بقلم: علي حمادة – النهار العربي
الشرق اليوم- على العكس من كل التوقعات التي كان يروج لها في الأيام القليلة الماضية بشأن صفقة وقف اطلاق النار بين حركة “حماس” وإسرائيل، كانت التوقعات الجدية التي يعتد بها تشير الى ان حركة “حماس” لن تقبل بها. وعندما قبلت قيادة الحركة في الخارج بالصفقة مع “تعديلات” واربكت الموقف الإسرائيلي لبضع ساعات، انتهى الامر برفض إسرائيل التعديلات، وبصمت من الوسيطين القطري والمصري، فيما كانت تل ابيب تعلن عن انطلاق عملية والتوغل في مدينة رفح.
عملياً، لم تتصرف العواصم المعنية بحرب غزة على قاعدة ان إسرائيل سوف توقف عملياتها البرية قبل التوغل بشكل او بآخر في آخر معاقل حركة “حماس” والفصائل المقاتلة في غزة وفرض امر واقع جديد في القطاع برمته. بمعنى آخر ان اجتياح رفح مع كل ما يحمله من مجازفة بتصعيد إقليمي اكبر، وتفاقم الاحتجاجات عبر العالم ضد إسرائيل والولايات المتحدة هو هدف استراتيجي وجودي لإسرائيل بصرف النظر عن الحكومة التي تجلس في تل ابيب. والحال ان عملية “طوفان الأقصى” التي هزت الدولة العبرية حتى العمق، أحدثت زلزالاً كبيراً داخل المجتمع الإسرائيلي، ومعه المستويين السياسي والأمني. من هنا كانت استحالة اقناع أي مراقب متخصص بالشأن الإسرائيلي بأن حكومة بنيامين نتنياهو ستقبل بوقف لإطلاق النار قبل محاولة السيطرة على رفح، وتغيير المعادلة الشاملة في غزة من خلال تصفية الجيب الأخير لحركة “حماس”. فترك رفح وتحويلها الى مربع امني – عسكري لـ “حماس” منيع ومحمي باتفاق وقف لإطلاق النار، كان حسب تقديرات دبلوماسية غربية في بيروت اقرب الى الخيال منه الى الحقيقة. كما أن ورقة الرهائن التي عولت عليها حركة “حماس” تراجعت أهمية من الناحية الفعلية مع مرور الوقت، علماً ان أهالي الرهائن لم يتوقفوا عن الضغط في الشارع على الحكومة الإسرائيلية، وعلى بنيامين نتنياهو، وذلك منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
إن التفكير الإسرائيلي قد تغير منذ عملية “طوفان الأقصى”. فالمستوى السياسي بشكل عابر للأحزاب والقوى السياسية، متفق على أن ما حدث في السابع من تشرين الأول 2023 هو حدث تاريخي مزلزل، ومثل خطراً وجودياً على الكيان بأسره. واستتباعاً فإن الحرب التي تخاض في غزة مرتبكة بهذا التفكير الذي شجع إسرائيل على ارتكاب مجزرة بحق أبناء قطاع غزة، متسبباً لهم بنكبة كبرى. والخلاف بين القوى السياسية المتنافسة في إسرائيل بتناول أسلوب ادرة الحرب، وليس الحرب نفسها. والأمر ينطبق أيضا على المقاربة بشأن الخطر الآتي من الجبهة الشمالية حيث ينتشر “حزب الله ” بوصفة ذراعاً إيرانية في لبنان مدججاً بعشرات آلاف الصواريخ ومعهم آلاف المقاتلين المدربين جيداً.
لو لم تحدث عملية “طوفان الاقصى” لكانت الحكومة الإسرائيلية ومعها الطاقم العسكري قاربت ما تعتبره تهديداً من الجبهة مع لبنان، على أساس انه تهديد لكنه لا يشكل خطراً وجودياً. لكن بعد صدمة غزة لم يعد من مجال للتعامل مع التهديد الذي تمثل الذراع الإيرانية في لبنان وفق مقاربة باتت قديمة. فالمقاربة الجديدة تعتبر أن التهديد من لبنان كبير جدا. وهو يرقى الى التهديد الوجودي مما يمنع إسرائيل من القبول بوقف لإطلاق النار أكان قبل انهاء حرب غزة او بعده ليعود الوضع الى 6 أكتوبر 2023، أي الى ما قبل “طوفان الأقصى”. من هنا خطورة الموقف في لبنان حيث تشير التقديرات ان حرب الاستنزاف بين “حزب الله” وإسرائيل قد تطول اكثر من المتوقع. هذا ان لم تتدحرج نحو حرب واسعة تهدف إسرائيل منها الى تغيير الواقع عل حدودها الشمالية.