بقلم: أقريني أمينوه- اندبندنت
الشرق اليوم– تغيير دراماتيكي وتحول مفاجئ في معادلة التوازن السياسي جعلا من ابن أقلية “السيرير” التي ينحدر منها مسيحيو السنغال وينشط معظم أبنائها في الزراعة بالوسط الغربي للبلاد، باسيرو فاي، الرئيس الخامس لـ18 مليون مواطن وموجه دفة بلد يصفه مراقبون بجنة الديمقراطية في محيط تعصف به الانقلابات والعنف والجماعات المسلحة.
نسجت الصدفة خيوط قصة صعود الرئيس السنغالي الجديد، إذ ظل يقوم بدور “سنيد البطل” في حزب “باستيف” الذي تولى فيه منصب نائب الرئيس عثمان سونكو، السياسي القوي الذي اكتسح الرئيس المنتهية ولايته ماكي سال، إلا أن حركة من الأخير ورطت غريمه سونكو في ملف جنائي حرمه بعدها القضاء من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
وبالفعل جرت مياه كثيرة تحت الجسر في داكار الحالمة بتغيير ينسيها 12 عاماً من حكم ماكي سال مهندس المعادن الذي لم يرضِ طموح شباب البلاد، ليخرج له من حواري السنغال شباب في الثلاثينيات والأربعينيات استطاعوا أخيراً أن يوصلوا باسيرو فاي إلى القصر الرئاسي في حي بلاتوه العريق بالعاصمة.
بعد إقصاء زعيم المعارضة السنغالية بسبب الملف الجنائي دفع نائبه وزميله في إدارة الضرائب وأملاك الدولة باسيرو (وهي تحريف لاسم بشير) إلى التقدم لاستحقاقات مارس (آذار) الرئاسية التي تم تأجيلها شهراً بسبب رفض أنصار المعارضة لتلكؤ الرئيس المنتهية ولايته في احترام الآجال الدستورية للانتخابات.
دخل باسيرو الحملة الانتخابية وأقصى طموحاته السياسية أن يتأهل للدور الثاني مع مرشح تحالف الغالبية الرئاسية المدعوم من الدولة العميقة في السنغال، لكن المفاجأة الكبيرة حصلت ونجح مفتش الضرائب الذي يشبه آلاف الموظفين في بلده بمأمورية رئاسية من خمسة أعوام.
الرئيس الإخواني
لا يتردد الرئيس السنغالي الجديد في تقديم نفسه كإخواني ذي نفس أصولي معادٍ للعلمانية التي تتسيد المشهد في بلده منذ استقلالها عن فرنسا مطلع ستينيات القرن الماضي.
باسيرو فاي خريج القانون في جامعة داكار ولم يبرح قط دولته ولم يسافر خارجها وأكمل دراسته في عاصمة البلاد، فحصل على شهادة البكالوريا عام 2000.
ويرى المحلل السياسي الموريتاني ممادو صو أن “إخوانية الرئيس الجديد ستتلاشى عند ممارسته للحكم في بلد ديمقراطي لديه أعراف دبلوماسية وثوابت مدنية لممارسة الحكم، وبذلك قد يكون باسيرو ملزماً الحفاظ على مصالح شعبه وعلاقات دولته”.
لصقت صفة الإخواني بالرئيس الجديد حين ظهرت علاقاته الوطيدة مع حركات معروفة من هذا التيار أشهرها “عباد الرحمن”، وبسبب تصنيفه هذا تخشى الحركات السياسية من مغبة ممارسته للحكم، ويرجع ذلك إلى علاقاته غير الجيدة بالمركزيات الصوفية التي تنتشر في السنغال وتحظى بالنفوذ والتمكين من أدوات الحكم.
استخدم باسيرو في حملته الانتخابية قاموساً دينياً لفت انتباه المراقبين السياسيين، وزادت من دهشتهم خصوصية السنغال، ذلك البلد العلماني الذي يضم نسبة معتبرة من المسيحيين وسبق أن كان أول رئيس له مسيحياً حافظ على ممارسة انسيابية انتقال السلطة فيه بسلمية لافتة.
ويخشى المراقب السياسي السنغالي انضو الحسين أن “يؤثر حكم هذا الأربعيني الذي لم يسبق له تولي مناصب سياسية سامية ولم يحظَ بتجارب مهنية في المجال العام، في تراكم تجارب السنغال في طبيعة الحكم الهادئ الذي ميزها بمنطقة غرب أفريقيا، خصوصاً بعد انهيار منظومة الدول المركزية في كل من مالي الجارة الشرقية وغينيا كوناكري المضطربة، كما أن السنغال غير بعيدة من بوركينا فاسو المهددة دائماً بثنائية الإرهاب والانقلابات.
الشعبوي الكبير
لم يمضِ الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية الرئاسية حتى أبان المرشح باسيرو عن علو كعبه في الخطاب الشعبوي، إذ وعد السنغاليين بممارسة الصيد التقليدي في شواطئهم الفقيرة بالأسماك، بل إنه قال في تجمع انتخابي إن 10 آلاف صياد يعملون في الجارة الشمالية موريتانيا بإمكانهم العودة لبلدهم مما سيصعب تحقيقه، بحسب المحلل السنغالي الحسين.
وتظهر شعبوية الرئيس الجديد في مفارقات عجيبة، إذ يغازل أصوات الناخبين كل بحسب توجهاته، فيركن إلى التاريخ السنغالي البعيد ليمني بعض الناخبين باسترداد منطقة نزاع حسمت منذ عقود، كما أن خصومه ينتقدون افتقاره إلى الفهم العميق لثقافة الحكم في بلد تتعايش فيه أعراق وأديان عدة ويحتكم إلى الدستور والحياة المدنية التي ينتقدها باسيرو دائماً في نكوص واضح، بحسب معارضيه، عن قيم الجمهورية.
ويخلص المحلل السياسي السنغالي انضو الحسين إلى أن “خطاب باسيرو في الحملة غير عقلاني وغير واقعي وسيهيئ الطريق للدخول في خلاف مع شعبيته التي ألقت به إلى القصر”.
يذكر أن هذه الانتخابات ليست هي أول تناوب سلمي للسلطة في السنغال، حيث سبق للرئيس المؤسس ليوبيد سيدار سينغور أن تنازل طواعية للرئيس عبدو ضيوف الذي حكم البلاد حتى عام 2000، وهزمه مرشح المعارضة عبدالله واد الذي حكم حتى 2012.
وتكرر المشهد نفسه وأُقصي واد من طرف المرشح الصاعد ماكي سال الذي حدد فترة حكم السنغال بدورتين في تعديل دستوري حرم هو نفسه من الترشح لدورية ثالثة ليدعم في انتخابات 2024 آمادو با وزيره الأول الذي هزمه هذا الأربعيني الآتي من ساحات النضال ومكاتب إدارة الضرائب في بلد قد يدفع ضريبة انحيازه لأحلام شاب متحمس وغير مجرب.