الرئيسية / مقالات رأي / ماذا تريد “حماس” عشيّة عمليّة رفح الإسرائيليّة؟

ماذا تريد “حماس” عشيّة عمليّة رفح الإسرائيليّة؟

بقلم: راغدة درغام- النهار العربي
الشرق اليوم– والآن، وبعد كل هذا الدمار الهائل والتشتيت المؤلم والتشريد المرعب وما يقارب مئة ألف ضحية فلسطينية من قتيل وجريح على أيدي همجية إسرائيلية رداً على مغامرة حركة حماس “المدروسة” في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، يقول قياديون في “حماس”: سنلقي أسلحتنا إذا تم تنفيذ حل الدولتين. وكأن حل الدولتين كان مقبولاً من طرف “حماس”! وكأن “حماس” لم تكن دوماً الشريك الأساسي والأصلي لإسرائيل وبالذات لبنيامين نتنياهو في الرفض التام لحل الدولتين! اليوم، وفي أعقاب حدث 7 تشرين الأول الذي ما زال غامضاً ببعض جوانبه وواضحاً في اعتبار قيادة “حماس” أن احتجاز الرهائن الإسرائيليين والأجانب هو أثمن ورقة لديها – ذلك تطبيقاً لعقيدة القائد العسكري الذي يمتلك مصير غزة، يحيى السنوار – اليوم، تطالب “حماس” بصفقة إنقاذ لها كحركة عسكرية وتزعم أنها جاهزة لأن تتحول إلى حزب سياسي وللانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي ترأسها “فتح” لتشكيل حكومة موحدة لغزة والضفة الغربية. فهل بدأت قيادات حركة “حماس” في الداخل والخارج تندم على “إنجازات” 7 تشرين الأول عشية استعداد إسرائيلي لهجوم كبير على رفح للقضاء على البنية التحتية للحركة مهما كانت الكلفة الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين؟ وهل باتت مستعدة حقاً لتغيير جذري في عقيدتها أم أنها تشتري الوقت لإنقاذ ماء الوجه؟

الاختلاف والخلاف الفلسطيني – الفلسطيني ليسا جديدين بل هما في صميم المعضلة الفلسطينية وفشل القيادات الفلسطينية في تحقيق الحقوق الوطنية للفلسطينيين. كانت الأولوية دائماً لتموضع الحركات الفلسطينية المتناحرة، وليس لما يطلقون عليه وصف “القضية الفلسطينية”. ياسر عرفات جسّد بكوفيته وزيّه العسكري الطموحات الوطنية الفلسطينية، لكنه في نهاية المطاف وضع حركة “فتح” والاعتراف بها فوق أولوية ما تقتضيه المصلحة الوطنية الفلسطينية. وما زالت منظمة التحرير الفلسطينية ترتكب أخطاء التركيز في المنظمات على “اعتراف” بعضوية فلسطين في الأمم المتحدة – رغم أهمية الأمر – والتمسك بسياسة الرفض للفرص المتاحة تلبية لضغوط المزايدات الفلسطينية/ الفلسطينية.

لافت ما حدث هذا الأسبوع عندما خرج القيادي البارز في حركة “حماس” خليل الحية، بتصريح قد يمكن فهمه بأنه تنازل مهم، إذ أكد أن الحركة مستعدة للموافقة على هدنة لمدة خمس سنوات أو أكثر مع إسرائيل، والتخلي عن أسلحتها، والتحول إلى حزب سياسي إذا أُقيمت دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967. قال إن الحركة ستقبل بـ”دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة في الضفة الغربية وغزة، وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرارات الدولية على حدود 1967″، وأضاف: “إذا حدث ذلك، فسيتم حل الجناح العسكري للجماعة”. إشارة إلى “حماس” بصفتها حركة الجماعة الإسلامية. وأضاف أن الحركة تريد الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية لتشكيل حكومة موحدة لغزة والضفة الغربية، الأمر المستحيل واقعياً والمرفوض عملياً.

في البدء يجدر التذكير بأن هذه كانت مواقف منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية منذ سنوات ورفضتها حركة “حماس”، بل وخوّنت حركة فتح بسبب تبنيها. وهكذا أهدرت “حماس” فرصة لعلها كانت مواتية لو لم تتبن رفض الحل الذي تقترحه اليوم وتعطيله بعد سنوات عديدة وفي أعقاب التدمير الإسرائيلي لغزة نتيجة 7 تشرين الأول والذي شكّل نقطة فاصلة في العلاقة بين قيادات إسرائيل وقيادات “حماس”. فليس سراً أن إسرائيل سهّلت وجود حركة “حماس” وصعودها كي تضرب السلطة الفلسطينية، وكي تعطّل حل الدولتين الذي وعدت به اتفاقية أوسلو، والأهم كي تغذّي الانقسامات الفلسطينية – الفلسطينية وتنمّيها.

القيادي في حركة “فتح”، منير الجاغوب، قال في تصريحات إلى “العربية الحدث” إن إسرائيل تريد إبقاء “حماس” حركة عرجاء في غزة لضمان استمرار الانقسام. قال إن “حماس” تريد دخول منظمة التحرير الآن للحفاظ على بقائها فقط، وإن شعبية “حماس” في غزة سقطت وإن القطاع عاد تحت سيطرة إسرائيل بسبب سياسات “حماس”، وإن إسرائيل لن تخرج بالقوة من قطاع غزة بل المعادلة الآن هي أن الطرف الفلسطيني بات مجبراً على التفاوض مع إسرائيل للانسحاب من غزة بسبب “حماس”.

الجاغوب أكد أن حركة “فتح” ستذهب إلى الصين للقاء وفد “حماس” رغم علمها بأنها لن تخرج بنتيجة. وهكذا، تتنقل القيادات الفلسطينية المبعثرة من بكين إلى موسكو بحثاً عن قواسم مشتركة بين حركاتها وسعياً وراء وقف الانقسام العمودي بينها. هذا فيما الشعب الفلسطيني يدفع الثمن عبر السنوات.

المؤسف جداً هو تلك الدعوات المخزية التي تطلقها قيادات “كتائب القسام” وغيرها لتحريض الشعوب العربية ضد حكوماتها، والأردن في الطليعة. هذا تنفيذ فلسطيني ممنهج للمطلب الإسرائيلي التاريخي الذي يزعم أن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين، وأن إطاحة الهاشمية هي الوسيلة لحل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. ويتحدثون عن التخوين!!

لا منطق أبداً في تقديم الخدمة الفلسطينية للعقيدة الإسرائيلية – ليس تلك المعنية بمقولة “الوطن البديل” ولا تلك المتعلقة بتحقيق التهجير القسري للفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن ومن غزة إلى سيناء – الأمر الذي حققته “حماس” نتيجة مغامرتها “المدروسة” كما قال أحد قيادييها خالد مشعل في 7 تشرين الأول.

مصر أيضاً في فم التخوين الفلسطيني للعرب وتحميلهم دائماً مسؤولية المعاناة الفلسطينية وإضاعة “القضية الفلسطينية”. وللتأكيد، العرب ليسوا أبرياء وتقع على عاتقهم مسؤولية. لكن من العدل القول إن الفلسطينيين أيضاً يتحملون مسؤولية ما آلت إليه أوضاع هذا الشعب المظلوم الذي سُلِبَت حقوقه الإنسانية البديهية وهو يرضخ تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي باركته الولايات المتحدة والدول الأوروبية. مسؤولية القيادات الفلسطينية هي الأساس لأن هذا شعبهم وهذه أخطاءٌ لا تُغتفر للقيادات المتناحرة.

بؤس اللحظة اليوم رهيب: ما يقارب مليون ونصف مليون فلسطيني شرّدتهم الآلة العسكرية الإسرائيلية بهمجية لا سابقة لها. بيوتهم في القطاع الشمالي من غزة باتت ملاعب “فوتبول” وسط كلام يتردد عن مقابر جماعية. عملية رفح، مهما زعم الإسرائيليون أنها ستراعي سلامة المدنيين، فإنها ستقود إلى إبادة جماعية إذا كان لها أن تنجح في تحقيق هدف سحق البنية التحتية لقيادة “حماس”.

نسمع اليوم أن مصر تنفي التوصّل إلى ترتيبات مع إسرائيل لاستقبال مدنيين فلسطينيين من رفح، ونسمع أيضاً أن هناك وحدات سكنية يتم تجهيزها لأهل رفح المصريين. مهما فعلت مصر، فإنها ستُلام. إذا تركت الآلة العسكرية الإسرائيلية تفتك بالمدنيين الفلسطينيين، فستلام. وإذا استوعبت عدداً ملحوظاً من المدنيين الفلسطينيين في النقب وأماكن أخرى من سيناء فسيقال إن مصر جزء من الصفقة، وستُخوَّن.

حتى الأمم المتحدة تخاف من أن تقع في فكّي التخوين والخذل. المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك حرص على القول إن الأمم المتحدة “لن تكون طرفاً في أي تهجير قسري في غزة”. مجدداً موقف المنظمة الدولية يرفض أي توغل بري في رفح جنوب قطاع غزة قائلاً إن من شأن ذلك أن يؤدّي إلى كارثة إنسانية.

رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يؤكد منذ أسابيع أن هذه العملية ضرورية للقضاء على “حماس” باعتبار رفح آخر معقل رئيسي للحركة وقادتها في غزة. حكومة الحرب الإسرائيلية تبحث في “الوسائل التي تسمح بتدمير آخر وحدات حماس”، بحسب قول الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية. المجتمع الدولي بما فيه إدارة الرئيس جو بايدن يستمر في التحذيرات من عملية رفح اقتناعاً منه بأن لا مناص من كارثة إنسانية. لكن الولايات المتحدة وأوروبا بمعظمها توافقان إسرائيل على ضرورة سحق “حماس”.

مأساة فوق مأساة تسقط على رؤوس الفلسطينيين بلا أفق سوى تمني العودة إلى ما كان الوضع عليه قبل حدث 7 تشرين الأول بكل بطوليته البهلوانية التي نالت الإعجاب. تقلّصت “القضية” الفلسطينية من مشروعية الحقوق الوطنية للفلسطينيين إلى مسألة إنسانية وقضية مجاعة. هذا هو إنجاز المغامرة “المدروسة”.

بعض الفلسطينيين والعرب والمتعاطفين مع الفلسطينيين يشير إلى التظاهرات في الجامعات الأميركية وإلى التغيير في الرأي العام الأميركي والعالمي على أنها ظاهرة نوعية وتحوّل في النظرة إلى الحقوق الفلسطينية. هذا هراء. رغم الأزمة التي خلقتها التظاهرات التي خرجت من جامعة كولومبيا في نيويورك وانتشرت في جامعات كبرى في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، فإن هذا التعاطف ليس نقلة نوعية ولا هو إحياء لذكرى تظاهرات 1968 في باريس.

ثم إن هناك يساراً أميركياً هو جزء من الانقسامات الأميركية الداخلية وله علاقات ساذجة مع أطراف غير أميركية تستخدمه لمصالحها. قد يندم الذين يراهنون على فوائد ضخمة للتظاهرات في الجامعات الأميركية بعد أن يتراجع زخم الحدث. وقد يندم بعض الذين يقومون بالتظاهر بالذات، أولئك الذين رفعوا أعلام “حماس” بدلاً من العلم الفلسطيني، لأن ما يقومون به هو في الواقع غباء. غباء يدعو إلى المزيد من الانقسام الفلسطيني ويؤذي الموقع الفلسطيني الدولي الذي يعترف بأن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية هما الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين.

رغم ذلك، إن الاحتجاج على استثمارات الجامعات الأميركية في إسرائيل وهي تقتل وتشرد المدنيين، هو صرخة ضرورية يجب استمرارها. إن التماسك في رفض التشريد القسري مع الإصرار على المسؤولية الدولية لإعادة الفلسطينيين إلى بيوتهم أمر يجب الحفاظ عليه والمضي إلى الأمام به وفق خطوات جديّة وليس كمجرد فشة خلق الشباب أو كذخيرة في أيدي اليسار الأميركي المعروف بالـ”ووك”.

القيادي البارز في حركة “حماس”، خليل الحية، وهو يمثّل الحركة في مفاوضات الأسرى، قال في مقابلة من اسطنبول مع “أسوشيتد برس” إن خطط إسرائيل لاقتحام رفح الجنوبية التي تعتقد أن الكتائب الأربع المتبقية من “حماس” متحصنة فيها، إن هذا الهجوم لن ينجح في تدمير الحركة. القوات الإسرائيلية منذ 7 أشهر وحتى الآن، وبعد كل هذا الدمار والتشريد والبؤس والمآسي والضحايا “لم تدمّر أكثر من 20 في المئة من قدرات “حماس”، لا البشرية ولا الميدانية” قال القيادي البارز متباهياً ضمناً بقدرات “حماس”.

لو أنجزت “حماس” أكثر من بقائها كحركة رغم الكلفة الضخمة لفلسطين وشعبها، لكان لها حق التباهي. أما أن نصل بعد كل هذا إلى وقفة لا نعرف إن كانت تقصد “حماس” منها الاستعداد للتضحية بالمزيد من الشعب الفلسطيني من أجل إنقاذها كحركة، أو أنها باتت جاهزة لاستدراك أخطائها رحمةً بالشعب الفلسطيني، فإن في الأمر ريبة. ليت “حماس” ترحم الفلسطينيين لأن الإبادة الهمجية الإسرائيلية المبرمجة ستفتك بأهل غزة للخلاص منهم متمسكة بذريعة سحق حركة “حماس” بسبب ما فعلته في 7 تشرين الأول. قد يكون الندم نافعاً لو أتى مبكراً، وليته يأتي.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …