بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- فرضت غزة نفسها بقوة على صانع القرار في البيت الأبيض، وعلى الرئيس جو بايدن بالذات الذي بات يراهن على صفقة تبادل للأسرى، سعياً إلى الخروج من الأزمة التي تعصف بالولايات المتحدة وإنقاذ موسمه الانتخابي، والفوز بولاية جديدة، بعد أن بدأت تلوح في الأفق بوادر خسارة ثقيلة له ولحزبه في الانتخابات الأمريكية المقبلة.
الإصرار الأمريكي على إبرام صفقة تبادل للأسرى، أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، ربما يفسر كيف تحولت غزة الضعيفة والمدمرة إلى كلمة السر أو مفتاح الفوز لبايدن بولاية ثانية. وقد لا تكون غزة وحدها الكلمة السحرية التي ستلقي بحبل النجاة إلى بايدن، وتعيده إلى البيت الأبيض، فهناك الكثير من الإخفاقات التي واكبت الإدارة في واشنطن إزاء تعاملها مع القضايا العالمية والصراعات والبؤر المتفجرة في العالم. لكن أحداً لا يستطيع تجاهل التداعيات التي أحدثتها حرب غزة في العالم، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، فانتفاضة الغضب الطلابية في الجامعات الأمريكية واحدة من هذه التداعيات التي هزت أركان الإدارة في الصميم، ليس فقط لأنها جاءت للتضامن مع الفلسطينيين، وللمطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، لكن لأنها عرت النظام الأمريكي برمته.
فما حدث في الجامعات من عمليات اقتحام وقمع واعتقال لمئات المتظاهرين السلميين، كشف للعالم حقيقة هذا النظام الذي كان يتغنى بالديمقراطية والتعددية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، وفضح كل المعايير والسياسات المزدوجة التي تنتهجها واشنطن في التعامل مع قضايا الشعوب والتلاعب بالقوانين الأمريكية ذاتها. وضرب على وجه الخصوص مصداقية الحزب الديمقراطي الحاكم في أهم الأركان التي تميزه عن منافسه الحزب الجمهوري، وظل لعقود طويلة يروجها لاجتذاب الناخب الأمريكي، ناهيك عن الانقسام القائم داخل أجنحة الإدارة حول السياسة المتبعة في دعم وتسليح إسرائيل.
وربما تظهر أسوأ هذه التداعيات في تراجع شعبية بايدن إلى مستوى تاريخي منخفض بلغ 38.7 في المئة، وفقاً لمؤسسة «غالوب»، وهي نتيجة لم تكن بهذا السوء لأي رئيس أمريكي منذ أكثر من 70 عاماً. وتكمن الخطورة في أن القلق من خسارة بايدن للانتخابات، لم يعد يتعلق فقط بعمره وقدراته الذهنية والبدنية؛ بل أصبح يتعلق بالغضب العارم لدى جيل كامل من الناخبين الشباب، تولد لديه وعي مختلف يناقض السرديات الأمريكية التقليدية، وبين هؤلاء قطاع عريض ممن يطلق عليهم جيل «Z» الذين يصوتون لأول مرة في انتخابات 2024، إضافة إلى تراجع دعم الأقليات من العرب والمسلمين والأفارقة والإسبان.
على هذه الخلفية، بدأت تتولد رؤية لدى صانعي القرار الأمريكي في البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومجتمع الاستخبارات، تقوم على وقف إطلاق النار في غزة وإبرام صفقة تبادل للأسرى والرهائن، ومنهم أمريكيون، للاستفادة منها في تعزيز حظوظه وخفض الغضب الشعبي ضد سياسات الإدارة، ضمن سلسلة إجراءات تقود إلى استعادة المصداقية الأمريكية، داخلياً وخارجياً، وتؤدي إلى المساعدة على ظفر بايدن بولاية جديدة.