بقلم: أسعد عبود- النهار العربي
الشرق اليوم– هل يمكن أن تنسج الصين وأوروبا علاقات أفضل من تلك القائمة بين بكين وواشنطن؟ سؤال يفرضه التوتر المتصاعد، تجارياً وسياسياً بين القارة الأوروبية وثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم.
زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ لفرنسا، كانت غايتها ولا شك، تهدئة الجبهة الأوروبية التي تتزايد الانتقادات فيها للعملاق الآسيوي على صعيد إغراق القارة بالمنتجات الصينية المدعومة من الدولة، وخصوصاً في قطاع السيارات الكهربائية.
والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يعاني من تدهور في شعبيته قبل انتخابات البرلمان الأوروبي الشهر المقبل، تذمّر أمام شي جينبينغ من الدعم الحكومي الذي تقدّمه بكين لصناعات صينية تكون الأسواق الأوروبية وجهتها الرئيسية، مما يشكّل منافسة غير منصفة. وبكلام وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، فإنّ العجز في الميزان التجاري بين فرنسا والصين مختل لمصلحة الأخيرة بـ47 مليار يورو.
وتسود مخاوف متزايدة في دول الاتحاد الأوروبي في شأن التجسس الصيني المزعوم والتجسس الإلكتروني وأشكال أخرى من التدخّل. والشهر الماضي، شنّت السلطات البريطانية والألمانية حملة اعتقالات على خلفية اتهامات للصين بالتجسس.
وكي يُظهر ماكرون أنّ أوروبا موحّدة في مواجهة الصين، أشرك رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، صاحبة الخطاب المتشدّد حيال بكين، في المباحثات الشاقة في الإليزيه.
ويشكو الفرنسيون من أنّ الصين تتعامل مع الدول الأوروبية على أساس سياسة فرّق تسد. أي أنّها تنتهج نهجاً أكثر تساهلاً مع ألمانيا التي زار مستشارها أولاف شولتس بكين في نيسان (أبريل) الماضي. وعلى هذا حاول ماكرون أن يستضيف المستشار إلى طاولة النقاش مع الضيف الصيني في باريس، لكنه لم يلق تجاوباً.
كما يأخذ المسؤولون الفرنسيون على شولتس، أنّه خلال زيارته لبكين، لم يقدّم دعماً علنياً لتحقيقات المفوضية الأوروبية في شأن مكافحة الدعم الحكومي للشركات الصينية، وبأنّه التزم الصمت حيال الرسوم الجمركية التي فرضتها الصين على البراندي المستورد من الاتحاد الأوروبي وخصوصاً فرنسا، وبأنّه امتنع عن انتقاد بكين علناً بشكل مباشر في ما يتعلق بعلاقاتها مع روسيا، والمزاعم التي تتحدث عن مساعدة روسيا تكنولوجياً في الحرب بأوكرانيا.
وكانت استعانة ماكرون بفون دير لاين إشارة امتعاض فرنسية من مواقف شولتس. وفون دير لايين لا تتوانى مثلاً عن اتهام الصين بالسعي إلى الهيمنة العالمية، وتحذّر من أنّ العلاقات الأوروبية مع بكين ستتشكّل بناءً على أفعالها بالنسبة إلى أوكرانيا.
طبعاً، لا يقلّ الانزعاج الفرنسي من تطور العلاقات الصينية-الروسية عن الاستياء حيال الملف الاقتصادي والتبادلات التجارية. ويرى ماكرون أنّ بكين ربما تكون القوة الوحيدة في العالم القادرة على التأثير على روسيا. ذلك أنّ موسكو في حاجة إلى بكين لتعويض الخسائر التي أصابت الاقتصاد الروسي بفعل العقوبات الغربية الشاملة. والصين اليوم هي السوق الرئيسية لصادرات روسيا من النفط والغاز، وهي تعتمد على بكين في الالتفاف على العقوبات، ولا سيما في مجال الشرائح الإلكترونية، التي تدخل في صميم الصناعات الدفاعية الروسية.
فرنسا، على وجه الخصوص، تطمح إلى جعل الصين تستخدم رافعة العلاقات الاقتصادية الوطيدة مع الكرملين، لإقناع الرئيس فلاديمير بوتين بوقف الحرب أو خفض التصعيد في أوكرانيا، والاتجاه نحو تسوية سياسية.
وطلب المسؤولون الفرنسيون علناً من نظرائهم الصينيين المساهمة في إيجاد حل سياسي لأخطر نزاع في القارة منذ الحرب العالمية الثانية.
فالحرب تثقل على الدول الأوروبية وتستنزف الكثير من طاقاتها، وتجعلها تغيّر من أولوياتها في الموازنات وتخصيص نسب أكبر للتسلّح والاستعداد لاحتمالات تفاقم النزاع وتوسعه نحو دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
وبناءً على هذه المخاطر، ينشد الأوروبيون اليوم دوراً صينياً أوسع في إطفاء الحريق الأوكراني، قبل أن يلتهم المزيد من مقدراتهم ويمعن في تغيير وجه قارتهم.
والسؤال، أي ثمن تريد الصين في المقابل؟