الشرق اليوم- أثارت مقابلة لنجل ولي العهد إبان الحكم الملكي في ليبيا، محمد الحسن الرضا السنوسي، مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، سجالات سياسية جديدة، إذ تحدث عن “مشاورات موسعة وشاملة” مع جميع فئات المجتمع الليبي، بما في ذلك أعضاء النظام السابق، لافتا إلى إمكانية “تحقيق الديمقراطية من خلال النظام الملكي”.
وأكد السنوسي في المقابلة على أهمية “التوافق الداخلي”، ورفض “فرض أي حلول” على الشعب الليبي، معتبرا أن النظام الملكي “نجح سابقا في إقامة مؤسسات ديمقراطية”.
كما شدد على “أهمية تطوير دستور الاستقلال بما يتماشى مع الأصول الديمقراطية والدستورية”، مستندًا إلى تجربة الدستور الأميركي كمثال على دستور “يظل معمولا به عبر الزمن مع التعديلات اللازمة”.
ويرى محللون أن مساعي السنوسي قد تواجه ليس فقط التحديات الداخلية بإقناع الفرقاء في الشرق والغرب والتشكيلات المسلحة بجدوى تبني النظام الملكي الدستوري، إنما أيضاً قد يؤدي هذا التوجه إلى رفض أطراف إقليمية عودة الأمير الذي يستند إلى “الشرعية التاريخية” للنظام الملكي الذي حكم ليبيا بين عامي 1951 و1969.
تفاعل شعبي وإقليمي
وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي الليبي، محمود الرميلي، أن الليبيين “ينبغي لهم أن يتمتعوا بالحرية في اختيار نظامهم السياسي”، قائلا: “هناك دعم لفكرة العودة إلى الملكية، خاصة في الشرق الليبي بسبب ارتباطه الأكبر بالملكية في الماضي، لكن هناك في المقابل آراء تعتبر الملكية عاملاً مضاداً لتطوير مؤسسات البلاد السياسية”.
ويؤكد الرميلي “وجود أنظمة إقليمية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط تؤيد فكرة النظام الملكي في ليبيا، مستندين إلى استمرارية الأنظمة الملكية في تلك الدول، بما في ذلك السعودية والأنظمة الأميرية في الخليج، مثل قطر، والنظامين الأردني والمغربي”.
ويعتقد المحلل الليبي أن “هذه الدول تدعم رجوع الملكية، حتى لو لم تفصح عن ذلك بوضوح”، كما أن من “المهم الإشارة إلى إمكانية معارضة بعض الدول الإقليمية لهذا التوجه”.
بدوره، يقول الإعلامي والخبير في الشؤون الليبية، سالم بوخزام، إن الشعب الليبي “تجاوز مرحلة الملكية وربما نسيها، إذ استمر النظام الملكي الليبي لمدة لا تتعدى 18 عاماً، ثم سقط وتغيب عن الذاكرة لمدة تزيد على 70 عاما”.
أكد ثلاثة زعماء ليبيين أنهم اتفقوا على ضرورة تشكيل حكومة موحدة جديدة تشرف على الانتخابات التي طال انتظارها.
ومع ذلك، يشير بوخزام إلى أن “السنوات القليلة التي حكم فيها الملك في ليبيا كانت هادئة، وشهدت تقدماً في مجال التنمية بفضل اكتشاف البترول، وكان هناك ترحيب واضح من الليبيين بالملكية”.
لكن من جهة أخرى، فإن “قطاعات واسعة من الشعب الليبي رحبت أيضا بانقلاب القذافي على الملكية، خاصة مع إطلاق مشاريع تنموية للبنية التحتية مثل الطرق وتوفير الكهرباء والخدمات الأخرى”، وفق بوخزام.
ويضيف: “ثورة عام 2011 لم تجلب سوى الكوارث والفواجع لليبيين، وهناك من يسعى اليوم إلى استعادة الاستقرار، حتى لو كان ذلك يعني العودة إلى بداية تأسيس الدولة الحديثة تحت مظلة الملكية”، لكنه يستدرك قائلا إن “الرضا السنوسي الذي يريد أن يصبح ملكاً قضى 45 عاما خارج ليبيا، مما يجعله غريبا عن الأوضاع الراهنة في البلاد، وهو ما قد يشكل تحديا له في إقناع مختلف المناطق الليبية بجدوى مساعيه”.
ويشدد بوخزام على “وجود دعم لاستعادة الملكية في شرق ليبيا، خاصة في المدن مثل البيضاء وطبرق، لكن هذا التأييد ليس بالحجم الكبير، على الرغم من أن الفرص قائمة لإقناع الشعب، خاصة في ظل استمرار الفوضى والانسداد السياسي”.
ويشير بوخزام إلى “إمكانية رفض بعض الجمهوريات في المنطقة لفكرة استعادة الملكية، مثل تونس والجزائر ومصر، التي تعتبر الملكيات أنظمة بائدة”، في حين يؤكد أن “الأنظمة الملكية الهادئة في الخليج مثل السعودية.. والمغرب في شمال أفريقيا، قد تكون متحمسة جداً لفكرة رجوع الملكية”.
مواقف متباينة
من جانب آخر، يؤكد الخبير الدستوري و”منسق مبادرة عودة الملكية الدستورية إلى ليبيا”، سامي العالم، أن “المصالح المختلفة للدول الإقليمية تجعل مواقفها من عودة الملكية متباينة”.
وفي حديثه مع “أصوات مغاربية”، يضيف العالم أن “غياب الاستقرار في ليبيا أصبح عبئاً على جميع دول المنطقة، مما ولّد لديها الرغبة في الانتقال السياسي السريع كأولوية قصوى بغض النظر عن نوع النظام السياسي”، مردفاً: “لهذا فإن بعض الدول تحاول دعم ما تبقى من نظام القذافي بلا أي أساس قانوني، لأن المهم لديها هو الاستقرار الأمني”.
ويعتقد العالم أن “غالبية الدول الإقليمية تؤيد عودة الملكية إلى ليبيا، باستثناء الجزائر، التي قد لا تكون مئة في المئة منفتحة على هذا الخيار، لكنها قد توافق في حال توافق عليه الليبيون”.
أعلن وزير الداخلية الليبي، اللواء عماد الطرابلسي، الأربعاء، التوصل إلى اتفاق لإخلاء العاصمة طرابلس من المجموعات المسلحة، وعودتها إلى مقراتها وثكناتها، بحسب “فرانس برس”.
ويشير العالم إلى أن “النظام الجزائري ينظر إلى الملكية السنوسية من خلال عدسة الثورة الجزائرية، حيث كان الرئيس المصري السابق، جمال عبد الناصر، يرسل الأسلحة عبر ليبيا، ويتم شحنها إلى المقاومين الجزائريين بمباركة من الملك، الذي أبدى اهتمامه الكبير بثورة الليبيين منذ انطلاقها في الأول من نوفمبر 1954 ضد الاستعمار الفرنسي”.
ويوضح أن “الجزائر، منذ الثورة حتى الآن، تبنت التيار القومي المعارض للملكيات”، لكن “الجزائريين يحتفظون للعائلة السنوسية بهذا المعروف، وهذا يظهر في تواصلاتنا الشخصية مع بعض القيادات الجزائرية، وبالتالي قد لا يُعارضون أي توجه لتبني الملكية في ليبيا في حال كان عليها توافق محلي”.
المصدر: الحرة