بقلم: علي حمادة- العربية
الشرق اليوم– ستكون الأيام الخمسون المقبلة في إيران مهمة للغاية، لأنها ستبرز مدى صلابة التماسك في السلطة من عدمه. فغياب الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي في الحادثة الغامضة لتحطم طائرة الهليكوبتر الرئاسية، وهو في طريق عودته من الحدود الإيرانية – الأذربيجانية، طرح تحديات جديدة على مستوى القيادة الإيرانية على الرغم من أن غياب رئيس الجمهورية لا يؤثر كثيراً في الملفات الإقليمية التي تتعامل معها الجمهورية الإسلامية في إيران مثل حرب غزة وساحتي لبنان وسوريا، إضافة الى الملف العراقي، وأخيراً وليس آخراً الملف النووي الإيراني. فمقتل رئيسي ستكون له ارتدادات على المستوى الداخلي لناحية ينبغي على دول المنطقة أن تراقبها بدقة، لأن ما يحصل في الداخل الإيراني ينتهي أمره بأن ينعكس على الإقليم حيث تنشط السياسة الخارجية التوسعية الإيرانية في أكثر من اتجاه.
صحيح أن كل الملفات الإقليمية التي أشرنا إليها آنفاً، تدخل ضمن صلاحيات المرشد الأعلى علي خامنئي، والمؤسسة الأمنية – العسكرية أي “الحرس الثوري” التي تمثل في مكان ما الدولة الإيرانية العميقة، اذ تهيمن بالتحالف مع المؤسسة الدينية المتشددة والأصولية على مختلف أوجه الحياة العامة والخاصة في إيران، ولا سيما البرلمان، والقضاء والأمن، والعسكر والسياسة الخارجية، والاقتصاد، والمؤسسات المالية، والمؤسسات الاجتماعية، والإعلام، والدعاية، لكنّ الصحيح أيضاً أن الدولة العميقة المشكّلة من تحالف “الحرس الثوري” وجناح المتشددين في المؤسسة الدينية تجتاحها خلافات داخلية بين أجنحة أكثر تشدداً وأخرى أقل تشدداً. وقوة المرشد الحالي أنه نجح في إدارة كل هذه التناقضات، حتى أنه سمح في مراحل عدة بتنامي تيارات إصلاحية أكثر انفتاحاً إنما تحت سقف النظام وقرار المرشد الأعلى، غير أنه ما لبث أن تراجع وتمترس خلف الدولة العميقة بأجنحتها الأكثر أصولية وتشدداً. وقد مثل اختيار ابراهيم رئيسي ليخلف ممثل التيار الإصلاحي الرئيس السابق حسن روحاني ردة الى الخلف. وعزا مراقبون الردة إلى خشية المرشد والدولة العميقة المتشددة من اقتراب استحقاق خلافة المرشد نفسه بعدما تقدم في السن، وبات من الصعب تلافي نشوب صراع وإن يكن خفياً حول مسألة الخلافة.
ومع اختيار رئيسي ليخلف روحاني في منصب الرئاسة، ثم تشكيل حكومة كان واضحاً أنها تمثل التيار الأصولي المتشدد جرى إخراج الجناح الإصلاحي من معادلة الحكم، تحضيراً للمستقبل. وقد جرت تنحية الإصلاحيين إلى أبعد الحدود، حتى أن الرئيس روحاني منع بخشونة سياسية لافتة من الترشح لعضوية مجلس الخبراء.
لعب الرئيس رئيسي دور “المدير الإداري” للبلاد، فيما ظلت مقاليد السلطة بيد المرشد وخلفه الدولة العميقة الأمنية – الدينية. لكن هذا لم يمنع المرشد يوم فقدان طائرة رئيسي من التوجه إلى الإيرانيين قائلاً: “لا ينبغي للشعب الإيراني أن يقلق. فلن يكون هناك أي خلل في عمل الدولة”. ويرجح أن الرسالة كانت نابعة أولاً من الأثر السلبي الذي خلفته الحادثة على مستوى فقدان أثر الطائرة لساعات طويلة، والأداء الضعيف للغاية في عمليات البحث والإنقاذ. أضف إلى ذلك سريان روايات عدة حول الحادثة بين المواطنين الإيرانيين، راوحت بين الاقتناع بأن الحادثة ناتجة من خلل تقني وسوء حال الطقس، وبين اتهام الموساد الإسرائيلي باغتيال الرئيس، وبين الحديث عن تصفية سياسية داخلية على خلفية التنافس على خلافة المرشد بين أجنحة الحكم. كل هذه العوامل أدت الى حالة الإرباك التي لا تزال قائمة حتى الآن.
ولعل المرحلة المقبلة، أي الأيام الخمسون المقبلة ستكون حساسة، لأنها ستشهد مداولات عميقة لاختيار الخلف. والعين على خلافة المرشد في المدى المتوسط. هذه مسؤولية كبيرة جداً تقع على عاتق المرشد “المايسترو” الذي سيتعين عليه أن يزن بدقة خياراته، خصوصاً أن غياب أحد أهم المرشحين لخلافته (إبراهيم رئيسي) سيعيد خلط الأوراق لمرحلة ما بعد الأيام الخمسين المقبلة.
هنا لا بد لنا من ذكر بعض الأسماء المطروحة والتي سوف نسمع عنها كثيراً في الإعلام: مجتبى نجل المرشد الملتصق بوالده، ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف المتحدر مثل رئيسي من مدينة مشهد. وأعلام النظام من مشهد يسعون لبناء تكتل جهوي داخل النظام يذكّر في مكان ما بآل الأسد في منطقة الساحل السوري. ولا ننسى عائلة لاريجاني صاحبة النفوذ الكبير سياسياً ومالياً. وثمة قوى أخرى ستكون في ساحة مرحلة ما بعد اختيار الرئيس. لكن كما أسلفنا فإن اختيار الرئيس المقبل سوف يؤشر إلى ما ستكونه المرحلة اللاحقة. وسوف يعطينا رسماً تشبيهياً للمستقبل. فهل يكون الوضع الداخلي في إيران “كعب اخيل” النظام؟
فلنراقب الأيام المقبلة حتى يوم 28 حزيران (يونيو).