بقلم: نورة صالح المجيم- القبس
الشرق اليوم– تشكل الديموقراطية الإيرانية حالة خاصة من نوعها، نادر تواجدها في العالم. فهي كما يسميها البعض ديموقراطية «مقيدة» أو «مدارة». حيث يغلب عليها الطابع الشكلي إلى حد بعيد، فالقوانين والمؤسسات تسمح فقط لمن تريده السلطة العليا بالترشح. وبالتالي، حينما يفوز إصلاحيون أو معتدلون بالرئاسة أو بمقاعد المؤسسات المختلفة الإيرانية؛ فهو حتما يشي بتوجه جديد أو موجه على صعيدي السياسة الداخلية والخارجية، وخاصة الأخيرة. والعكس صحيح.
في أوائل شهر مارس أجريت انتخابات مجلس الشورى الإسلامي، ومجلس خبراء القيادة. وتصدر الأصوليون نتائج الانتخابات، وهو ما كان متوقعاً بعد استبعاد معظم من يمثلون التيارات الأخرى خاصة المعتدلة من المشاركة. لكن ما هو غريب في ظننا هو تصدر الأصوليين تلك الانتخابات وليس حتى المحافظين التقليديين، وهو ما يمهد لسيطرتهم على الرئاسة وبقية المؤسسات، في ظل ما تشهده إيران من تأزمات شديدة داخلية وخارجية. إذ عادة ما كان يتم الدفع بالمعتدلين والإصلاحيين للتخفيف من تلك التأزمات خاصة على صعيد التوتر مع الغرب.
وعلى الأرجح يعزو تصعيد الأصوليين إلى أمرين، الأول مرتبط بخلافة علي خامنئي المرشد الأعلى. إذ يريد النظام خليفة لخامنئي يحافظ على النهج المتشدد للثورة الإيرانية أو ثوابتها الرئيسية. والآخر هو اعتقاد النظام أن تماسك واستمرار النظام يعتمد على السياسات والإجراءات المتشددة، خاصة على الصعيد الداخلي في ظل تنامى التذمر والتوجهات المطالبة بالإصلاح. إذ يشهد النظام كل عامين تقريبا موجة احتجاجات عنيفة خاصة من الشباب.
وخروج النظام الإيراني عن المألوف هذه المرة عبر تصعيد الأصوليين في ظل أزمة توتر حادة مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة، يشير إلى أمرين، أولهما إحساس النظام بالقوة وامتلاكه أوراق ضغط كثيرة وشبكة من الحلفاء الخارجيين وعلى رأسهم الصين وروسيا، قادرة على مناورة الغرب. والآخر اعتقاده أيضاً أن السياسات المتشددة أو التصعيدية على الصعيد الخارجي قد حققت له أهدافه المرجوة.
وبالتالي، فمن المؤكد في ظل سيطرة الأصوليين أن ثمة توجهاً متعمداً بالمزيد من التصلب والتصعيد على الصعيد الخارجي. وبطبيعة الحال، يتصدر البرنامج النووي الإيراني قائمة الملفات التي ستشهد الفترة القادمة المزيد من التعسف. ففي ظل سيطرة الأصوليين، ربما سترفض إيران تماما أي تسوية، أو تقبلها بشروط شديدة التعسف ومقابل تنازلات كبيرة لن يتقبلها الغرب. خاصة ووفقاً لكل التقارير الدولية فإن إيران أصبحت على مرمى حجر من امتلاك القنبلة النووية.
في واقع الأمر، تتسم السياسة الخارجية الإيرانية بالبراغماتية إلى حدٍّ كبير، ولا تسعى إلى الحرب مع الغرب. لكن يوحى التصعيد المرتقب بشعور إيران بضعف أو تراجع كبير للولايات المتحدة، وتملل شديد أيضا من عدم التقدم في التسوية أو إحياء البرنامج النووي. وربما تستعد أيضا لعودة ترامب المرجحة بشكل كبير الذى سيواصل سياساته المتشددة تجاه إيران.
فمن الواضح حتى قبل صعود الأصوليين، أن إيران عبر حلفائها على أهبة الاستعداد لحرب مفتوحة مع إسرائيل جارية حاليا لكن بصورة «مدارة» في سوريا ولبنان وغزة والبحر الأحمر. لكن المشكلة تكمن في أن وجود الأصوليين قد يدفع الصراع مع إسرائيل-وغالبا عبر حلفائها- إلى حرب إقليمية شديدة الوطأة. ولا سيما أن إسرائيل في ظل قيادة اليمين عازمة على توسيع نطاق الصراع في المنطقة لأنها تشعر بأنها قد أمست في تهديد وجودي إما الانتصار الكامل وإما الهزيمة الكاملة.
بقية ملفات إيران الخارجية ولا سيما في المنطقة فبكل تأكيد ستشهد المزيد من التشدد والتصعيد، قد يعصف بكل ما سبق من إجراءات وخطوات تصالحية خاصة مع دول الخليج، وبالأخص التطبيع بين السعودية وإيران. إذ سيستمر وبقوة دعم ميليشيات إيران في المنطقة والتي تشكل تهديداً كبيراً لدول الخليج والمنطقة، والتدخل في شؤون المنطقة، ودعم الأقليات والجماعات التابعة، وتطوير وتقوية أنظمة التسليح الإيرانية وخاصة الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى.