بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– ربما لم يعد شاغل المتابعين للحرب في غزة، رغم كثرة مراحلها وتعقدها، قياس نتائجها وفق الموازين العسكرية، وبالتحديد ميزان خسائر الأرواح والعتاد ومساحات الأرض المفقودة أو المكتسبة، فنحن الآن إزاء مقاييس جديدة لم تكن في الحسبان.
كان هذا الميزان صالحاً للاستخدام في الشهور الأولى للحرب، وكان الراجح، نظرياً، تفوق إسرائيل بجيشها النظامي وسلاحها المتطور في مواجهة «حماس»، بل إن الحركة، وهي البادئة بالتصعيد في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كانت تتهيأ لمواجهة أسئلة كبرى من الشارعين الفلسطيني والعربي عن دوافع ما أقدمت عليه وعواقبه الوخيمة التي يعرف الجميع الآن مقدارها من الخسائر البشرية، ومن خريطة قطاع غزة التي تحتاج إلى عقود لتعود إلى ما كانت عليه قبل «طوفان الأقصى».
أسئلة شبيهة كانت تنتظر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي مثّلت له الحرب فرصة للهروب من نهاية سياسية لم يكن يتمناها، وتصور أن مصيره سيتبدل حين يحرز نصراً سريعاً تتحقق معه كل الأهداف التي أعلنها، وفي مقدمتها استعادة الرهائن من أيدي «حماس» والقضاء على الحركة.
وحتى الآن، لم تفلح كل وسائل نتنياهو لتحقيق أهدافه، فلا إبادة من استطاع من سكان غزة أفاده، ولا التفاوض أوصله إلى شيء، ولا الدعم الخارجي أبقاه في خانة الواثق من الانتصار، بل إنه أصبح يتلقى الضربات من كل اتجاه.
دون تقليل من قيمة الأرواح التي خسرها الفلسطينيون في غزة، ودون تبنٍّ لمنطق «حماس» أو بعض مناصريها القائل بأن إحياء القضية كان يفرض هذه الأثمان الباهظة التي تُدفع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن إسرائيل تدفع ثمن سياسات نتنياهو خسائر متتالية على أكثر من مستوى، بشكل قد لا تكون عرفته منذ نشأتها.
قد يكون قرار محكمة العدل الدولية فرض تدابير مؤقتة إضافية على إسرائيل تطالبها بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في رفح الخسارة الأحدث لها بعد أن اعتادت ترسيخ مظلوميتها في العالم والادعاء بأنها تعيش بين جيران مستعدين دوماً لالتهامها. وهي سردية لم تعد صالحة بسبب ظروف عدة في العالم غيّرت النظرة إلى المأساة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، وبلوغها مقداراً لا يجدي معه الادعاء أو تزييف الصورة.
مآلات القرار قد لا تمضي في الاتجاه المشتهى، لكنه انعكاس لمآزق تعيشها إسرائيل بفعل سياسات نخبتها الحاكمة، وهي نفسها تعاني الانفراط ولم تعد الخلافات بين عناصرها مكتومة، بل إن بعضها يدّعي الجنوح للسلم الآن، وينادي بعودة المفاوضات مع «حماس».
حتى المفاوضات سمّمت إسرائيل أجواءها بتعاملها المراوغ والمسيء مع وسيطيها الرئيسيين مصر وقطر، حتى وصلت العلاقات المصرية الإسرائيلية إلى منحنى خطر. وإن عاد التفاوض، فلا شك في أن تدابيره ستتأثر بالتصرفات الإسرائيلية.
إسرائيل خسارتها الأوقع في نظرة الجيل الجديد في العالم إلى ما يجري في فلسطين، وسيكون لذلك توابعه أيضاً.