بقلم: نيكول لامبيرت- اندبندنت
الشرق اليوم– واجهت روميلي بليتز أول تجربة معادية للسامية في حرم الجامعة عقب بضعة أيام من أحداث السابع من أكتوبر 2023، إذ همست إحدى زميلاتها بعد المحاضرة: “أنت صهيونية مغسولة الدماغ، مؤيدة للإبادة الجماعية”. وضحك طلاب آخرون. لم تكن روميلي، وهي مثل معظم اليهود البريطانيين لديها عائلة في إسرائيل وأصدقاء أيضاً نجوا من مذبحة مهرجان نوفا التي قتل فيها مئات المحتفلين، تدرك أن هذه الواقعة ما هي سوى البداية.
وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، تعرضت لمضايقات داخل الحرم الجامعي وإهانات لفظية وقيل لها “مريضة نفسياً” و”مجرمة إبادة جماعية” أثناء سيرها في الحرم الجامعي. إضافة إلى ذلك، استهدفها زملاؤها الطلاب وصنفوها على أنها “الفتاة الصهيونية”، حتى إن المضايقات طاولت فضاء الإنترنت وجرى تداول صورتها في مجموعات “واتساب” مؤيدة لفلسطين واتهموها بأنها تحاول اختراق صفوفهم.
وأصبحت غير مرحب بها في بعض المباني الجامعية بعد أن أبلغها متظاهرون مؤيدون للقضية الفلسطينية بأن هذه المباني باتت “مناطق خالية من الفصل العنصري”. وفي حادثة أخرى، ذكرت بأن مجموعة من الركاب على متن حافلة كانت تقلها إلى المنزل بعد خروجها من ملهى ليلي حولوا دفة الحديث إلى الصراع العربي – الإسرائيلي، وبدأوا فجأة بتهديدها بصورة جماعية وهم يهتفون “نحن ضد الإبادة الجماعية”. كما أشارت إلى تلقيها اتهامات بـ”الإسلاموفوبيا” لمجرد دفاعها عن أشخاص قارنوا بين موقف إسرائيل من حقوق المثليين والموقف السائد في دول أخرى بالشرق الأوسط.
والمفارقة العجيبة هي أن يقف زميل فلسطيني لروميلي بليتز الطالبة اليهودية في جامعة لندن، متضامناً معها في مواجهة المضايقات التي تتعرض لها جراء الصراع الدائر. فكثير ممن يهتفون بالتأييد لحركة “حماس” ويطالبون بتعميم الانتفاضة، يجهلون الضرر الذي يلحقونه بالقضية الفلسطينية ذاتها.
وعلى رغم أن الاحتجاج المشروع حق إنساني أصيل، وعلى رغم انضمام بعض اليهود للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الحرب، فإن ما يواجهه الطلاب اليهود هو أنه في كثير من الأحيان يحملون مسؤولية أفعال جيش الدفاع الإسرائيلي، من قبل أشخاص يرددون الهتافات المؤيدة لـ”حماس” والخطاب المناهض لإسرائيل الذي يعكس في كثير من الأحيان استعارات مجازية معادية للسامية أقدم بكثير.
وتعليقاً على الوضع، قالت بليتز التي تبلغ من العمر 19 سنة: “انتابني خوف شديد منعني من الذهاب للجامعة، لكنني سرعان ما فكرت وقلت لنفسي ’إن أرادوا ملاحقتي فسيصلون إلي‘. أنا شخص أدعو إلى السلام، وهذه جامعتي أيضاً، ولن أسمح لهم بطردي منها”.
وتوجهت الأنظار هذا الأسبوع إلى الضفة المقابلة للأطلسي، لا سيما جامعة كولومبيا ونيويورك وغيرهما في تكساس وكاليفورنيا، إذ أدت التظاهرات المؤيدة لفلسطين إلى تدخل الحرس الوطني، وحالات معاداة السامية علنية، وأيام من المواجهات.
وفي المملكة المتحدة، يعاني الطلاب اليهود في الجامعات البريطانية حالة خوف متصاعدة منذ أشهر. وعلى رغم الهدوء النسبي الذي أعقب عطلة عيد الفصح بعد انشغال الطلاب بالاختبارات وكتابة أطروحاتهم، يتنامى الخوف من أن تحاكي الجماعات المؤيدة للفلسطينيين في تلك الجامعات التظاهرات الأميركية، في ظل توقعات باحتمال أن تكون جامعة لندن أول هدف لاحتجاجات عنيفة ونصب مخيمات على غرار جامعة كولومبيا.
ويقول “نيك” طالب الدراسات العليا في مانشستر، الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل خوفاً من التداعيات المحتملة: “نترقب بحذر شديد ورهبة مما هو قادم… ونخشى مزيداً من موجات الكراهية التي تبعث على الغثيان والشعور بعدم الأمان وفقدان الأمل. أحاول تجنب الذهاب للجامعة، وإذا اضطررت، أقوم بإخفاء قلادة نجمة داوود، وينتابني الغضب لأنه عليَّ أن أخفيها”.
تماماً كما تزايدت معاداة السامية الجديدة في جميع أنحاء المجتمع، فقد أصبحت، ومنذ فترة، قضية أكبر حجماً في الحرم الجامعي. وفي يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، خلص تحقيق أمرت به الحكومة في شأن الاتحاد الوطني للطلاب National Union of Students (NUS) إلى وجود “ثقافة معادية” تجاه الأعضاء اليهود على مدى العقدين الماضيين، إذ جرى التعامل مع عديد منهم على أنهم منبوذون. واعتذرت الاتحاد وتعهد بتصحيح المسار، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً.
ففي مؤتمر لاتحاد الطلبة قبل أسبوعين في بلاكبول، ظهرت كتابات عنصرية ومعادية للسامية على جدران دورات المياه، بما في ذلك رسومات للصليب المعقوف النازي. كما أفاد شهود عيان باستخدام عبارات تنكر الهولوكوست خلال نقاشات حول إسرائيل. وحتى تصويت غير اليهود حول ما إذا كان اتحاد الطلاب اليهود – الذي يمثل 9 آلاف طالب – ينبغي أن يكون الممثل الوحيد لليهود البريطانيين في اتحاد الطلبة.
ووصف رئيس اتحاد الطلاب اليهود، إدوارد آيزاكس، الأجواء في الجامعات بأنها “محمومة وسامة لدرجة أن كثيراً من الطلاب اليهود احتاجوا إلى تلقي الدعم النفسي والاجتماعي”. وأضاف “شعرنا أن مؤتمر النقابة أصبح مخرباً بصورة لا يمكن إصلاحها، فبعد صدور التقرير الذي أظهر التمييز ضد اليهود واعتذار الاتحاد عن ذلك، ظل المكان يشهد تصرفات مقززة كرسم الصليب المعقوف النازي والكتابات المسيئة ضد اليهود في دورات المياه. لقد كانت تجربة مروعة”.
كثيراً ما شعر اليهود البريطانيون أن الجامعات البريطانية هي خط المواجهة الأول لما يسمى “معاداة السامية الجديدة”.
وخلال الثمانينيات والتسعينيات، حاولت مجموعات عدة منع الجمعيات اليهودية بالجامعات لأن أعضاءها كانوا صهاينة (نحو 80 في المئة من اليهود البريطانيين يؤمنون بحق وجود دولة إسرائيل)، ومنطق هذه المجموعات هو “الصهيونية هي عنصرية”.
منذ بداية الأزمة الأخيرة في السابع من أكتوبر 2023، تلقى فريق آيزاكس مئات المكالمات من طلاب يهود قلقين ويائسين، في حين تعاون موظفو الاتحاد مع كل من الشرطة وهيئة أمن المجتمع، وهي منظمة خيرية توفر الأمن للمجتمع اليهودي.
وتقول ناتاشا سبونغين، طالبة علم نفس تبلغ من العمر 19 سنة في جامعة برمنغهام التي تعد من أكبر التجمعات للطلبة اليهود في البلاد ويبلغ عددهم 1000 طالب، “الناس يخافون من إظهار أي إشارات تدل على هويتهم اليهودية. اليوم فحسب سمعت عن حادثة صرخ فيها برجل يرتدي القلنسوة (الكيباه) لأنه ’يدعم الإبادة الجماعية‘”.
وتضيف سبونغين، “كان هناك علم إسرائيلي خارج شقة يهودية مع ترك طعام غير موافق للشريعة اليهودية فوقه. الهدف من هذا هو القول ’نحن نعرف أين تعيشون‘ وجعل الطلاب اليهود يشعرون بعدم الأمان والترهيب”.
وتصف ناتاشا سبونغين حادثة وقعت خلال مناسبة “أسبوع التعريف بالإسلام” في فبراير (شباط) في جامعة برمنغهام التي تسببت بمزيد من التوتر “كانت هناك خيمة كبيرة في وسط الحرم الجامعي فيها بعض المنصات والأكشاك الصغيرة التي تعرض أشياء مثيرة للاهتمام ولكن سرعان ما تدهور الوضع حيث شاهدنا تظاهرة انقلبت فجأة إلى بيئة عدائية وتحرش بالمارة اليهود بشعارات مثل ’ليحترق الإسرائيليون في الجحيم‘”.
وتؤكد سبونغين العلاقات الرائعة بين الجمعية اليهودية والجمعية الإسلامية، مشيرة إلى أن المشكلات بدأت بدخول عناصر خارجية كما جرى في عديد من الجامعات.
وتحقق الشرطة في جامعة لندن سيتي في عمليات بيع نشرات للحزب الاشتراكي العمالي تتضمن اقتباساً لاشتراكي مصري يقول فيه: “ندعم ’حماس‘ من دون قيد أو شرط عندما تخوض صراعات عسكرية أو غير عسكرية ضد إسرائيل”.
تماماً كما هي الحال في مسيرات وسط لندن المعتادة، هناك مجموعة من الطلاب اليهود الذين يرغبون في المشاركة في التظاهرات الداعمة لفلسطين والمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار. لكن، الخطاب المتطرف والعدائي الذي تتبناه بعض الفصائل المؤيدة لفلسطين تسبب في شعور بعض هؤلاء الطلاب اليهود بعدم الراحة.
وعلى الجانب الآخر، تصف الطالبة ساسكيا مارت من جامعة إدنبره مدى الدعم الذي يتلقاه الطلاب اليهود المنادون بوقف إطلاق النار من زملائهم. وتشير إلى مشاركتها بصورة منتظمة في المسيرة الجامعية الداعية للسلام التي تقام كل يوم أربعاء.
ولكنها كشخص يؤمن بحق إسرائيل في الوجود، فإنها تنزعج من سماع شعارات من قبيل “من النهر إلى البحر” و”انتفاضة في كل مكان”.
وتقول “الانتفاضة هي دعوة إلى إدامة العنف، وهذا هو الشيء الأساس الذي أريد إيقافه. أصعب شيء لشخص يهودي مثلي منذ السابع من أكتوبر 2023 هو الشعور وكأنك تتخطى السياج [لتعبر عند الطرف الآخر] ولكن تشعر وكأنك لا تنتمي إلى أي من الطرفين. أنت غير مرحب بك”.
وامتد هذا الجو العدائي حتى إلى داخل قاعات المحاضرات الدراسية، حتى عندما لا يكون للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أي علاقة بموضوع المادة.
في إحدى المرات، طلب أستاذة الدراما من أحد الطلاب اليهود أن يتخيل نفسه “جزءاً من المقاومة الفلسطينية” بعد وقت قصير من السابع من أكتوبر 2023. ومن المفهوم أنها شعرت بعدم الارتياح ولم ترغب في العودة إلى ذاك الفصل”.
ومن الأمثلة الأخرى التي ذكرها لي الطلاب أثناء حديثي معهم: مدرس علم نفس يطلب من طلابه تخيل ما إذا كانت تجربة سجن ستانفورد “تشبه الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة” ومدرس تاريخ وضع كتاباً في قائمة القراءة يزعم أن الإسرائيليين يسرقون أعضاء جسدية من الفلسطينيين، ومدرس مادة الدراسات الأميركية يطلب من الطلبة الدخول في جدال حول ما إذا كان يمكن اعتبار أحداث السابع من أكتوبر 2023 “مقاومة مبررة”، ومحاضر مادة الجغرافيا الذي أشار إلى خريطة إسرائيل وقال هذه فلسطين، ومحاضر مادة الدراسات الأفريقية الذي زعم أن إسرائيل تسببت عن قصد في زعزعة الاستقرار في القارة.
وفي كثير من الحالات، عند تقديم شكاوى، يقال للطلاب إنهم مخطئون، وإن هذه قضية حرية تعبير وإنه لا ينبغي عليهم إثارة المشكلات.
وهذه الأحداث تجعل بعض الطلاب يشعر بأن الموقف لا يختلف كثيراً عن الواقعة التي قام خلالها رؤساء ثلاث جامعات أميركية عريقة بإخبار لجنة تحقيق في الكونغرس أن الدعوات إلى الإبادة الجماعية للشعب اليهودي لا تنتهك بالضرورة مدونة قواعد السلوك لكل جامعة ولكن الأمر يعتمد على سياق الحدث.
ويشتكي طلاب يهود من تناقض صارخ في المعاملة داخل الجامعات البريطانية، إذ تفرض إداراتها قيوداً صارمة على المحتوى التعليمي خشية المساس بحساسيات أي فئة حتى لو كانت مسرحيات كلاسيكية لشكسبير أو قضية مثل الشيخوخة، لكنها تتغاضى عن الإساءات والتحريض ضد الطلاب اليهود. ولصياغة عبارة مبتذلة للأسف: لدى عديد من الطلاب، شعور أن الشعب اليهودي ليس مهماً.
ويرى الدكتور ديفيد هيرش، وهو عالم اجتماع يدرس ظاهرة معاداة السامية الجديدة منذ عقدين بمركز لندن لدراسات معاداة السامية المعاصرة، أننا قد نشهد بسهولة وضعاً مشابهاً لأزمة جامعة كولومبيا الأميركية خلال الأسابيع القليلة المقبلة في الجامعات البريطانية.
ويقول “ما نراه في الجامعات اليوم ليس شيئاً جديداً، ولكن هناك مزيد منه ويبدو أنه خطاب أصبح مقبولاً تماماً مع حصول مزيد ومزيد من الاعتصامات و’الاعتصامات الدائمة‘ لأجل فلسطين”.
ويضيف “إن ادعاءات الإبادة الجماعية تصور اليهود على أنهم النازيون الجدد، والنازيون كانوا أسوأ الناس في العالم، إن معاداة السامية الجديدة هذه لا تؤذن للناس بكراهية الغالبية الساحقة من اليهود فحسب، بل تبرر لهم حقهم في القيام بذلك”.