بقلم: محمد صلاح – النهار العربي
الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً جراء الأوضاع الإقليمية المضطربة وتفشي جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين، وصار البلدان في مرمى إسرائيل والمتأسلمين في آن، فضلاً عن توتر الأوضاع على حدود البلدين، وتحملهما فاتورة باهظة جراء جهود نقل المساعدات ومخاطر النزوح. لكن “محور التطرف” الذي فشل، ومعه الدول والجهات التي تدعمه، في إعادة الفوضى والخراب مرة أخرى في مصر، يبدو كأنه يعيد المحاولة الآن في الأردن. يكفي النظر إلى رد فعل تنظيم الإخوان الإرهابي والمنصات الإعلامية الداعمة للإخوان تجاه جهود دول الاعتدال العربي: المملكة العربية السعودية ومصر ودولة الإمارات لدعم الأردن في مواجهة مخططات استهدافه، وكذلك مساعدته على تخطي الأزمة الاقتصادية، لتدرك حجم غضب محركي ما يطلق عليه “محور المقاومة” وداعمي الفوضى وموزعي الخراب على العالم العربي. عليك أن تطالع مواقف رموز الإخوان المسلمين، سواء المقيمين في دولهم أم في أي دولة أخرى تجاه جهود الدول العربية الثلاث وسياساتها لإنقاذ الأردن من مخطط استغلال الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لإثارة الفوضى في الأردن وتحميل ذلك البلد العربي تداعيات الجرائم الإسرائيلية والتواطؤ الغربي والدعم الأميركي لتكتشف إلى أي مدى صار “تحالف المتأسلمين” يرتبط وجوده بالخراب والدمار ودماء الشعوب العربية، وستكتشف حجم المؤامرات التي يحوكها ليضمن استمراره على الساحة، ومساحة الشبكة العنكبوتية التي نسجها مع أجهزة وأحزاب وجماعات، بعضها مخالف له في المبادئ والأفكار والتوجهات والأهداف، لنشر الفوضى في مجتمعات عربية مستعداً، مستقبلاً، ليفوز بالسلطة ويجني الثروة ويحقق الفوز.
يخوض التطرف معركته الأخيرة و”يستقتل” بهدف العودة مجدداً ليضرب الأردن، بعدما فشل في دول أخرى في المنطقة العربية فحشد كل صناعه ومؤيديه وداعميه ومتآمريه، وقد جهزوا أدواتهم وأسلحتهم ومنصاتهم الإعلامية لتسخين الأجواء، وصب المزيد من الزيت على نار الغضب والاحتجاج، من دون أن تفوتهم العودة إلى تراث ثورات الخراب وتحريض البسطاء وخداعهم بالرخاء الموعود.
اختار مخططو الفوضى ومحركو الفتن ومحترفو المؤامرات أن يكون الأردن مدخلاً لفصل جديد لربيع آخر يضرب ويخرب ويحطم ويفتت، بينما بقايا كوارث الثورات والاحتجاجات التي وقعت في دول عربية أخرى على مدى سنوات، ومشاهد خيام الإيواء ورماد الحرائق لم تختف بعد. إنه “الكتالوغ” نفسه والمفردات ذاتها تعود من جديد، بينما يخشى من مروا بالتجربة على الأردن ويخافون من مصيره ويتمنون ألا يتعرض لضرر بأيدي أبنائه، أو أن يدخل البلد أتون صراعات وإرهاب وخراب.
ما يعطل ويعرقل خطط محور التطرف أن الشعوب أدركت أنها استخدمت بواسطة محرضي الثورات وناشري اليأس بين الناس ومحفزي الجماهير على الخروج إلى الشوارع والميادين ومروجي ثقافة العنف، وأن الهدف من دفعها إلى المشاركة في الاضطرابات لم يكن إدخالها الربيع، بل لتعيش جحيماً فينعم الإخوان والمتأسلمون بالسلطة، وأن أهم أسباب فشل تسويق شعارات المتأسلمين وأهدافهم فضح ما كان يتم في الخفاء وكشف الأدوار التي رسمتها أجهزة استخبارات غربية ونفذتها أدوات إقليمية لا تعمل لمصلحة الأوطان بل ضمن مؤامرة رُسمت فيها أدوارهم بدقة، وأن خطط إسقاط الحكومات والأنظمة وإهلاك شعوب المنطقة أصبحت معروفة للبسطاء والمواطنين غير المسيسين الذين تبينوا أنهم ساروا خلف نخب سياسية انتهازية وجماعة ارتدت قناع السلمية، ثم ظهر لهم بعدها أن بعض أعضاء هذه النخب لعبوا على كل الأطراف، وحققوا فوائض مالية ومكانات اجتماعية وسياسية لا يستحقونها، وتاجروا بمعاناة الناس وتسببوا في سقوط الضحايا من الشهداء والجرحى، وأن الإخوان كتنظيم ظل يرفع راية السلمية ليخدع الشعوب ويستخدم تحالفاته المحلية والإقليمية والدولية لإسقاط أنظمة الحكم المتعاقبة في دول عدة وليس لتحقيق إصلاح أو تهذيب، وأن التنظيمات التي تتاجر بالدين وتستخدمه لخداع الشعوب نالت، على مدى سنوات، التعاطف والشعبية بفعل استخدامها والترويج لها عبر وسائل إعلام خادعة وأجهزة استخبارات كاذبة، وأن تنظيم الإخوان مثلاً حقق، على مدى عقود، أرباحاً مالية استخدمها لسرطنة المجتمعات بعناصره ورموزه وأعضائه، وأن الجماعة التي ارتدت عباءة الدين وسيلة لتحقيق أهداف سياسية تحالفت سراً مع أعداء الأمة من أجل الوصول إلى السلطة وإجلاس رموزها على مقاعد الحكم، وأن ما ظل الإخوان يروجونه على مدى عقود لم يكن إلا خططاً وضعت بعيداً عن الأدبيات التي كانت الجماعة تروج لها وجرى فيها استخدام الفقراء ومعاناة الناس لهدم المجتمع على من فيه حتى تتهيأ التربة لزرع دولة الإخوان وتوسيع رقعتها.
المصريون مثلاً نالوا خبرة واسعة في التعامل مع أحداث كتلك ومؤامرات كالتي تحاك لإسقاط الأردن، وعاشوا تجربة مؤلمة، ما زالت مصر تدفع ثمنها حتى الآن، ويخشون على الأردن من المؤامرات الخارجية وطموحات المتأسلمين ومؤامراتهم. انتصر الشعب المصري على مخططات الفوضى ومؤامرات التقسيم حين ثار ضد حكم الإخوان وخلع محمد مرسي من المقعد الرئاسي، فتحصنت دول أخرى ونجت بعدما كانت عرضة للمخاطر، لكن معاول التحريض ظلت تعمل ومنصات الإعلام بقيت تبث السموم وتطلقها من دول أخرى وخلايا الإخوان المتسرطنة في مفاصل دول وجهات وأجهزة استخبارات ظلت تحرض لعل الفوضى تعود ومعها السلطة!!
أدرك المصريون مذاق الفوضى المر حين مر الربيع العربي فوق بلدهم، ولكنهم نجوا من خرابه وكوارثه ويتحسبون من مؤامرات مستمرة يقف خلفها دائماً الإخوان وحلفاؤهم من التنظيمات المتأسلمة التي تستغل الآن معاناة الشعب الفلسطيني. اللافت أن الاحتجاجات في الأردن ضد جرائم إسرائيل تلقفها معارضون ونشطاء لتحريك الشارع، فهناك دائماً الإخوان وحلفاؤهم ومن يتحينون الفرصة لتحريك الاحتجاجات نحو الفوضى والخراب.