بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- بغض النظر عن العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وموقع الأخيرة في الاستراتيجية الأمريكية ودورها الوظيفي في إطار تلك الاستراتيجية، فإن حرب غزة بدأت تثير الشكوك حول استمرار هذه العلاقة إلى ما لا نهاية، بينما بدأت السياسات التي تنتهجها إسرائيل تجاهها تقسّم الأمريكيين أنفسهم.
من المعروف أن الإدارات الديمقراطية والجمهورية الأمريكية المتعاقبة دأبت على تقديم كل أشكال الدعم لإسرائيل باعتبارها جزءاً من المنظومة الكونية لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة والعالم. لكن هذه العلاقات بدأت تهتز بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أعقاب هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
في البداية، سارعت الإدارة الأمريكية بقضها وقضيضها للاصطفاف خلف إسرائيل وإعلان دعمها المفتوح لها عسكرياً وأمنياً ومالياً واقتصادياً، وأرسلت كبار مسؤوليها تباعاً إلى تل أبيب للدعم والتأييد، كما أرسلت أساطيلها إلى البحر الأبيض المتوسط خوفاً عليها، وتناست كل خلافاتها السابقة مع حكومة نتنياهو، سواء لجهة التعديلات القضائية، أو لكون تلك الحكومة تحوي عناصر متطرفة تتبني أيديولوجية العنف والاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وهو ما يتعارض مع سياسة واشنطن ومصالحها في المنطقة. لكن أيضاً سرعان ما تحول هذا الدعم الأمريكي الأعمى والمطلق، إلى محل انتقادات، سواء في الداخل الأمريكي أو على مستوى العالم، وبات يهدد بعزلة الطرفين، يواكبها أيضاً خلافات بين إدارة بايدن ونتنياهو بدأت تظهر إلى العلن، بفعل أداء حكومة نتنياهو وطريقة إدارتها للحرب، ورفضها التساوق مع مجمل السياسات الأمريكية في المنطقة.
هذه الخلافات وتداعياتها انعكست بالتأكيد على المؤسسات الأمريكية، وبالذات على الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، وكذلك داخل إدارة بايدن ذاتها. إذ تعالت الكثير من الأصوات الديمقراطية المطالبة بإجبار إسرائيل على الانصياع للإدارة عبر خطوات إجرائية، مثل تقييد أو وضع شروط على استخدام الأسلحة الأمريكية بخاصة ضد المدنيين، والتلويح بإمكانية رفع الغطاء السياسي عن إسرائيل في مجلس الأمن والمحافل الدولية. في حين انبرى الجمهوريون للدفاع بشكل مطلق عن سياسات نتنياهو وحتى عن طريقة إدارته للحرب بما في ذلك اعتزامه اجتياح رفح رغم معارضة أغلبية دول العالم.
صحيح أن الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين، لم يصل إلى حد الأزمة، ولكنه يكرس الانقسام والاستقطاب الأمريكي، خصوصاً بعدما خاطب نتنياهو الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ورفض الديمقراطيين لذلك. ومع أن هناك أصواتاً كثيرة ترفض تدخل إسرائيل في الشؤون الداخلية الأمريكية، إلا أن كلا الحزبين يدرك أن إسرائيل ظلت على الدوام قضية انتخابية أمريكية، وبالتالي فإن التنافس سيحتدم لكسب أصوات الجاليات اليهودية، ويمنع إدارة بايدن من اتخاذ خطوات صارمة ضد تمرد نتنياهو وحكومته.
ومع ذلك، فإن ثبات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، والتميز بين إسرائيل كدولة وحكوماتها كعامل متغير، قد لا يبقى كذلك مستقبلاً، مع جنوح المجتمع الإسرائيلي بأغلبيته الساحقة نحو اليمين والتطرف، وبالتالي إنتاج حكومات تتعارض سياساتها مع المصالح الأمريكية، وهو ما يثير الشكوك حول مستقبل العلاقات بين الجانبين.