بقلم: مصطفى الأنصاري- اندبندنت
الشرق اليوم– تتجه الأنظار الإقليمية والدولية إلى العاصمة السعودية، إثر تقاطر الخبراء والقادة العالميين إلى الرياض، إذ يناقش منتدى “دافوس” في أول قمة استثنائية له خارج سويسرا الاضطرابات الجيوسياسية والتحديات الأمنية والاقتصادية، وبحث فرص سد “الفجوة بين الشمال والجنوب”، الآخذة في التوسع، وسط الأزمات الدولية والاستقطاب الناجم عنها.
وأعلن المنتدى أن “التعقيدات التي تزعزع استقرار عالم ممزق”، جعلت من الضروري عقد اجتماع خاص للمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) حول التعاون العالمي والنمو والطاقة من أجل التنمية، بمشاركة ألف قائد عالمي من 92 دولة في 200 جلسة يمثلون القطاعات الفكرية والحكومية والخاصة والمنظمات الدولية من الـ28 إلى الـ29 أبريل (نيسان) لدعم الحوار العالمي وإيجاد حلول قابلة للتنفيذ وتعاونية ومستدامة للتحديات العالمية المشتركة.
وأكد وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم، أن الاجتماع الخاص يمثل فرصة فريدة لإعادة رسم مسارات التنمية في جميع الدول، وتبني نموذج جديد للتعاون الدولي يهدف للسير قدماً نحو تجاوز الانقسامات وتحقيق الرخاء المشترك.
وشدد على أن “المشهد الاقتصادي العالمي متقلب ويشهد عديداً من التحديات، كما بات التغير المناخي يشكل تحدياً كبيراً لمستقبل البشرية جمعاء، وأصبحت التقنيات تغير شكل الحياة التي عرفناها بسرعة كبيرة للغاية، بالتالي فإن التصدي لهذه التحديات يتطلب إجراء تحول ممنهج، وإعادة تقييم أساسي للخطط والسياسات، إلى جانب إعادة تقييم للروابط والنماذج الاقتصادية التي باتت أقل صلابة عما كانت عليه”.
الصدمات الجيوسياسية
وبناء على قمة النمو الافتتاحية التي انعقدت في سويسرا العام الماضي، تقرر أن يعمل الاجتماع الحالي في الرياض على تعزيز أساليب التفكير المستقبلي في التعامل مع الأزمات المترابطة، للعمل على سد الفجوة المتزايدة بين الشمال والجنوب في شأن قضايا مثل السياسات الاقتصادية الناشئة، وتحول الطاقة، والصدمات الجيوسياسية.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك بين الإبراهيم ورئيس المنتدى العالمي بورج بريندي، الذي انعقد في الرياض اليوم، قبيل انطلاق الاجتماع، تحت شعار “التعاون الدولي والنمو والطاقة من أجل التنمية”، إذ قال بريندي، إنه في ظل التوترات الجيوسياسية والفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي تعمق الانقسامات على مستوى العالم، “أصبح التعاون الدولي والحوار الهادف أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى”. واعتبر أن الاجتماع الخاص 2024 فرصة للقادة من مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية “لتحويل الأفكار إلى أفعال وفتح حلول قابلة للتطوير لعديد من التحديات المترابطة التي نواجهها”.
أما لماذا اختار المنتدى العالمي السعودية لعقد اجتماعه الاستثنائي، فذلك لأن الرياض بحسب بريندي أصبحت “منصة عالمية راسخة وديناميكية لقيادة الفكر والحلول والعمل، كمضيف لاجتماع حاسم في مثل هذه اللحظة الحرجة”، في حين لفت إلى أن السعودية بدأت في وقت مبكر جهود الدبلوماسية الكاملة “لرسم طريق مفيد للطرفين لتحقيق الرخاء من أجل المصائر المتشابكة للمجتمع العالمي، ونحن نعمل على ضمان ألا يأتي التقدم في جزء من العالم على حساب جزء آخر، ونحن ملتزمون بالوفاء بهذه اللحظة بتصميم على المشاركة في تأليف مستقبل مشترك آمن ومستقر ومستدام”.
البرنامج والجلسات الرئيسة المرتقبة
وفيما بدأت الوفود العالمية الوصول إلى الرياض، كشف المنتدى في موقعه السويسري عن جدول جلسات نسخته الخاصة التي ستحدد الجلسة العامة الافتتاحية له أسلوب الاجتماع الخاص، إذ ينضم إلى رئيس المنتدى بورج بريندي رئيسا رواندا ونيجيريا، بول كاغامي وبولا أحمد تينوبو ورئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا وبيتر أورزاغ الرئيس التنفيذي لمجموعة لازارد للخدمات المالية لمناقشة كيفية إعادة إشعال زخم التنمية والتقارب الاقتصادي.
وتتركز بقية الندوات الـ200 حول الركائز الثلاث الرئيسة للبرنامج، مثل ميثاق النمو الشامل، وتنشيط التعاون العالمي، وتحفيز العمل في شأن الطاقة من أجل التنمية، بمشاركة قادة سياسيين ومفكرين واقتصاديين من القطاعات والخبرات كافة، من مختلف أنحاء العالم.
ميثاق للنمو الشامل
تهدد الوتيرة الحالية للابتكار التكنولوجي والسياسة الاقتصادية الأخيرة بتوسيع فجوة التفاوت على مستوى العالم وعكس مسار التقدم المحرز في مكافحة الفقر. ولمواجهة هذه التحديات سيستكشف الاجتماع آثار هذه الاتجاهات التحويلية على الابتكار ورأس المال البشري وريادة الأعمال. وستسلط المناقشات الضوء على الفرص الرئيسة، التي تشمل الممرات الاقتصادية الناشئة والشراكات التكنولوجية وضرورة النمو الذي يخلق فرص العمل.
وستنضم غورغييفا مديرة صندوق النقد الدولي إلى وزير الاستثمار والتجارة والصناعة الماليزي تينغكو زافرول بن تينغكو عبدالعزيز ومحمد الجدعان وزير المالية السعودي والمدير العام للمنتدى سعدية زاهيدي لمناقشة كيفية تحقيق النمو بطريقة مستدامة في المنطقة. الجلسة ما هو نوع النمو الذي نحتاج إليه؟
الذكاء الاصطناعي والإنتاجية والعمل: وتدور حول هل يمكننا الحصول على كل شيء؟ يجمع وزراء الإعلام من إستونيا ورواندا والسعودية، تيت ريسالو وباولا إنجابير وعبدالله السواحة، الذين سينضم إليهم أويفيند إريكسن الرئيس والمدير التنفيذي لشركة Aker ASA وهيرواكي كيتانو نائب الرئيس التنفيذي والمدير التنفيذي للتكنولوجيا والرئيس التنفيذي لشركة Sony Research للحديث. حول المقايضات التي سيحتاج القادة إلى إدارتها مع تطور الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر.
وستعيد الجلسة العامة الختامية النظر في مسألة تجديد النمو، مع رؤى من فيصل الإبراهيم وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، وآنا ماركس الرئيس العالمي لشركة “ديلويت”.
تحفيز العمل في شأن الطاقة من أجل التنمية
إن تحول الطاقة ليس أمراً ملحاً لمستقبل الكوكب فحسب، بل لمعالجة التفاوتات الصارخة في الوصول وتحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل في توفير الطاقة النظيفة بأسعار معقولة للجميع، لا سيما في الاقتصادات النامية. وسيجمع الاجتماع جهات فاعلة من مختلف القطاعات لتحديد الحلول المالية والتكنولوجية والسياسية التي تهدف إلى توسيع نطاق استخدام حلول الطاقة النظيفة، مع ضمان النمو العادل أيضاً.
ستجمع الجلسة الرئيسة التي تحمل عنوان “الناس والسياسات والمالية: تحقيق تحول عادل في مجال الطاقة” الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وزير الطاقة السعودي، وسعد بن شريدة الكعبي وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري ودادري. سيمسون مفوض الطاقة في المفوضية الأوروبية إلى جانب فيكي هولوب الرئيس والمدير التنفيذي لشركة أكسيدنتال بتروليوم كوربوريشن ودارين وودز، ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “إكسون موبيل”.
تنشيط التعاون العالمي
تشكل التوترات الجيوسياسية المستمرة في الشرق الأوسط، وأبرزها الصراع في غزة، لها آثار ليس على المنطقة فحسب، بل على العالم أجمع. ويهدف الاجتماع إلى تعزيز الحوار بين شمال العالم وجنوبه بما يمكن أن يساعد في تنشيط التعاون الدولي. وسوف تتجاوز مجرد الاعتراف بمجالات الاهتمام المشترك من خلال تضخيم المبادرات الإنسانية وتحديد الشراكات والإجراءات التي يمكن أن تساعد في احتواء التأثيرات المتزايدة لعدم الاستقرار الجيوسياسي وبناء اقتصاد عالمي أكثر مرونة.
في الجلسة حول الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب: إعادة بناء الثقة، سينضم الأمير فيصل بن فرحان وزير خارجية السعودية، إلى رئيس المنتدى بورج بريندي لمناقشة لبحث كيف يمكن لشمال العالم وجنوب العالم تنشيط التعاون من أجل الانفتاح، ومناقشة حلول لأهم التحديات الراهنة.
ويترقب المجتمع الدولي والإقليمي مشاركة شخصيات رئيسة في المنتدى العالمي أمثال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومشعل الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت، ومصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر، ومحمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق، وبشر هاني الخصاونة رئيس وزراء المملكة الأردنية الهاشمية، وأنور إبراهيم رئيس وزراء ماليزيا، وبولا أحمد تينوبو رئيس نيجيريا، والسيد ذيزين بن هيثم آل سعيد ولي عهد سلطنة عمان، وشهباز شريف رئيس وزراء باكستان، ومحمود عباس الرئيس الفلسطيني، ومحمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية في دولة قطر، وبول كاغامي رئيس رواندا.
وكذلك أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي، وجوزيب بوريل، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ستيفان سيجورني ووزير أوروبا والشؤون الخارجية في فرنسا وأنالينا بيربوك ووزيرة خارجية ألمانيا الاتحادية، وديفيد كاميرون وزير الدولة البريطاني لشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية ألكسندر سيلفيرا، وغيرهم.
ربيع تنموي وتقديرات دولية متفائلة
يأتي الاجتماع الدولي واسع النطاق بالتزامن مع إصدار التقرير السنوي لرؤية المملكة في عامها الثامن، وفي ذكرى إطلاقها في الـ25 أبريل (نيسان) 2016، الذي أبرز الإنجازات التنموية الضخمة التي حققتها المملكة على مختلف الصعد. ففي منتصف رحلتها حققت السعودية مستهدفاتها بسرعة أكبر، إذ إن 87 في المئة من مبادراتها مكتملة أو تسير على المسار الصحيح، فيما 81 في المئة من مؤشرات الأداء الرئيسة للبرامج حققت مستهدفاتها السنوية.
وأحرز عدد من المؤشرات في الرؤية كذلك نتائج أكبر من المستهدف وفق الخطة الأساسية للرؤية، في مثل قطاعات الأمن والعدل والواردات غير النفطية والسياحة والإسكان، في مرحلة وصفها سعوديون بأنها شهدت تحولات تاريخية وربيعاً تنموياً في البلاد، وجد تقديراً دولياً كبيراً، جعل صندوق الدولي يرفع تقديراته لتوقعات نمو اقتصاد البلاد إلى ستة في المائة، العام المقبل، ليأتي الأسرع نمواً بين مجموعة الـ20 بعد الهند.
وكشف تقرير لصندوق النقد الدولي حول “آفاق الاقتصاد العالمي أبريل 2024م”، عن نظرة تفاؤلية حول أداء الاقتصاد السعودي وقوته وما يحققه من نمو إيجابي على رغم الأخطار والتحديات والظروف العالمية، التي تشهدها معظم الاقتصادات، إذ يشهد القطاع أداء لافتاً في تنوعه، إضافة إلى نمو الإيرادات غير النفطية وبلوغها لمستويات غير مسبوقة معززاً من ريادته على الصعيدين الإقليمي والدولي، وذلك بفضل عمل دؤوب نفذت المملكة على أثره 800 إصلاح تشريعي واقتصادي وتنموي منذ انطلاق رؤيتها الطموحة قبل بضع سنين.
واختار البنك الدولي، أخيراً، الرياض لإنشاء مركز للمعرفة لنشر ثقافة الإصلاحات الاقتصادية عالمياً نظراً إلى تجربة البلاد الرائدة خلال الأعوام السبعة الماضية في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، مما جعل المنظمة الدولية تختارها لتكون شريكاً من شأن تجربتها أن تشكل مساراً تستفيد منه دول أخرى حول العالم تسعى إلى تعزيز قدراتها التنافسية.