الرئيسية / مقالات رأي / تنصيب السيسي وتجاوز الخطر!

تنصيب السيسي وتجاوز الخطر!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي

الشرق اليوم- أتى تنصيب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لولاية جديدة، وسط أجواء ينتظر فيها المصريون نهاية لمعاناة استمرت طويلاً، واثّرت بشدّة على ظروفهم المعيشية. وبعدما أكمل المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي المراجعة الأولى والثانية لمصر، ووافق على زيادة القرض المقدّم إليها بنحو 5 مليارات دولار ليصل الى 8 مليارات دولار، ليُطرح السؤال نفسه: هل تخطّت مصر مرحلة الخطورة وعبرت نفقاً مظلماً ونجت من مصاعب اقتصادية جمّة؟ أم انّها تحتاج بعض الوقت للاستفادة من عوائد مشروع رأس الحكمة ومشاريع أخرى، يبدو انّ الإعلان عنها بات قريباً؟

صحيح انّ ما يحدث في مصر بين الحين والآخر وما تمرّ فيه الآن من أزمات على مستويات عدة وقضايا مختلفة، من طبائع الأمور لمجتمع يتعافى من مرض عضال وشعب يلملم جراحه ويتحمّل أوجاعه، بعدما ضربته شظايا الربيع العربي وحمى الثورات وسرطان الفوضى، ثم باغتته أزمات ومشكلات وحروب إقليمية بعضها بعيد، بحكم الجغرافيا، لكن الأحداث فيها ضربت اقتصاديات واستثمارات وسلعاً استراتيجية وأساسية، وأخرى قريبة وعلى الحدود في الجنوب، حيث السودان، والغرب عند الحدود مع ليبيا، والشمال الشرقي حيث العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة، وما افرزه من أزمات هناك بينها خطر التهجير.

ورغم كل تلك التحدّيات يكفي أن تعود إلى أرشيف الصحف القديمة وتقرأ ما فيها من أخبار وموضوعات، لتكتشف أنّ القضايا التي يصورها البعض على أنّها معضلات كبرى وأزمات مفاجئة، هي نفسها التي اهتمت بها الصحف على مدى سنوات طويلة، وبالتالي فإنّ مصر الآن دولة تعاني أزمات ترسّخت فيها لعقود، أفرزت تردياً في البنية التحتية وتدهوراً في مستوى التعليم وتخبّطاً في العلاقات الاجتماعية، ما أنتج أزمات ومشاكل ومعضلات، ظلّت على مدى سنوات تمثل كنزاً لا ينضب للصحف والإذاعات ومن بعدها الفضائيات، لتنهل منه وتعمل وتنشر وتذيع وتبث، ويأكل الآلاف من العاملين فيها عيشاً!

وإذا كان أعداء مصر الذين يسيرون في ركاب تنظيم “الإخوان” الارهابي يعتقدون أنّ أزمة في السكر أو ارتفاع أسعار بعض السلع يمكن أن يطيح الحكم ويقلب الناس على الدولة، فهذه قضيتهم وليست قضية أي طرف آخر، يُعمِل العقل ويقرأ التاريخ ولديه الحدّ الأدنى من القدرة على وزن الأمور. لكن بالنسبة إلى جموع المصريين فإنّهم الآن أكثر اطمئناناً إلى دولتهم، حتى إذا استمرت بعض الأزمات والمشاكل، ورغم المعاناة والضيق، فإنّهم يدركون أنّ الأزمة الاقتصادية وزيادة الأسعار وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض قيمة العملة المحلية، مفردات لحياتهم منذ عقود، ولم تكن نتيجة لحكم الرئيس عبدالفتاح السيسي لمصر، حتى إنّ بعض المصريين لم ينسوا بعد كيف جرى سن قانون لمقاومة الحفاء قبل ثورة تموز (يوليو) 1952. المؤكّد أنّ الفوضى التي ضربت البلاد عقب 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وتوقف الإنتاج وتدهور أحوال السياحة وإغلاق عشرات أو قل مئات الآلاف من المصانع وتعطّل الحياة العامة، كلها أمور ساهمت في تفعيل أزمات قديمة تعوّد المصريون على العيش في ظلها، لكنهم وجدوها تكبر ويزداد حجمها بإيقاع أسرع ووتيرة أعلى، وكلها معضلات احتاجت إلى كثير من الجهد والمال للسيطرة عليها أولاً، ثم معالجة آثارها.

الحكم على أوضاع مصر يجب أن يتمّ من دون استبعاد العوامل المؤثرة عليها الظروف التاريخية التي مرّت فيها، وإدراك حقيقة انّه في ظل محاولات لإفشال مؤسسات الدولة لم توقف المشاريع الكبرى ولم تمنع الحكم من تلبية مطالب مجتمعية، حتى وإن اختلف عليها البعض، ولم تحول دون تنفيذ القانون، كما حدث عند القبض على وزير لاتهامه في قضية فساد، وعزل آخر رداً على خطأ وقع فيه في حوار تلفزيوني، ناهيك عن سحب أراضٍ كان “حيتان” و”أباطرة” من رجال الأعمال حصلوا عليها من دون حق أو بأسعار زهيدة. كلها أمور لم تكن متاحة أو واردة في عصور سابقة كان القانون يطبّق فيها بمعايير مزدوجة أو بحسب مكانة من يقع تحت طائلته أو سلطته أو سطوته.

المهمّ أنّ الصورة التي يركّز عليها الإعلام المعادي لمصر والآلة الإعلامية الضخمة للإخوان مختلفة تماماً عمّا يراه يحدث على أرض الواقع، وأنّ ما يكتب عن مصر من الخارج قد يعبّر عن أمنيات وليس مجرد توقعات، وأنّ منحنى الهبوط تحول إلى صعود، وأنّ أي دعوة يتبنّاها فصيل سياسي أو تنظيم ارهابي كالإخوان، أو ناشطون أو نخبويون أو ثورجيون للثورة سيكون مصيرها مثل عشرات الدعوات التي أُطلقت ومرّت ولم تصب سوى أصحابها!

تنصيب السيسي للولاية الجديدة يتمّ وقد زالت المخاوف من سقوط الدولة، وأقرّ صندوق النقد الدولي بتحسن أحوال الاقتصاد في مصر بعد التدفقات الدولارية الاخيرة، وزيادة معدل النمو وانخفاض نسب البطالة والتضخم والعجز في الموازنة العامة، وتحقيق نجاحات في هيكلة الاقتصاد المصري وتحسين أدائه. لكن الناس في مصر يأملون في أداء حكومي افضل، بعدما زالت أسباب كانت تعوق عمل أجهزة الدولة، وينتظرون تفادي الوقوع في أخطاء تتعلق بنقص الكفاءة أو المهارة، أو التحجج بأنّ الظروف الدولية والإقليمية تعوق او تعطّل جهود التنمية، وينتظرون حصد ثمار صبرهم وتحمّلهم وتضحياتهم.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …