بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً لإسرائيل، سؤالاً يقول: هل تعتقد إسرائيل أن حربها في غزة وما شهدته من تدمير شامل لسكانه، وسقوط المئات من الإسرائيليين قتلى، يعتبر انتصاراً لها؟.. فإن مثل هذا السؤال لابد أن يدعو إلى تأمل رؤية أنصار إسرائيل في أمريكا، والذين شغلوا بالدراسة المتعمقة لما يجرى الآن في غزة.
السؤال جاء من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» وكتبه باتريك كلاوسون مدير الأبحاث بالمعهد، وقال إن إسرائيل لا يمكنها إنهاء الهجمات ضدها – والتي تصفها بالإرهاب– والمستمرة لعشرات السنين، فهي تستطيع قتل كثير من قيادات حماس المدنيين، وتدمير أي عملية لتكرار هجوم 7 أكتوبر، لكن تحقيق هذا الهدف سيستغرق أكثر من ستة شهور، وسيكون مصحوباً بمزيد من التدمير الشامل في غزة، وسقوط المئات من الإسرائيليين قتلى.
ويضيف كلاوسون أن حماس أو أي من منظمات المقاومة، تعتبر منظمة تضم أعضاء وفي نفس الوقت هي أيديولوجيا، وأنت ليس في إمكانك استئصال الأيديولوجيا. ثم يأتي السؤال إلى متى سوف تسمح أمريكا لإسرائيل بأن تفعل ما تريده. وهناك اعتقاد لدى الخبراء أن حكومة إسرائيل لا تملك رؤية واضحة عمّا يمكنها أن تفعله بعد أن ينتهي جيشها من احتلال غزة، كما أن نتنياهو ليس لديه رؤية تشمل كل احتمالات المستقبل، فهو قد ثبت تفكيره عند منع الوصول إلى حل الدولتين، وتحقيق سلام مع الفلسطينيين، إضافة إلى ما نتج عن أعماله العسكرية في غزة من إشعال مشاعر مضادة لإسرائيل في المنطقة، وهناك مسؤولون إسرائيليون مندفعون في تيار تصورهم إمكان تهجير مئات الألوف من سكان غزة إلى سيناء، وهو ما لن تسمح به مصر.
وإضافة إلى تلك الرؤية من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»،إلا أن ذلك قد دفع أطرافاً أخرى متعددة لتدلى بدلوها في هذا التشخيص للموقف الإسرائيلي الحالي، والاحتمالات المتوقعة لنتائج تصرفاته. منها «مركز مبادرة سكوكرفت لأمن الشرق الأوسط»، والذي أسسه الجنرال برنت سكوكرفت مستشار الأمن القومي لاثنين من الرؤساء السابقين هما جورج بوش الأب، وجيرالد فورد، وقد تحدث باسم هذا المركز مديره جوناثان بانيكوف، وقال إن الأيام القادمة لن تؤدى فقط إلى تشتت رؤية إسرائيل لأمنها، لكنها قد تغير من مستقبل مكانتها في المنطقة، وكلما طال أمد الحرب، فإن صوت المجتمع الدولي سيعلو بمطالبتها بوقف التصعيد في الأعمال العسكرية.
ومن ناحيته قال يوسى سيكالبرغ عضو برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد البريطاني شاتهام هاوس، أنه ليس هناك شك، وهو ما يحزنني، في أن الموقف يمكن أن يزداد سوءاً بدل أن يتحسن، وأن الأسابيع القادمة هي التي ستقرر ذلك، في وقت يزداد فيه التشاؤم مع قتال إسرائيل ضد حماس، بينهما يكون الضحايا هم من المدنيين.
وقال سكيلبرغ إن خبراء الشرق الأوسط يعتقدون أن النزاع يمكن أن يدخل مرحلة التدمير الكامل، وليس مجرد القتال ضد أفراد أو جماعات، وهو ما يجعل التوقعات غير مؤكدة بالنسبة لهذه الحرب.
أيضاً لحقت بهذا الجدل هولى إيلتات الخبيرة بشبكة C.N.B.C الأمريكية متسائلة عن إراقة الدماء والدمار والاحتمالات البعيدة لإقرار السلام. وقالت إن العنف غير المسبوق في غزة دفع كثيراً من الخبراء في الاستراتيجية إلى التساؤل عن الوقت الذي سينتهى عنده هذا النزاع. وأن هؤلاء الخبراء يعتقدون أن النزاع بصورته الحالية يمكن أن يدخل مرحلة من زيادة التدمير.
لم يكن بعيداً عن جميع هذه التصورات، ما طرحه واحد من أكبر خبراء السياسة الخارجية في أمريكا وأبرزهم تخصصاً في النزاع الإسرائيلي– الفلسطيني وهو البروفيسور جون ميرشيمر، ويقول: إن إسرائيل ظلت طوال السنوات الماضية ترتب الظروف، لإيجاد سجن مفتوح للفلسطينيين في غزة، وأن تلحق بسكانها إحساساً بالألم والعذاب الشديدين حتى يخضعوا لرغبات إسرائيل، وأن الهدف من ذلك خلق شعور لدى المليونين ونصف المليون من أهالي غزة بأنهم محبوسون في دائرة مغلقة عليهم، ما يسهل ممارسة ضغوط مؤلمة على حياتهم.
ثم يقول ميرشيمر «إن ما تعتقده إسرائيل أن بإمكانها إرغام الفلسطينيين على الخضوع لها، هو تصرف غير واقعي، لأن من الطبيعي ومهما طالت الأيام أن يلجأ الفلسطينيون إلى مقاومة احتلالها لأراضيهم، وتلك حكمة التاريخ، صحيح أن إسرائيل تقوم بتعذيب وقتل وإذلال الفلسطينيين في أراضيهم التي تحتلها منذ عام 1967، إلا أنه قد غاب عنها مقولة صحيحة للمؤرخ الإسرائيلي نيتزيسكى والذي قال: في مثل هذه الحالة فإن من لم يستطع قتلك، فهو يجعلك أقوى مما كنت».
ثم يقول ميرشيمر: «إننا في الغرب، وبيننا كثيرون ممن كانوا يتعاطفون مع إسرائيل، صاروا الآن مقتنعين بأنها دولة معتدية، وأن الفلسطينيين هم الضحية، وفي يوم قريب سوف يغير العالم من تصوره لهذا النزاع، وسينظر إليه باعتباره بقعة سوداء في سمعة إسرائيل، والتي غاب عنها حقيقة أنها لن تنتصر على الإطلاق في غزة».
وأن ما لم يكن تصديقه أن تفعل إسرائيل ما فعلته في غزة، بحرب حمقاء لا يمكنها أن تنتصر فيها.