خيم النازحين الفلسطينيين المنصوبة في “منطقة آمنة”.
قبل هذه المجزرة كانت إسرائيل تقدّم تفسيراً لأمر المحكمة يصب في مصلحة استمرار الحرب، إذ اعتبرت أنّه بالاستناد الى الشروحات الخطية التي قدمها القضاة الذين عارضوا أو وافقوا على “قرار الأوامر”، يتبيّن أنّ إسرائيل ملزمة بحماية المدنيين وليس بوقف الحرب، ولكن المستوى السياسي في الدولة العبرية، وعلى إيقاع ما وصف بالتمرد على “التهدئة” في داخل الجيش الإسرائيلي، حيث اعتُبر التسجيل الذي وزعه جندي إسرائيلي ويتمحور حول رفض أي قرار قد يقضي بوقف الحرب في غزة، ترجمة لمناخ سياسي وازن في البلاد، أقدم حتى على خرق هذا “التفسير” وذهب إلى مستوى ارتكاب مجزرة رفح التي تصدم حيثياتها العالم، منذ مساء الأحد الماضي!
وبذلك بدا الطقم الحاكم في إسرائيل يقول لمحكمة العدل الدولية، بعدما شنّ هجوماً كبيراً ضد “معاداة السامية” التي تميّز رئيسها اللبناني، وفق التعابير الواردة في المقالات الصحافية: بلّي أوامرك واشربي ماءها!
وأمام هذا الخرق الكبير، وقفت المحكمة صامتة، فلا هي عادت الى الاجتماع، ولا هي قادرة على إصدار البيانات، ولا هي مخوّلة إعطاء توضيحات. في أحسن الأحوال يستطيع قاض، وتحت جناح السرية المطلقة، إعطاء مواد يمكن استخدامها في مقال صحافي!
وبالفعل لا حول ولا قوة للمحاكم الدولية، فمحكمة العدل، مرجعيتها التنفيذية موجودة في مجلس الأمن الدولي الذي هو سياسي بامتياز، حيث تلعب التسويات والمصالح والفيتوات أدواراً لا تتناسب مطلقاً مع مبدأ الحيادية الذي يشكل حجر الزاوية لإقامة صرح العدالة!
ومنذ قديم الزمان، يدرك القانونيون أن العدالة بلا قوة لا نفع منها. وفي القرن السابع عشر قدم باسكال شعاراً لا يزال يتكرر حتى اليوم: العدالة من دون قوة عاجزة والقوة من دون عدالة طغيان!
وحين تمّت الموافقة على انشاء محاكم دولية كانت مقولة باسكال راسخة في الأذهان، ولهذا وافقت الدول الكبرى عليها، لأنّ هذه المحاكم، في حال اتخذت قرارات لا تراعي مصالح الدول الكبرى، يمكن احتواؤها بالتعجيز، من خلال الحاجة الى مرجعية مجلس الأمن الدولي.
وتدرك محكمة العدل الدولية هذه الحقيقة، ولذلك، فهي تبقى، على الرغم من طموحات العاملين فيها، متواضعة، بحيث تقدم في قراراتها ما يعين القوى الدولية على التفلّت منها، إن رغبت في ذلك.
وتجارب الشعوب مع المحاكم الدولية سيّئة للغاية، فالعدالة إمّا تأتيها متأخرة جداً، أي بعد أن تكون الجريمة قد تحققت واكتملت وأنجزت أهدافها، أو إنها لا تأتي أبداً، لأنّ المجرم يكون قد سطا وتجبّر!
وأظهرت التجارب، أنّ غياب المرجعيات القضائية أكثر فائدة للشعوب من وجودها، وهي عاجزة، لأنّه في الحالة الأولى لا تركن هذه الشعوب الى مرجعيات توهمها بالإنصاف، بل تسعى الى الحلول بنفسها، وبذلك يشكّل غضبها المستعر الجواب الوحيد على الجريمة والمجرمين!