الشرق اليوم– تشكل عائدات النفط شريان حياة للاقتصادين الإيراني والروسي، لكن العقوبات الغربية تهدد قدرة البلدين على شحن النفط وتلقي المدفوعات.
ورداً على ذلك، قامت إيران وروسيا بإعادة توجيه شحنات النفط إلى الصين – أكبر مستورد للنفط الخام في العالم- وفي عام 2023، وفرت الصين نحو عشرة مليارات دولار من خلال شراء النفط الخام من الدول الخاضعة للعقوبات مثل إيران وروسيا.
وعلى مر السنين، طورت بكين وطهران نظامًا لتجارة النفط يتجاوز البنوك الغربية وخدمات الشحن. وتبنت روسيا أساليب إيران في تصدير النفط الخاضع للعقوبات بعد أن حددت مجموعة السبع (G7) سعر النفط الخام الروسي عند ستين دولارًا للبرميل في ديسمبر 2022، بحسب تقرير نشره المركز الأطلسي أخيراً شرح أدوات التهرب من العقوبات في قطاع النفط.
ونتيجة لذلك، أنشأت إيران وروسيا والصين سوقا بديلة للنفط الخاضع للعقوبات، حيث تكون المدفوعات مقومة بالعملة الصينية. غالبًا ما يتم نقل هذا النفط بواسطة ناقلات ” الأسطول المظلم أو أسطول الظل” التي تعمل خارج القواعد البحرية وتتخذ خطوات لإخفاء عملياتها.
وبحسب التقرير الذي كتبته مديرة مبادرة فن الحكم الاقتصادي في مركز الاقتصادات الجغرافية التابع للمجلس الأطلسي، كيمبرلي دونوفان، والمدير المساعد للمبادرة، مايا نيكولادزه، فإن:
عائدات النفط من الصين تدعم الاقتصادين الإيراني والروسي وتقوض العقوبات الغربية.
في الوقت نفسه، فإن استخدام العملة الصينية وأنظمة الدفع الصينية في هذه السوق يحد من وصول السلطات القضائية الغربية إلى بيانات المعاملات المالية ويضعف جهودها في إنفاذ العقوبات.
كيف تمكنت الصين من استيراد النفط الإيراني الخاضع للعقوبات؟
وأشار التقرير إلى تطوير الصين طريقة لاستيراد النفط الإيراني مع تجاوز النظام المالي الغربي وخدمات الشحن، على النحو التالي:
تقوم إيران بشحن النفط إلى الصين باستخدام ناقلات أسطول الظل وتتلقى المدفوعات باليوان من خلال البنوك الصينية الصغيرة.
تعمل ناقلات الأسطول الظل بدون أجهزة إرسال واستقبال لتجنب اكتشافها.
بمجرد وصول شحنات النفط إلى الصين، يتم تغيير علامتها التجارية إلى نفط ماليزي أو شرق أوسطي، ويتم شراؤها في الصين عن طريق ما يسمى بـ “أباريق الشاي” وهي مصافٍ صغيرة مستقلة تستوعب 90 بالمئة من إجمالي صادرات النفط الإيرانية منذ أن توقفت المصافي الصينية المملوكة للدولة عن التعامل مع إيران بسبب الخوف من العقوبات. ويُعتقد بأن تلك المصافي تدفع لإيران باليوان باستخدام مؤسسات مالية أصغر حجما.
تسمح هذه الاستراتيجية للصين بتجنب تعريض بنوكها الدولية الكبرى لخطر العقوبات المالية الأميركية.
كيف يمكن لإيران الاستفادة من مدفوعات اليوان من الصين؟
بمجرد أن تحصل إيران على مستحقاتها باليوان سيكون أمامها خياران لاستخدام العملة الصينية، إذ يمكنها إما شراء البضائع الصينية أو الاحتفاظ بالأصول في بنك صيني.
ولا تستطيع إيران أن تنفق الكثير باليوان خارج الصين لأن العملة ليست قابلة للتداول بحرية كاملة، وبالتالي فهي أقل رغبة في الدول الأخرى كمخزن للقيمة أو وحدة حسابية.
ويلفت التقرير في الوقت نفسه إلى زيادة دور اليوان الصيني في التجارة الدولية في السنوات القليلة الماضية، لكنه مدفوع بالتجارة الصينية المقومة باليوان مع شركائها. بينما نادرًا ما يتم استخدام العملة في المعاملات من قبل دولتين عندما لا تكون الصين واحدة.
وبالتالي، في العام 2022، اشترت إيران آلات بقيمة 2.12 مليار دولار من الصين، بالإضافة إلى إلكترونيات بقيمة 1.43 مليار دولار. وفي حين لا يمكن الوصول إلى البيانات المتعلقة بالمعاملات المالية بين إيران والصين، هناك احتمال كبير أن تكون واردات إيران من التكنولوجيا الصينية مقومة باليوان.
والاستخدام الآخر الذي يمكن أن تجده إيران للعملة الصينية هو بناء احتياطات من النقد الأجنبي باليوان. وفي أكتوبر 2023، قال نائب رئيس البنك المركزي الإيراني إن احتياطات إيران الأجنبية تتزايد بسبب نمو الصادرات النفطية وغير النفطية.
وإذا كانت عائدات النفط مساهما كبيرا في نمو احتياطيات إيران من النقد الأجنبي، وإذا كانت الصين تشتري النفط الإيراني باليوان ( تشير البيانات التجارية إلى أن حوالي 90 بالمئة من صادرات النفط الإيرانية تذهب إلى الصين)، فإن حصة كبيرة من احتياطيات إيران يمكن أن تكون مقومة باليوان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استعداد إيران لإيجاد عملات بديلة والتنويع بعيدًا عن الدولار الأميركي يتزامن مع طموحات بكين لتدويل عملتها.
وبالتالي، قد يكون لبكين أيضاً مصلحة في الدفع لإيران باليوان وبناء احتياطيات إيران من اليوان. (ولا ينشر البنك المركزي الإيراني بيانات حول تكوين العملة لاحتياطاته الدولية. وغياب البيانات يجعل من الصعب تأكيد هذه النظرية).
روسيا تقلد أساليب إيران في التحايل على العقوبات
وبحسب التقرير، فإن (الحرب في أوكرانيا) وما تلا ذلك من فرض العقوبات كانت سبباً في وضع روسيا في موقف مماثل لإيران.
بدأت روسيا أيضاً في استخدام ” أسطول الظل ” لشحن النفط إلى الصين، ولجأت إلى استخدام اليوان في التجارة للتحايل على الحد الأقصى لأسعار النفط.
تجدر الإشارة إلى أن وضع روسيا ليس خطيراً مثل وضع إيران عندما يتعلق الأمر بالعقوبات؛ فالتداول في النفط الروسي مسموح به طالما أن المشترين يدفعون 60 دولاراً أو أقل للبرميل، في حين أن شراء النفط الإيراني محظور بغض النظر عن السعر.
وهذا يمنح روسيا المزيد من المرونة لشحن النفط إلى وجهات أخرى، وبالتالي المزيد من القدرة على المساومة في مفاوضات الأسعار مع الصين.
ومع ذلك، تعتمد روسيا الآن بشكل كبير على الصين ولديها نموذج مماثل للتجارة مع الصين مثل إيران: تصدر روسيا النفط إلى الصين وتستورد التكنولوجيا.
وفي العام 2022، تلقت روسيا 88 مليار دولار من بكين من صادرات الطاقة ودفعت 71.7 مليار دولار مقابل البضائع الصينية. منذ أن تحولت روسيا والصين إلى استخدام العملات الوطنية، زادت تجارة الروبل واليوان ثمانين ضعفًا بين فبراير وأكتوبر 2022.
ولكن الصين لا تساعد روسيا إلا بالقدر الذي لا يؤدي إلى الإضرار بمصالحها الخاصة . على سبيل المثال، بعد أن أنشأت الولايات المتحدة هيئة عقوبات ثانوية جديدة في ديسمبر2023، توقفت ثلاثة من أكبر أربعة بنوك صينية عن قبول المدفوعات من الشركات الروسية الخاضعة للعقوبات.
ويزعم المسؤولون الروس أنهم يعملون مع نظرائهم الصينيين لحل المشكلة، لكن من غير المرجح أن تعود بكين إلى التعامل مع الكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات طالما ظل التهديد بالعقوبات سائدا.
وبالتالي، في حين أن العقوبات الثانوية لم تستهدف بشكل مباشر مدفوعات النفط من الصين، فإن هذا يظهر أنه إذا هدد الغرب بفرض عقوبات على الشركات الصينية الكبيرة لاستيراد النفط الروسي بأعلى من الحد الأقصى للسعر، فمن المرجح أن تمتثل بكين.
كيف يمكن للغرب أن يبدأ في الرد؟
أضاف التقرير: “لا ينبغي لنا أن نقوم بتحليل فعالية العقوبات ضد إيران وروسيا وغيرهما من الأنظمة الخاضعة لعقوبات شديدة في عزلة، لأن هذه البلدان لا تعمل في عزلة. وقد سمح تبادل المعرفة حول تقنيات التهرب والتعاون الاقتصادي مع الصين لكل من إيران وروسيا بالتخفيف من آثار العقوبات”.
واستطرد: ينبغي على السلطات الغربية أن تبدأ في النظر في الروابط المالية بين الأنظمة التي فرضت عليها عقوبات شديدة، فضلا عن تعاونها الاقتصادي مع الصين، والنظر في كيفية استخدام تقنيات التهرب التي طورتها الأنظمة التي كانت خاضعة للعقوبات سابقا من قبل البلدان التي فرضت عليها عقوبات جديدة.
وهذا من شأنه أن يساعد السلطات الغربية التي تفرض العقوبات على تحسين تصميم العقوبات وسد الثغرات قبل أن يتم استغلالها. ومثل هذا التحليل من شأنه أن يساعد الغرب أيضاً على تطوير فهم لما يمكن أن تحققه العقوبات وما لا يمكن أن تحققه، وما هي العواقب غير المقصودة التي قد تترتب عليها.
التحايل على العقوبات
من جهته، أوضح الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط، عامر الشوبكي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن:
الغرب يواجه مُعضلة بشأن عقوباته ضد روسيا التي تعد ثاني أكبر مُصدِر للنفط في العالم.
الهدف من العقوبات كان واضحًا منذ بدء فرضها بالنسبة للغرب بوضع حد أقصى لسعر النفط، والآن بات الهدف هو تقليص إيرادات روسيا من النفط دون التأثير على إمدادات السوق العالمية، وحتى لا يسبب أي نقص في الإمدادات الروسية ارتفاعًا في أسعار السلع سواء القمح أو أو النفط ومشتقاته.
لكن روسيا وجدت من خلال “أسطول الظل” فرصة للتحايل على العقوبات الغربية وعلى السقف الأعلى للأسعار.
نجحت موسكو في هذا الأمر، خاصة مع عملائها الجُدد، على رأسهم الهند إضافة إلى دول أخرى، أو بزيادة حصتها للصين بحيث أصبحت روسيا أكبر مصدر للنفط إلى الصين.
وقال إن روسيا والصين لديهما فرصة للنفاد من العقوبات الغربية؛ خاصة أن بكين كانت المشتري الأول للنفط الروسي والإيراني، منوهًا بأنها كانت تُغامر عبر شركات صغيرة بشراء النفط، وأن هذه الشركات أسست لهدف واحد وهو شراء النفط “المُعاقب” تحديدا من إيران وروسيا، فلذلك هناك توقعات أن يستمرا في التحايل على العقوبات من خلال تلك الشركات وأسطول الظل .
وأكد الشوبكي على أنه ليس لمصلحة الغرب التصدي لروسيا والصين أو فرض عقوبات عليهما؛ لأن أي عقوبات من شأنها أن تتسبب في تقليص الإمدادات الروسية، ما سيؤدي إلى رفع أسعار النفط، وهو في غير صالح الغرب الآن، لسببين وهما:
أن الولايات المتحدة في عام الانتخابات، ورفع أسعار النفط سيؤدي إلى انخفاض شعبية الديمقراطيين والرئيس المنتخب جو بايدن، وهذا ما لايريده الديمقراطيون.
أن رفع أسعار الطاقة سينتج عنه تضييق الخناق على النفط الروسي، ما سيؤدي إلى رفع أسعار الطاقة، وهو ما سيعقد المسألة أمام الفيدرالي الأميركي في تخفيض أسعار الفائدة المعتقد أنه يبدأ في يونيو المقبل.
أدوات تجاوز العقوبات
فيما قال الأستاذ في مدرسة موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الغرب يضع عقبات وعراقيل أمام أي محاولات لتجاوز العقوبات ضد روسيا.
وأضاف أن الدول الكبرى مثل روسيا والصين تملك أدوات كافية لتجاوز تلك العقبات، مستعرضًا بعض تلك الأدوات:
الأسطول الرمادي ( المتخصص في نقل النفط الخاضع للعقوبات سواء كان إيرانيًا أو فنزويليًا، خاصة وأن الشركات المشغلة لهذا الأسطول لا تملك أرصدة أو أصولا في الدول الغربية حتى يتم تجميدها وما يساعد في الالتفاف على العقوبات.
اعتماد روسيا والصين على اليوان الصيني كعملة للتجارة بينهما، وفعليا الصين هي المستفيد من التوترات الروسية الراهنة كون عملتها تمكنت لأول مرة أن تصبح عملة احتياط لدى دولة أخرى مثل روسيا، بعد أن كان ذلك مقتصرًا على دول صغيرة غير مؤثرة مثل باكستان.
ورأى أن الغرب يمكنه التلويح بعقوبات ثانوية، لكن فعليا لا يستطيع فعل شيء على أرض الواقع، مرجعًا السبب إلى أن روسيا دولة كبرى لا يمكن شطبها من الخريطة الاقتصادية العالمية، على غرار كوريا الشمالية وكذلك إيران وسوريا وليبيا والعراق.
المصدر: سكاي نيوز