بقلم: يونس السيد- صحيفة الخليج
الشرق اليوم– شكلت اعترافات الدول الأوروبية الثلاث، إيرلندا والنرويج وإسبانيا، إسهاماً مهماً في تكريس حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، وأعطت دفعة قوية لجهود فتح مسار سياسي يستهدف إيجاد تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي تفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
اللافت أن هذه الاعترافات جاءت بعد أيام من تصويت تاريخي، وبأغلبية ساحقة، للجمعية العامة للأمم المتحدة بقبول فلسطين دولة كاملة العضوية في المنظمة الدولية، رغم اعتراض الولايات المتحدة ومعها مجموعة صغيرة من الدول. لكن لا ينبغي تجاهل حقيقة أن التصويت والاعترافات جاءت ثمرة التحولات الجارية في أوروبا والغرب عموماً على وقع الصمود الفلسطيني وشلال الدم المتواصل منذ أكثر من سبعة شهور في غزة والضفة الغربية. وما الحراك الطلابي في الجامعات الغربية وانتفاضة الشوارع في عواصم الغرب، التي لا تزال مستمرة، سوى العنوان الأبرز لهذا التغيير الذي أطاح بالسردية الإسرائيلية وهيمنتها على وسائل الإعلام وعلى صانع القرار في العواصم الأوروبية لعقود طويلة.
ومع ذلك، لا ينبغي التراخي أو التوقف عند هذا الحد، فأوروبا التي دغدغت مشاعر الفلسطينيين والعرب بحل الدولتين طيلة أكثر من ثلاثين عاماً، لا تزال منقسمة حول إخراج هذا الحل الذي ظل حبيس الأدراج إلى حيز التنفيذ. وإدارة بايدن المرتبكة ما بين حراك الجامعات وإمكانية خسارة الانتخابات، وما بين إرسال القنابل وأدوات القتل والدمار إلى إسرائيل، وبين إنجاز مشروعها السياسي في المنطقة عبر الترويج لحل الدولتين، لا تزال تتحدث عن أن هذا الحل، الذي تبنته لفظاً لكنها لم تعمل بشكل جاد على تحقيقه، لن يكون حلاً أحادي الجانب، وإنما من خلال التفاوض، وهي تدرك أنها تبيع الأوهام نظراً لرفض إسرائيل القاطع له ولأي حلول سياسية تتعلق بالقضية الفلسطينية. ومعروف أن إسرائيل قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول كانت تتعامل مع القضية الفلسطينية كملف أمني داخلي، وتقوم بتسيير الحياة اليومية بانتظار اللحظة المناسبة لتصفية هذه القضية ومتعلقاتها.
ومن هنا يمكن النظر إلى الغضب الإسرائيلي العارم وردود الفعل الداخلية التي طالبت باجتياح رفح واحتلال القطاع بالكامل وتهجير الفلسطينيين وتفعيل قانون ما يسمى «فك الارتباط» لإغراق الضفة الغربية بالمزيد من المستوطنات.
ما يمكن ملاحظته اليوم، أن الولايات المتحدة وإسرائيل تزدادان عزلة أكثر فأكثر في مواجهة المجتمع الدولي، بينما يتعاظم الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية، وربما يكون اعتراف الدول الأوروبية الثلاث بداية يقظة الوعي والضمير للفضاء الأوروبي الذي يبشر بالمزيد من الاعترافات بدولة فلسطين، كما ألمح جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي وعد بالعمل على توحيد مواقف دول الاتحاد. هذا يبشر أيضاً بكتلة أوروبية موازية للولايات المتحدة التي احتكرت ملف التسوية السياسية للصراع على مدى سنوات، وعودة أوروبية فاعلة يمكن أن تتوج بإخراج «حل الدولتين» إلى الإمكانية الواقعية، وتسوية حقيقية تعيد الأمن والاستقرار إلى المنطقة برمتها.